أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أهمية القدوة في التربية

الشيخ صلاح محمد العس‏

 



يكتسب الحديث عن القدوة في التربية أهمية كبرى، انطلاقاً من الدور الكبير والمصيري الذي تؤديه في بلورة شخصية الإنسان وثقل ملكاته النفسية، لأن اقتفاء القدوة أمر هام في جميع الأعمار، إلا أنه يصبح أكثر رسوخاً في النفس بين سن السادسة والثانية عشرة. وقد كان وما يزال الشبان والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثراً وتفاعلاً مع مفهوم التأسي والاقتداء بالنماذج الإنسانية السامية في الحياة. ولقد كان للنماذج الأخلاقية في الأمة الإسلامية، دور الأسوة والقدوة المحركة للبشرية، والباعثة على السمو والارتقاء الإنساني والأخلاقي في الحياة على مر العصور والأزمان، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (الممتحنة: 6).

إن القدوات التي تطرح لتربية الأطفال في مجال الأخلاق والصبر والحلم والأمانة والصدق والإخلاص والصلاح واجتناب الشبهات، ينبغي أن تكون صالحة وعالمة وربانية، تقول القول الحسن وتلتزم بما تقول. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم"(1)، وقال الإمام السجاد عليه السلام: "... وإن أبغض الناس إلى الله عز وجل من يقتدي بسنّة إمام ولا يقتدي بأعماله"(2).

* نماذج للإقتداء
القرآن الكريم أكد هذه الحاجة الهامة للإنسان "الحاجة إلى أسوة"، معتبراً النبي صلى الله عليه وآله أفضل أسوة للبشرية، من خلال الآية الكريمة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: 21).

1 - النبي القدوة: إن حياة النبي صلى الله عليه وآله مليئة بالمواقف الشجاعة والملكات النفسية الرائعة. وهذا النوع من الأسوة، هو ما يجب تعريفه وتقديمه للمراهقين، وحثهم على الاتصاف بصفاته وخصاله المعنوية والأخلاقية في الحياة. فإذا استطعنا تقديم شخصية الرسول صلى الله عليه وآله إلى الشباب بنجاح، وخصوصاً في فترة فتوته وشبابه صلى الله عليه وآله، وأكدنا في حديثنا على العنصر الأخلاقي المؤثر في شخصية النبي صلى الله عليه وآله وعلى جهاده في سبيل الله، وشجاعته التي لا نظير لها، وكفاحه الدؤوب من أجل هداية البشرية وإعلاء كلمة الإسلام في الأرض، وخُلقه العظيم، وبيّنا أنه قد وصف في مرحلة الشباب ب"محمد الأمين"، فإنهم سيتأثرون بلا شك بشخصيته وينجذبون إليها بقوة.

2 - الإمام القدوة: إن الحديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وبيان دورهم الرسالي الذي هو امتداد لدور النبوة، والتركيز على الملكات النفسية والسجايا الأخلاقية والمزايا الاجتماعية، له أثر كبير في تقديم المثال الحي للشباب، لتوثيق ارتباطهم بالله وتعزيز إيمانهم بالدور الكبير للإسلام في حياتهم. ومن المفيد أن نذكر للناشئة أن أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله من الرجال هو علي، وكيف نام في فراش النبي صلى الله عليه وآله عند هجرته المباركة من مكة إلى المدينة في أحرج الظروف فداءً له ولدين الله، ونذكر بطولات الإمام علي عليه السلام إلى جانب عنصر الإخلاص والتقوى الذي كانت تتسم به شخصيته الشريفة. كما نتحدث عن السيدة الزهراء عليها السلام، التي كانت مثالاً للمرأة المسلمة. ونذكر ثورة الإمام الحسين عليه السلام الخالدة، ونسرد أروع صور التضحية والفداء التي قدمها الإمام وأهل بيته وأصحابه. ونبين اهتمام الإمامين الباقر والصادق عليه السلام بالعلم، وكيف صان الأئمة الأطهار الإسلام ودافعوا عنه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة. إن الحديث عن حياة الأئمة عليهم السلام والسيدة الزهراء عليها السلام له آثار تربوية مفيدة جداً بالنسبة للمراهقين الذين ينشدون الشجاعة والحرية ويعشقون الصفات البطولية ويتأثرون بالمزايا الأخلاقية.

3 - شخصيات فذة: إن حياة المسلمين مليئة بالشخصيات والنماذج الأخلاقية، كما أن القرآن الكريم تحدث عن شخصيات اتصفت بالشجاعة والأخلاق وتجلى فيها الإخلاص بأسمى صوره، كما في قصة إسماعيل عليه السلام عندما قدم نفسه بصلابة الإيمان وقوة الإرادة إلى مذبح العشق، حيث قال: ﴿... يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات: 102)، وقصة يوسف عليه السلام الذي كان المثال الأعلى لمحاربة النفس والانتصار عليها، مع أنه كان يتمتع بجمال باهر يتيح له إمكانية أن يشبع رغباته بمختلف الطرق، لكنه وظف هذا العامل في سبيل الهداية والإيمان، وخرج من الامتحان ناجحاً منتصراً. وقصة داود عليه السلام الذي برز لمنازلة جالوت الذي لم يكن ليجرؤ على مواجهته أحد بقوة الإيمان والتوكل على الله، فصرع جالوت وقضى عليه، ووهبه الله على ذلك الملك والحكمة. وقصة أصحاب الكهف، الذين لجأوا إلى الكهف بهدف الحفاظ على دينهم وإيمانهم، ودعوا الله سبحانه وتعالى أن يشملهم برحمته ويهديهم إلى سبيل الرشاد. إن سرد مثل هذه الوقائع التي تمتزج فيها عناصر الإيمان والإخلاص مع روح التضحية والإيثار، يجذب المراهقين ويخلق لديهم دافعاً قوياً نحو الإيمان بالله سبحانه وتعالى والالتزام بالمعايير والقيم المعنوية والأخلاقية في الحياة.

* دور الوالدين والمربين‏
إن السلوك العملي للآباء والمربين أكثر فاعلية وتأثيراً في التربية، فالسلوك الديني للطفل يتوقف على مستوى إدراك وفهم ونوعية سلوكهم ومواقفهم في مختلف الحوادث والظروف، فهم يعتمدون على الأبوين والمربين، على العكس من الشباب الذين ينزعون للاستقلال والوقوف على أقدامهم. إن البناء الخلقي للطفل يكتمل تدريجياً وبشكل غير محسوس من خلال محاكاته للوالدين، فاتخاذ القدوة يعتبر أهم عامل في تربية الطفل أخلاقياً، وينبغي لمن يريد أن يزرع في طفله الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة أن يوفر له قدوة صالحة. على الآباء والمربين أن يأخذوا بنظر الاعتبار أن ذهن الصبي أشبه ما يكون بالأرض الخصبة، فهو يصدق كل ما يسمع حتى الأوهام والخرافات. إن سلوكيات وتصرفات الأم، تجري كالدم في عروق الطفل، وتصبغ شخصيته بلون مميز طيلة حياته. فسلوك الأم بكونها مثالاً للطفل يكتسب أهمية قصوى، بشكل يرتبط فيها مصير تكوينه الروحي في مجال التسامي أو الانحطاط، لأنه يعتبرها أسوة يقلدها في جميع تصرفاتها. كما أن للأب مسؤولية ثقيلة للغاية، وينبغي عليه أن يكون مثالاً لما يريده لولده، فيجب عليه أن يمنح لولده الفرصة الكافية لينتفع من سلوكه وخلقه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الطفل في سن الرابعة من عمره يتصور أباه قدوة مطلقة يعرف كل شي‏ء، وأن كل ما يبدر منه صحيح، ولهذا السبب نؤكد دوماً على ضرورة الانتباه إلى كل حديث أو تصرف يصدر من الوالدين والمربين.

* توصيات للوالدين والمربين‏
لو أراد الأب أو الأم أو المربي أن يكون قدوة صالحة للولد، لتحتم عليه أن يهتم بالأمور التالية:
أن يكون تعامله مع الولد مؤدباً وقائماً على أسس الإحترام والمودة، حتى يتعلم الأدب والاحترام منه.
أن يمتدح الأعمال الحسنة أمامه فيعتبرها أعمالاً صالحة، حتى يرغب بها الولد ويعمل على ممارستها.
أن يستهجن ويرفض الأعمال السيئة أمام الطفل فيعتبرها أعمالاً قبيحة، حتى يرفضها الولد.
أن يحذر من توتير العلاقة بينه وبين الولد، لأن ذلك سيفرّط بالقدوة ويعزز في نفس الولد روح التمرد والعصيان.
أن يرشد الولد إلى الأماكن التي يمكن ارتيادها، بحيث تعزز شخصيته وتبعده عن العوامل التي تساعد في نمو الأخلاق المنحرفة.
أن يستفيد من القصص والحكايات، فيلفت النظر بشكل غير مباشر إلى العبر والدروس التي نستفيدها من حياة العظماء.


(1) وسائل الشيعة، ج‏16، ص‏150.
(2) بحار الأنوار، ج‏67، ص‏204.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع