مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تجمع العلماء المسلمين: شعلة نور ورسالة وحدة


موسى حسين صفوان‏


منذ انطلاقة الثورة الإسلامية في إيران، ومع نداء الإمام الخميني الذي دعا للوحدة في مواجهة التحديات انطلق تجمع العلماء المسلمين في لبنان، في وقت كانت الساحة اللبنانية فيه في أمس الحاجة إليه. فبينما كانت الدبابات (الإسرائيلية) الغازية تجتاح لبنان، في حزيران سنة 1982م كانت الإنطلاقة الأولى لتجمع العلماء المسلمين الذي تصدى بعمامة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله للإحتلال الإسرائيلي، ومعه لأشكال الغزو الثقافي والاجتماعي والسياسي كافة وليصنع في غضون سنوات قليلة فجراً جديداً صادقاً لهذه الأمّة. "إن رمز كل مصائب البلدان الإسلامية هو اختلاف الكلمة وعدم الإنسجام، ورمز الانتصار وحدة الكلمة والانسجام، وقد بين اللَّه تعالى ذلك في جملة واحدة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (آل عمران: 103). وقد كان رمز انتصار المسلمين في صدر الإسلام وحدة الكلمة وقوة الإيمان. فلو كان ثمة وحدة كلمة إسلامية، ولو كانت الحكومات والشعوب الإسلامية متلاحمة فلا معنى لأن يبقى ما يقارب المليار إنسان مسلم تحت سيطرة القوى الأجنبية"(1). لقد كان تجمع العلماء المسلمين في لبنان شعلة رائدة، وقدوة حسنة، رسمت طريق الوحدة والعزّة لأجيال الأمّة الإسلامية... ولكي ننهل من هذه المدرسة المعطاءة، قصدنا عضو التجمع سماحة الشيخ علي خازم ليقرأ علينا تاريخ الخطوات التأسيسية الأولى:

* سماحة الشيخ: حدثنا في البداية عن ظروف التأسيس والإعلان.
انعقد "مؤتمر المستضعفين" في طهران في النصف من شعبان سنة 1402 هجرية، الأسبوع الأول من حزيران 1982 بمشاركة وفد من لبنان، ضم عدداً كبيراً من علماء المسلمين وقادتهم، ومجموعة هامة من ممثلي الحركات الإسلامية. ومع نهاية المؤتمر قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية باجتياح لبنان بصورة ليس لها أي سابقة. وبينما تم التعجيل في إنهاء المؤتمر، كانت أروقة فندق الاستقلال تشهد حركة غير عادية واجتماعات متلاحقة لمتابعة الموقف، فصدر بيان، وتشكلت بمباركة الإمام الخميني قدس سره هيئة علمائية حركية انتهت بعودة سريعة إلى بيروت، حيث تتابعت اللقاءات وتشكّلَ تجمع العلماء المسلمين من العلماء السنّة والشيعة في لبنان. كان علماء التجمع يقومون بأداء وظيفتهم في إرشاد المسلمين عبر خطب الجمعة ودروس المساجد، ويحضرون في محاور القتال ضد الجيش الإسرائيلي وحلفائه.

* من هم الأعضاء المؤسسون للتجمع؟
ضم التجمع منذ تأسيسه وإلى انطلاقته بعد موقفه من اتفاق 17 أيار 1983 ما يزيد على عشرين عالماً من الطائفتين السنية والشيعية، يمثلون جيلاً من العلماء الشباب الذين مارسوا العمل الحركي في تنظيمات إسلامية مختلفة وأطلوا على الساحة السياسية بخلفية عقائدية وتنظيمية لا تستشعر حساسية تجاه بعضهما البعض. وكان لوجود هؤلاء العلماء في إطار مشترك يمارس نشاطاً شبه يومي عدا اجتماعه الأسبوعي والذي لم ينقطع حتى الآن الأثر الكبير في إزالة أية شائبة أو شبهة تعترض مسار وحدة الحركات الإسلامية على ساحة الجهاد والمقاومة.

