هناك خصوصيات تعتبر من ضمن الميزات البارزة والجذّابة في المجتمع الجامعي، ولا بدّ من الحفاظ عليها، ومنها:
* نظرة التجدد إلى القضايا، وترشّح الأفكار الذهنية الجديدة والمعاصرة؛ وهذا ما نرغب فيه ونعتبره ضرورياً.
* الرؤى والتطلّعات الهادفة: من الممكن أن يكون الوصول إلى هدف من الأهداف متعسّراً، ومع ذلك فلا يجوز ترك هذا الهدف؛ ولهذا فإنّ ما تمتلكونه من نظرة هادفة، وأهداف ناشئة عن ذلك، هو ما نريده، ولا بدّ أن يتحقق.
* أسلوب النقد، وعرض المطالب: لا ينبغي التصوُّر لأحدكم، أنَّني أتضجَّر من الأسلوب الناقد، حتى وإنَّ كان مشوباً بشيء من المرارة أحياناً، كلا، بل إنَّ أسلوب النقد هذا، يعتبر من مقوّمات الرؤى والتطلّعات الهادفة؛ لأنَّ عدم الاكتفاء بما نملكه، معناه الميل والرغبة في الوصول إلى الأشياء التي لا نملكها؛ وهذا هو الأمر الذي نريده بالدقّة. بناءً على ذلك: عليكم أن تتحلَّوا بالأفكار الجديدة، والرؤى والتطلّعات الهادفة، والأسلوب الخاص القائم على هذه التطلّعات، فإنَّ هذه من الأمور الجيّدة. وإذا حُفظت هذه الخصوصيات، حينها سيكون دور الشاب الجامعي كدور المحرِّك الذي يقوم بتسيير عجلات القطار؛ أي يكون مولّداً ودافعاً وموجِّهاً لحركة التطوُّر، وأمَّا إذا قنع الشباب ورضي بما نحن عليه الآن، فسوف لا تمضي عجلة التقدُّم في البلد نحو الأمام، فعلى الشاب السعي لبلوغ الأهداف التي لم تُحقق إلى الآن.
هناك إحدى المسائل الأساسية التي تُطرح عندما ألتقي مع الشباب الجامعي، وهي:
* صنع القدرة على تحليل المسائل والحوادث المهمّة في البلد: فالسياسة في الجامعات التي أؤكد عليها دائماً هي بهذا المعنى. إنَّ لدينا نوعين من السياسة: السياسة الرعناء العابثة، وإنَّني لا أؤيّد هذا النوع بتاتاً، لا في داخل الجامعة ولا خارجها خصوصاً داخل الجامعة . والنوع الثاني: التخصّص السياسي؛ أي التمكّن من الفهم الحقيقي للسياسة، والقدرة على التحليل السياسي، وهو إحدى الوظائف التي تعنى بها التشكيلات الجامعية. إنَّني أؤكد، على اللجان الجامعية، بأن يخصصوا للطالب الجامعي أنواعاً من البرامج والنشاطات التي تجعل منه ذا قدرة على التحليل السياسي، بحيث لا يوافق على أي رأي بسهولة، ولا يسمح لذهنه بتقبّل أو ردّ أي فكرة محتملة ببساطة، وهذه هي القدرة على التحليل السياسي، التي تعتبر مهمَّة للغاية. لقد عانينا من ذلك كثيراً ليس نحن فقط بل كانت الشعوب الأخرى تعاني أيضاً في بعض الأحيان من مشاكل كبيرة؛ نتيجة لأخطائها وتخبّطها في الفهم السياسي.
