هنادي سلمان
﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ (الأنفال/46) قد يكون النزاع أو الشجار من المواقف التي اعتدنا على مشاهدتها داخل منازلنا، سيما إذا كان أطرافه الأطفال الذين يثورون لأسباب تافهة والذين قد لا يحتملون عادة بأن تقتصر نزاعاتهم ومشاجراتهم على الكلام حيث يحاولون حلها عبر الضرب. فما هي الأسباب التي تؤدي إلى نشوء مثل هذه المشاجرات وكيف السبيل إلى حلها والتخلص منها؟
* متى تبرز المشاجرة؟
تكثر ظاهرة المشاجرة بين الأخوة والأخوات في العائلة الواحدة خاصة إذا كان فارق السن بينهم ضئيلاً، وهي عند الذكور أكثر منها عند الإناث، كما يلاحظ أن المنازعات تكثر أيضاً بين الأطفال الغرباء، وكذا في الأوقات التي يجد فيها الطفل لنفسه الحامي والمعين فيتجرأ ويهجم على الضعيف. وكذا الحال بالنسبة للأطفال الذين نشأوا على الدلال. كما أن بعض الأطفال الذين يكبرون غيرهم بثلاث سنوات أو أربع، يعدون أنفسهم في مصاف الكبار ويعتقدون بأحقيتهم في توجيه الأوامر إلى الأصغر منهم، فإذا لم يستجيبوا لهم يمنحون أنفسهم الحق في منازعتهم(1).
* أسباب المشاجرات:
تتعدد أسباب المشاجرات بين ما يتعلق بشخصية الطفل أو ما يعتبر صدى الانعكاسات التربوية السيئة. فكثيراً ما يكون نمط سلوك الأبوين سبباً في إثارة حسد الطفل وضغائنه، وفي خلق جو من المنافسة والمفاضلة بينه وبين إخوته من خلال المعاملة. كما إن بعض الآباء الذين يتخذون المنازعات وسيلة لحل الأمور التي تعترض حياتهم، وذلك على مرأى من أبنائهم، إنما يخلقون أطفالاً مشاغبين يشبّون على الميل إلى المشاجرات"(2). ويبقى العقاب الذي قد يترقبه الطفل بسبب قيامه ببعض الأفعال والحالة المريرة التي يعانيها، والتي تجعله يبرز انفعالاته بشكل غير سليم ويتشاجر مع الآخرين لأتفه الأسباب(3).
أما ما يتعلق بشخصية الطفل فهناك عدة أسباب تدفعه إلى القيام بالمشاجرات منها:
1- الرغبة في التملك: فقد يكون في يد الطفل دمية إلا أنه يلاحظ في يد طفل آخر دمية أجمل منها فيثور في نفسه حب العدوان والرغبة في التملك فيركض وراءه ليخطفها منه.
2- الحفاظ على الملكية: وهنا تطرح مسألة الطرف المقابل الذي يسعى لصيانة ممتلكاته والحفاظ عليها لأن الطفل شديد الحساسية إزاء ما بيده وشديد الحذر على ممتلكاته.
3- الضعف: كثيراً ما يشعر الطفل بالضعف بسبب عدم نضجه وهذا ما يدفعه للشروع بالمشاجرات لغرض استقلاليته، ولكي يبدي للآخرين أنه ذو شخصية كاملة وقادر على الدفاع عن نفسه وعلى إثبات وجوده.
4- الرغبة في التسلط: يميل الكثير من الأطفال إلى التسلط على الآخرين حتى في اللعب. وكثيراً ما تؤدي هذه الميول إلى المشاجرات والاصطدامات. إذ يتصور الطفل أنه إذا لم يتسلط على الآخرين فسيصبح تحت سيطرتهم(4).
* النزاع وموقف الأهل:
كثيراً ما يحتدم النزاع والعراك بين أطفال الأسرة الواحدة وكثيراً ما يثير عراكهم هذا غضب الأهل وحنقهم فيعمدون في الغالب إلى حسم ذلك النزاع بضرب المتنازعين دون تردد أو تمييز، ويتفاوت هذا الضرب ضعفاً، وشدة، غير أن الدافع إليه واحد في معظم الحالات، أنه الرغبة في العقاب التي تسيطر على الأهل وتحملهم على إنزال الأذى بصغارهم بقدر ما ألحقوه بهم من إزعاج بسبب نزاعهم(5) وكثيراً ما يكون هذا النزاع سبباً لحزن الأهل الذين يودون لو أن العلاقة بين أبنائهم وثيقة، وأكثر ما يحزن أن تتكرر هذه المشاجرات فلا ينفع في وقفها عقاب، وأعظم من ذلك أن تستمر حتى يبلغوا سن الرشد.
* كيف نتعامل مع المسألة؟
إن الشجار بين أبناء العائلة الواحدة أمر قد لا تسلم منه أسرة، ولكن المهم أن يعرف الأهل أن لهذا الشجار بعض الفوائد، وأن بعض الخصومات قد تنتهي دون تدخلهما. من الفوائد التي قد يخلِّفها الشجار أنه "يمكن أن يعلم الصغار كيفية مواجهة التنافس في الخارج. وأول ما يتعلم الصغير كيفية النقاش مع شخص آخر(6). كما أن هذه المنازعات قد تمكّن الوالدين من استنتاج مشاعر الصغار وحاجاتهم. ولكن وعلى الرغم من هذه الفوائد إلا أنه في معظم الأحيان لا بد من إيقاف هذه المنازعات ومنعها من التحول إلى مواقف ضارة واعتيادية. ولكن هذا المنع يجب أن يبتعد عن الأساليب المؤذية. بل والأولى أن نقطع أسبابه الأساسية لأن الوقاية خير من العلاج، وذلك من خلال التوازن والمساواة في المعاملة فيما بين الأطفال حتى في أدق التفاصيل، وهذا الأمر هو من الواجبات التي لا بد أن يلتزم بها أولياء الأطفال، وها هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول عندما ينظر إلى رجل له ابنان قبّل أحدهما وترك الآخر: "فهلا ساويت بينهما"(7) وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وآله: "إعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم"(8).
كذلك يجب أن يراعي الوالدان سيطرة جو الألفة والمحبة على الأسرة ليتسرب منهما إلى الأبناء وذلك "بأن تسيطر صفة العفو والصفح... وتصبح ملكة لدى كل امرأة ورجل"(9) ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ...﴾(الأعراف/199). كما إنه بالإمكان أن نسرد للطفل بعض القصص التي تتحدث عن علاقات الأخوة والصداقة وايجابياتها، مما يؤدي إلى توجيههم نحو التالف والتعاون المتبادل. ومن المهم أن يعتبر الأب والأم نفسهما وسيطاً لا قاضياً، لأن اتخاذ الوالدين موقف القضاء بين الصغار من شأنه تأجيج الخصومة. كما إن الحلول لتفادي خلافات الصغار تكمن في عقد جلساتِ التفاوض والتوصُّل إلى الاتفاق حول سائر المشاكل المسببة للخلافات الدائمة(10).
أما العقوبة فيلجأ إليها إذا فشلت كل الطرق وهي لا تطبق إلا على المخالف، ولكن شرط أن تكون عادلة ومتناسبة مع الذنب، وأن لا تطبق إلا بعد العديد من الإنذارات المسبقة، وذلك مع مراعاة الرأفة والرحمة فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "ليرأف كبيرهم بصغيرهم"(11)
(1) رأفت محمد بشناق ، سيكولوجيا الأطفال. ص244.
(2) محمود حسن. الأسرة ومشكلاتها، ص292.
(3) سيكولوجيا الأطفال، م.س.
(4) المصدر السابق، ص246.
(5) باسمة كيال سيكولوجيا الطفل، ص205.
(6) عكاشة عبد المنان الطيبي. التربية الاجتماعية للطفل، ص79.
(7) النوري. مستدرك الوسائل، ج2 ص626.
(8) المجلسي، بحار الأنوار، ج23، ص113.
(9) الأستاذ مظاهري. تربية الطفل في الإسلام، ص82.
(10) عكاشة الطيبي، موسوعة الطفل الصحية والنفسية، ص81.
(11) لبيب بيضون. تصنيف نهج البلاغة، ص745.