* هل لك أن تحدثنا عن ظروف إعلان ميثاق التجمع وأهم بنوده؟
بعد ما يقارب السنة على انطلاقته وفي شعبان عام 1403 أواخر أيار عام 1983 اجتمع أعضاء التجمع في خلية أحد المساجد في بيروت وأقروا ميثاقاً يستهدون به في عملهم، ويكون الأساس في عملية الانتساب التي شهدت إقبالاً لوضوح الخط والمسار، وأجروا تقييماً لعملهم على مدار سنة ونظموا شؤونهم الإدارية على أساس نظام داخلي خاص. اعتمد التجمع ميثاقاً ضمّنَ مقدمته خلاصة مركزة لفكر الأعضاء المؤسسين حول قيمة الإنسان في الإسلام ودور الأنبياء والعلماء، والغرض الأقصى من عملهم وهو إقامة حكم الإسلام على الأرض، واعتبار الوحدة واتفاق الكلمة المنفذ الوحيد، وأنه المقدمة التي عليهم أداؤها ليستحقوا توفيق اللَّه إلى ذلك. هذه المقدمة بما ذكرناه عنها لم يطرأ عليها أي تعديل نهائياً رغم خضوع الميثاق نفسه للتعديل ثلاث مرات. وبالنظر لخصوصية الوضع اللبناني، لاحظنا أن أطراف الوحدة الإسلامية المعنيين بها قد عُبّر عنهم بالسنّة والشيعة. والعارف بالشأن اللبناني يدرك أنه وإلى الآن انحصر عنوان الطوائف الإسلامية في ما ذكرناه في الفصل الأول أعني: السنّة على مذاهبهم والغالب عندنا مذهبا الإمامين الشافعي والحنفي، خصوصاً أن القضاء الشرعي السني يعتمد الأخير متابعة لما كان قائماً أثناء الحكم العثماني. وليس من وجود ملحوظ للحنابلة رغم وجود مسجد أثري معروف باسمهم في بعلبك ولا يوجد أتباع للمذهب المالكي. أما الحركات الصوفية فعلى وجودها إلا أنها وبرغم بعض النزاعات الحاصلة لم ترتفع لتشكل طائفة بالمعنى القانوني التقليدي للكلمة. أما الشيعة في لبنان فهم إمامية اثنا عشرية ليس بينهم أي اختلاف على المستوى المذهبي، ويخضعون للمرجعيات الشيعية المعروفة.

* هل هناك من شروط خاصة للعضوية في التجمع؟ وما هو موقع التجمع من المؤسسات العلمائية الرسمية؟
إن أعضاء التجمع المنتسبين هم إلى الآن من علماء المسلمين السنّة والشيعة. ويدرس التجمع إمكانية ضم عدد من علماء الدروز بناء لطلبهم. والأعضاء الفعليون هم من خيرة علماء لبنان. فيهم القضاة الشرعيون وأئمة الجمعة والجماعة والمدرسون والكتّاب وأساتذة الكليات والمعاهد الدينية. ولا يشترط النظام الداخلي لقبول العضوية في نصوصه المعدّلة مذهباً معيناً ولا يستبعد مذهباً، بل إنه في شروطه الستة الأصلية أو الخمسة المعدّلة لم يلحظ هذه المسألة إطلاقاً. واكتفى من ذلك في الميثاق بالقول: "إنه تجمع لعلماء الدين المسلمين"، وفي الشروط: "أن يكون قد بلغ من العلم مرحلة تؤهله لممارسة التوجيه الديني بجدارة"، و"أن يكون ملتزماً بالزي الديني". ويمكن القول إن غالبية العلماء السنّة هم على علاقة رسمية بدار الإفتاء والقضاء الشرعي السنّي، وإن عدداً من قضاة المحاكم الشرعية الشيعية وأعضاء في الهيئة العامة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى هم أعضاء في التجمع. وهكذا يكون التجمع مؤسسة إسلامية علمائية، وهو مستقل عن كل العاملين للإسلام سواء الأشخاص أو التجمعات أو الأحزاب في الوقت الذي يريد فيه التعاون مع كل المخلصين منهم على أساس التقوى والنفع لعباد اللَّه.

مواجهة التحديات الراهنة
إن العالم الإسلامي يعيش اليوم مخاضاً عسيراً، عنوانه جملة من التحديات، والتي تتحمل مسؤولية بعضها قوى الاستكبار والاستعمار الحديث، وبعضها الآخر مرده إلى الاختلافات الداخلية الفكرية والسياسية. ولمعرفة دور التجمع في هذا المجال توجهنا بالسؤال إلى سماحة الشيخ مصطفى ملص عضو مجلس أمناء التجمع.

* كيف يرى علماء التجمع واقع العالم الإسلامي اليوم، وما هي أهم الصعوبات التي يعاني منها؟
يعيش العالم الإسلامي اليوم أزمة حقيقية ذات وجوه متعددة، فهناك الخلافات على صعيد الدول حيث النزاعات السياسية وتضارب المصالح بين الحكام أو بين السلطات. وهناك مشاكل الحدود وتقاسم الثروات، والمياه الإقليمية. وهناك النزاعات المذهبية والعرقية، وهذه أشد قسوة من بقية النزاعات. ثم يأتي بعد ذلك ارتباط العديد من الأنظمة في العالم الإسلامي بمحاور سياسية وإقليمية تفرض عليها اتخاذ مواقف تسبب خللاً في العلاقات الإسلامية - الإسلامية. إن هذه اللوحة تظهر لنا كم أن واقع العالم الإسلامي هو واقع معقد تتداخل فيه الأمور وتختلط المسائل. ومما يزيد في تعقيد المسائل بين المسلمين غياب عنصر الثقة فيما بينهم، فترى كل محور أو جهة تتربص بالأخرى أو تتعاطى معها بارتياب إلى حد فقدان الشعور بالأخوة الإسلامية وما يترتب عليها من أمور.