* التعمَّق بالمعرفة الدينية بين طلبة الجامعات: إنَّني أؤكد على هذه المسألة أيضاً، وقد ذكرتها مراراً إلا أنَّ الهيكل الجامعي، يختلف من اجتماع الى آخر ولا بدّ من ذكرها لكم أيضاً، وهي: إنَّ ارتباطنا بالدين والمظاهر الدينية ارتباطاً عاطفياً وشعورياً، لا يُعد كافياً، فعندما نتوقَّف أحياناً عن الاستفادة من التعاليم والمعارف الدينية، سوف لا نحصل على القدرة الكافية لتحديد وظائفنا، أو على الإيمان الذي يرفد عملنا. فالاقتصار على المظاهر الدينية ليس أمراً كافياً، بل لا بد من العمل؛ من أجل التعمّق بالمعرفة. انتبهوا أيَّها الشباب الأعزاء: إنَّ ما حصل للجمهورية الإسلامية ونظامها، ليس كحصول إحدى الحكومات على السلطة؛ نتيجة لأوضاع سياسية خاصة كما حدث في بعض البلدان، فما تحقق ليس كذلك، بل هو حدث عظيم أخذ بالتنامي والتأصُّل في أنحاء واسعة من العالم؛ وتأسيس نظام يعتبر القيم المعنوية جزءاً من نسيجه الأساسي، كما أنَّ هذه الظاهرة تعتبر ظاهرة مهمَّة جداً، وموضعاً لحاجة الإنسانية؛ ولهذا نالت الترحيب والإعجاب من قِبَل شعوب العالم، وسوف تنال ترحيباً أكثر من ذلك في المستقبل. إنَّ النظام الذي يتسلَّم السلطة على أساس الفكر والمعرفة الإسلامية، سيجعل القيم الروحية للإنسان جزءاً من مبانيه الأساسية، وهذا لا يعني أنّ هذا النظام سوف لا يهتم بالمسائل المادية، ويكون هدفه القيم الروحية فقط، كلا، فإنَّ هذه مغالطة وإحدى الإيرادات الخاطئة، التي توردها وسائل الإعلام العالمية ضد الجمهورية الإسلامية، فالأمر ليس كذلك أبداً، بل إنَّ معنى تأسيس نظام بهذا الشكل، هو عودة أحد العناصر المفقودة بين النَّاس؛ أي القيم المعنوية التي تقع في قبضة القوى المتسلّطة في العالم إلى الحياة الإنسانية، فكما أنَّ الإنسان بحاجة إلى الخبز والهواء والغذاء والصناعة والعلم والتقدُّم والاستمتاع بالحياة، يحتاج أيضاً إلى الإيمان والتقوى والعفّة والورع وطهارة القلب ونورانيّته، والتعمّق في المعارف الإلهية، وكذلك يحتاج إلى الأخلاق الحسنة، والمكارم الفاضلة. لقد أبعدت القبضة الحديدية لأصحاب القدرة المادية في العالم القيم المعنوية عن أوساط الإنسانية.
إنَّ ما يهدف إليه النَظم الموجود في العالم اليوم الذي استحكم في المئة، أو المئة والخمسين، أو المئتي سنة الماضية هو إبعاد المعنويات بالتدريج عن الوسط الاجتماعي، وهذا ما يؤدي الى إلحاق الضرر بالإنسانية. إنَّ الإنسانية اليوم هي بحاجة إلى التقدُّم العلمي، وبحاجة أيضاً إلى الاكتشافات العلمية المستمرة كما يحصل الآن نتيجة للقيام بالاكتشافات، والتطوّرات المدهشة إلا أنَّ ذلك يجب أن يكون مشفوعاً بالقيم الروحية. حسناً، إنَّ النظام الإسلامي أيضاً هو من الأنظمة التي ترغب في عودة هذا العنصر المفقود من المدنية والمجتمع الإنساني إلى الحياة الإنسانية. إننا بحاجة إلى الجيل الصاعد المؤمن المجاهد من ذوي الهمَّة والخبرة والتطلّعات الكبيرة؛ من أجل التمكّن من الوصول إلى التطلّعات المرجوّة، وإنَّ أهمَّ الخصائص التي لا بدّ أن يتحلَّى بها هي الإيمان والتقوى. إنَّ ما نقوله: من وجوب تعمُّق المنظمات الإسلامية والمجتمع الجامعي، بالمعارف والتعاليم الإسلامية؛ هو من أجل تمكّنهم من تحمُّل المسؤولية الجسيمة الملقاة على عواتقهم، والحصول على نتائجها؛ لأنَّه بدون هذا التعمُّق لا يمكن تحمُّل هذه المسؤولية. إنَّ مسؤوليتكم جسيمة، فعلاوة على متابعة دروسكم، عليكم أن تتعرّفوا على الأجواء السياسية، وينبغي أن يكون لكم دور في التأثير فيها، فضلاً عن تقوية استعداداتكم من الناحية الفكرية والروحية.
(*) المناسبة: لقاء القائد مع نخبة من متفوّقي الجامعات، 17 - 10 - 2006م.