آية الله ناصر مكارم الشيرازي
إن اختيار الأفراد بالشروط والصفات اللازمة يتبع دوماً مقدار ودرجة المسؤولية التي توكل إليهم، لأن لكل نوع من المسؤوليات شروطاً وصفات خاصة.
ومن المسلم أن المسؤولية كلما عظمت وارتفعت أهميتها كانت شروطها أشد وأصعب.
وفي الحقيقة فإن أصل "انتخاب الأصلح" يعد من أهم الأصول في عملية التعيين، ولكن هذا الأصل أسيء استخدام التعبير فيه. ولذلك لم يعد ممكناً أن يطبق بالعنوان الكلي، وإنما ينبغي أن يراعى من خلال التحليل الدقيق للجزئيات والتفاصيل بشكله العملي.
وقد أكد الإسلام على هذه القضية، كما يُشاهد في سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اختار من بين جموع المسلمين شاباً لم يتجاوز في سنه عدة سنوات بعد العشرين يدعى "عتاب بن أسيد" لقيادة مكة وأصدر أمراً بذلك.. ونظراً لقلة تجربته فقد كان هذا الاختيار باعثاً على التساؤل بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة أن هذا الأمر كان جديداً نوعاً ما على المسلمين (اختيار شاب لمركز حساس). عندها التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عتاب وقال له: "يا عتاب أتدري على من استعملتك؟ على أهل الله عزَّ وجلَّ. ولو اعلم لهم خيراً منك استعملته عليهم".
وهناك حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً، يقول فيه: "من ولى من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله".
وأيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قلّد رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين".
بناء على ما تقدم، فإن الأصل الأساس في توزيع المهام في الحكومة الإسلامية هو اختيار الأصلح، ويعد الانحراف عنه خيانة لله ولرسوله والمجتمع الإسلامي.
ومن الملفت ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن إحدى علامات قيام القيامة، وزوال المجتمع الإنساني هي إيداع الأعمال غير أهلها فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ضيعت الأمانة، انتظر الساعة. قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أسدي الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
واليوم، نحن ندرك أكثر من ذي قبل معنى هذا الحديث، فالعالم يحكمه السياسيون الفاسدون الذين يمكن أن يشعلوا في أي وقت حرباً تدمر العالم وتبيد المدنيّة من ساحته!!
* معايير الاختيار القرآني
قبل أي شيء، نقبل على القرآن الكريم لأجل التعرف على المعايير والضوابط التي ينبغي أن تعتمد في عملية اختيار القائد والمدير، ليكون ذلك قدوة لنا في الأبحاث المستقبلية.
وفي ثلاث سور من القرآن (البقرة، يوسف، القصص) أشير إلى ثلاثة أنواع من الضوابط في تقبل ثلاثة أنواع من المسؤوليات:
1- في سورة البقرة حيث جرى الحديث عن قصة "طالوت وجالوت" وانتخاب طالوت كقائد لبني إسرائيل من قبل نبي ذلك الزمان "اشموئيل" لمحاربة السلطان الجائر أشير إلى خاصيتين مهمتين هما سعة العلم والجسم: ﴿إن الله اصطفاه عليكم، وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم﴾ (البقرة: 247).
ومن الواضح أن القدرة الجسمانية والفكرية شرطان أساسيان في الصراع مع الأعداء.
2- في سورة يوسف، عندما قدم عرضاً بتحمل مسؤولية خزائن مصر أشار إلى الأمانة والعلم: ﴿اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾.
ويلزم الالتفات هنا إلى أن الضوابط التي حددها القرآن في كل مورد تتناسب مع المنصب والمسؤولية المشار إليها.
وبالتوجه إلى تعقد البرامج الإدارية في عصرنا الحاضر وتشعب المسؤوليات بالمقارنة مع الماضي، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار سلسلة من الأصول العامة المشتركة عند الاختيار والتعيين وقد أشار القرآن الكريم إليها، وأيضاً إلى تلك الشروط التي تتناسب مع نوع المسؤولية المطروحة.
3- وفي قصة النبي موسى وشعيب عليهما السلام، وعندما اقترحت إحدى بناته استئجار موسى عليه السلام ليكون مديراً لأموال العائلة وممتلكاتها أشارت إلى صفتين أساسيتين وهما: القوة والأمانة. ﴿يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾.
ومن خلال هذه الأصول الكلية. نشير إلى 14 صفة أساسية ينبغي أن تتوفر في المدير والقائد وهي:
1- الإيمان بالهدف.
2- العلم.
3- القدرة.
4- الأمانة والصلاح.
5- الصدق.
6- حسن السابقة.
7- الوراثة الصالحة.
8- سعة الصدر.
9- التعلق بالعمل.
10- التجربة والخبرة.
11- الشجاعة والحزم
12- العدالة.
13- القاعدة الشعبية (المقبولية).
14- الالتزام بالأصول والضوابط.