* هل هناك إمكانية للحلول الناجحة؟ وكيف يتم العمل على مثل هذه الحلول؟
دون تردد أقول إن إمكانية إيجاد الحلول الناجحة تتوفر إذا توفرت العوامل المساعدة والميسرة، وأهم هذه العوامل هو العامل النفسي الذي يرتبط التغيير به وفقاً لمنطوق الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
ثم يأتي عامل التفهم وقبول الآخر، فاعتقاد كل طرف إسلامي أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة كاملة، وأن الآخرين ليسوا على شي‏ء، هو اعتقاد خاطئ يفسد العلاقة بين المسلمين. وأعتقد أن نشر العلم والمعرفة والاطلاع على أصول المذاهب الأخرى هو وسيلة من وسائل الوصول إلى الحلول الناجحة. وكذلك الخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية، فبدون التحرر من هذه الهيمنة ستبقى الأيادي الخبيثة قادرة على بث سموم الفرقة والتناحر. وهناك أيضاً ضرورة لتوضيح عدد من الأمور التي يجري استغلالها من خلال الافتراءات بحق المسلمين، ونسبة آراء وأقوال وأفعال إليهم تتنافى مع قواعد الإسلام وأصوله وآدابه وأخلاقه. كما ينبغي العمل على فضح دور بعض رجال السياسة الذين يستغلون الخلافات المذهبية ويعملون على تضخيمها، بما يخدم قضية إمساكهم بزمام الأمور في طوائفهم. ويجب في المقابل إعادة التركيز على قضايا الأمة الجامعة وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس والوحدة الإسلامية، باعتبارها قضايا تشكل جامعاً مشتركاً عند كل المسلمين في العالم.

* كيف نواجه الهجمة الأمريكية التي تحاول زج المسلمين في حروب مذهبية في العراق ولبنان وإيران وغيرها؟
لقد عملت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على تشتيت جهود الأمة وصرف أنظارها أو اهتمامها عن قضاياها الأساسية الجامعة، نحو قضايا خلافية مصطنعة ومضخمة. ولعل أخطر هذه القضايا المصطنعة الخلاف السني الشيعي وإظهار أن كل طرف منهما هو عدو للطرف الآخر ويسعى للقضاء عليه. لذلك نعتقد أن مواجهة الفكر التكفيري وإضعافه يسحب من يد الاحتلال الأمريكي أحد أهم أسلحة الفتنة السنية الشيعية. أضف إلى ذلك أن المواجهة المسلحة للاحتلال التي يشترك فيها السنة والشيعة أي المسلمون العراقيون جميعهم، هي خير سلاح تواجَه به الفتنة.

* كيف نواجه التكفيريين الذين يخدمون المشروع الأمريكي الإستكباري من حيث يعلمون أو لا يعلمون؟
إن مواجهة الفكر التكفيري والسلوك التكفيري لا تكون إلا بالعلم الشرعي ونشره وإحياء سنة النبي صلى الله عليه وآله الأدبية والأخلاقية والسلوكية التي كانت بعيدة كل البعد عن منهج تكفير الناس، أو إلحاقهم بدائرة الكفر وهم ينتسبون إلى الإسلام. بل إن السنّة النبوية عرفت ما يسمى بتأليف القلوب. إن مواجهة الفكر التكفيري تحتاج إلى جهاد علمي ومعرفي يوازي الجهاد المالي والعسكري الذي تُبذل فيه النفوس والأموال.

* كيف تتم معالجة المسائل الخلافية للحيلولة دون إمكانية استفادة المستكبرين منها؟
إن العلماء المطلعين على حقيقة الإسلام كدين تُستقى أحكامه من نصوص شرعية بعضها قطعي الثبوت، وبعضها الآخر ظني الثبوت، وبعضها قطعي الدلالة وبعضها الآخر ظني الدلالة، يدركون أن هذه النصوص تسمح بتعدد الآراء واختلاف الأفهام وما ينتج عن ذلك من اختلاف في التأويل أو اختلاف في الرؤية. لذلك نحن نرى أن العيب ليس في وجود المسائل الخلافية، بل العيب والخطأ هو في عدم قبول الاختلاف وفي النظر إليه على أنه نقص في الدين أو في التدين. إن طغيان الجهل بهذه المسائل، بالإضافة إلى العصبية المقيتة، واتباع الأهواء، هو الذي يعطي المستكبرين إمكانية الاستفادة من الخلافات وتوظيفها من أجل توسعة شقة النزاع ومن أجل الوصول إلى حالة اقتتال أو عداء تمنع التقارب والتعاون بين المسلمين، وتدفعهم لطلب الدعم والتأييد في قتالهم مع بعضهم البعض من قوى الكفر والاستكبار كما هو حاصل في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين.


(1) الشيخ جعفر السبحاني، الأئمة الاثني عشر، ص‏10، مقدمة الكتاب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع