مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: وفاء يستحقه الأوفياء... فأين الشمولية؟

موسى حسين صفوان‏

 



درجت بعض الفئات المشتغلة بالسياسة على استخدام الأساليب السفسطائية كأدوات للدفاع عن مواقف تخدم مصالحها الخاصة، ولا تستند إلى أيَّة حجة مقنعة، وذلك بهدف الهروب من الاستحقاقات والقضايا الأساسية، وافتعال مشاكل هامشية تعكِّر الساحة السياسية... والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل آخرها، ما تفتقت عنه قريحة البعض من إلصاق تهمة "الشمولية" بالمسيرة السياسية لحزب اللَّه!!! فهل حزب اللَّه حزب شمولي؟ قبل أن نؤكد ذلك أو ننفيه، سواء على المستوى الفكري والعقائدي، أو على المستوى التطبيقي والممارسة العملية، دعنا في البداية نعرف ما هي الشمولية؟ تعريف: استُعمل لفظ الكلِّيَّانية Totalitarism لأول مرّة في نهاية الثلاثينات م القرن الماضي لوصف الأنظمة والحركات السلطوية. والكليانية نظام سياسي يتميز بالهيمنة الكليّة على النشاطات الفردية من خلال تبنيها أيديولوجيةً معينة، وتقوم بذريعة تلك الأيديولوجية بإعادة صياغة الأفكار، عبر الإرهاب والحملات الدعائية المكثفة. وتتميز السلطة الكلّيّانية بعدم السماح بالمعارضة، والتحكم المركزي بكل أدوات السلطة، والاحتكار الأيديولوجي، وما ينشأ عنه من عبادة الشخص الواحد، وإقامة المعتقلات للتخلص من فئات المعارضة.

لمحة تاريخية:
ويُعتبر نويمان Neumann أول من وسّع مفهوم الكلّيّانية بغية تحديد الخصائص المشتركة بينها وبين الديكتاتورية. وفي عام 1945م أصبحت الكلّيّانية لفظة شائعة أُطلقت على العديد من الدول والأحزاب. وقد حدّد كارل فريدريك carl Friedrick خصائصها فبيّن أنها تقوم على أيديولوجية شمولية Inclusivism، وحزب وحيد يتبنّى ويأخذ على عاتقه هذه الأيديولوجية، ويسيطر عليه رجل واحد هو الدكتاتور الذي يستعين ببوليس سري متطور جداً وثلاثة أنواع من المراقبة الجماهيرية الإحتكارية:

1 - احتكار وسائل الاتصال الجماهيري.
2- احتكار الأسلحة العمليّاتيّة.
3 - احتكار التنظيمات الأهلية، بما فيها الاقتصادية (النقابات).

وقد شهد العالم أنماطاً عدّة من الأنظمة والأحزاب الشمولية، منها النمط النازي، والنمط الشيوعي، ترجمت ردّة فعل ارتجالية ضد فردانية عصر الأنوار، والذي أنتج ما عُرف بالرأسمالية التي رافقت تطور التقنيات الصناعية. وقد خضعت تلك المنظومات الشمولية بصورة متفاوتة لأولوية العنصر الأيديولوجي، ففي الحالة الألمانية كانت العقيدة تتمحور حول العنصرية والعرق، وفي الحالة الشيوعية كانت الماركسية التي ركّزت على المادية الديالكتيكية من الناحية العقائدية، وديكتاتورية البلوريتاريا (أي الطبقات العمالية) من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. ولكن هذه المنظومات تميزت في الواقع بميزات مشتركة أهمها:
1 - وجود حزب واحد مسيطر على الدولة.
2 - وجود شرطة سياسية لنشر الرعب وإخضاع الشعب.
3 - احتكار التشريع المكيَّف باستمرار وفق ظروف متغيرة والمنتهَك حتى في ظل هذه الظروف.
4 - غرس العقيدة لدى الشعب عبر عمليات غسل دماغ عن طريق إعلام أحادي الجانب، وحصار ثقافي يترافق مع التهويل والتهديد بالموت.
5 - تغيير منظومة القيم وإعادة تشكيل الذوق العام للمجتمع بما يصب في مصلحة النظام السلطوي(1).
وبغضِّ النظر عن متابعة السياق التاريخي للكلّيّانية أو الشمولية، وتحديد مقدار نجاح أو فشل الأنظمة التي اتبعت تلك الأفكار، نتحوّل للسؤال من جديد: أين يقع حزب اللَّه من هذا المصطلح؟

بمجرد تعداد ميزات الشمولية تدرك أنها أصلاً متناقضة كلياً مع الأسس الاعتقادية لحزب اللَّه من ناحية، والممارسة العملية والمسلكية من ناحية أخرى. ولتوضيح ذلك نقف عند الملاحظات التالية:
أولاً: يؤخذ على مطلقي هذه الاتهامات استخدام أسلوب المناورة وتشويه الحقائق، فالأنظمة الشمولية الغربية ولدت من رحم السياق التاريخي للغرب، فكانت كما يؤكد علماء الاجتماع الغربيّون بمثابة ردّة فعل، أو نتيجة حتمية لتراكم سلبيات فردانية عصر الأنوار. وهذا الأمر لا علاقة له بالسياق التاريخي للشرق، وبالتالي لا يمكن إسقاط المفاهيم الغربية على منطقتنا وإقحامها قسريّاً في السياق التاريخي لأمتنا، وقد أثبتت المحاولات السابقة كافة فشلها في هذا المجال.

ثانياً: من الناحية العقائدية، فإن حزب اللَّه ينتمي إلى الثقافة الإسلامية، والتي أثبتت من خلال منظومتها الفكرية خصوصيتها وتميزها، بحيث لا يمكن اتهامها بالشمولية بحال. فالعقيدة الإسلامية، وإن كانت ذات مبادئ (أيديولوجية) خاصة، إلا أنها تعتمد أسلوب الحوار والحجة والجدال بالتي هي أحسن، وتقبل التعدد في المجتمع الإسلامي، وتعقد المصالحات مع أصحاب الأفكار الأخرى سواء كانت دينية أو غير دينية، وتمارس الشورى داخل منظومتها السياسية والاجتماعية، وهذا ما شهد به التاريخ الإسلامي خاصة زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

1- اعتماد عقد البيعة (والتي هي بمثابة عقد اجتماعي) وذلك مرات عدّة أهمها بيعة العقبة، وبيعة الرضوان.
2 - عهد الرسول صلى الله عليه وآله لأهل المدينة بما فيهم من مسلمين ويهود ومشركين، والذي يعتبر بحق أول عقد اجتماعي ودستور سياسي قامت عليه الأمّة الإسلامية. وفي هذا المجال تتخذ الأمّة الإسلامية أبعاداً ثلاثة، البعد الأول هو البعد الجغرافي، والبعد الثاني هو البعد الديموغرافي، والبعد الثالث هو البعد العقائدي (الأيديولوجي). وهذا العهد، وأمثاله من مصالحات وعهود رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، تحتاج للمزيد من التوسع للإحاطة بثقافة التعدد في الإسلام.
3 - مصالحة أهل خيبر، وأهل نجران، رغم أن الرسول صلى الله عليه وآله يلزمهم الحجة سواء من الناحية العقائدية، أو السياسية. من ناحية أخرى، نجد الثقافة الإسلامية تؤكد على تنمية الدافع الذاتي سواء في مجال اتباع التكاليف العبادية أو الاجتماعية أو السياسية. وهذا خلاف الشمولية القائمة على القمع والإرهاب والبوليس السياسي.

ثالثاً: من الناحية السلوكية، يحفل تاريخ حزب اللَّه بالتعاطي الأخلاقي والإيجابي، سواء مع عناصره، أو مع أصدقائه، أو حتى مع خصومه. فقد اكتسب مصداقيته من خلال مسيرة طويلة من الممارسة السياسية المتميزة بالمناقبية والوعي ودقّة التنظيم، ورفع حس المبادرة الذاتية، وقبول الآخر، ومدِّ يدِه للحوار البنّاء، والتزامه بالقضايا الوطنية، دون أن يكون هناك أي تعارض ما بين التزامه الديني ومسؤولياته الوطنية. وإذا كان يؤخذ على هذا الحزب اتساع قاعدته الشعبية، فإن هذه القاعدة لم تجبر يوماً على هذا التأييد، ولكنه الوفاء الذي يستحقه الأوفياء، وهذا ما يصعب فهمه على ذوي النهج البراغماتي الذي لا يرى إلا بعين واحدة.
 


(1) بتصرف، معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية (الحرف م و ن) ترجمة هيثم اللمع، تأليف برتراند بادي بيار بيرنبوم فيليب برو.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع