السيد حمزة الموسوي
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) (البقرة: 2 - 5).
* المتقون والإيمان بالغيب
في مفتتح سورة البقرة وصف اللَّه تعالى المتقين بأنهم "يؤمنون بالغيب".
والإيمان بالغيب كالإيمان باللَّه الذي تحدثت عنه الآيات نفسها. وهو العلم بأحوال المبدأ وملائكته وكتبه ورسله(1).
إن الإيمان باللَّه تعالى في الآيات ليس المقصود منه الإيمان العادي.
إن غاية التقوى الاتصال بالحضرة الإلهية بترك الالتفات بغير اللَّه وقطع النظر عما سواه(2).
فاللَّه تعالى لا يعتبر الإنسان مؤمناً ما لم يخلص من الإسراف والشك والأوثان السياسية والاجتماعية وأوثان الذات.
والإيمان بالغيب المذكور في الآية لا يراد منه معناه العام، وهو خلاف الشهادة، وينطبق على ما لا يقع عليه الحس.
فإن مثل هذا الإيمان بالغيب يشارك المتقي فيه حتى الكثير من الكفار لإيمانهم بالحقائق العلمية والغرائز. والروح والقيم والأخلاق المعنوية. فديكارت كان يؤمن بالعقل (أنا أفكر) وبرجسون يؤمن بالروح، فهل يعتبران من المتقين الذين وصفتهم آيات سورة البقرة بالإيمان بالغيب؟
إن الإيمان بالغيب المذكور يناسب مرتبة التقوى وهي مرتبة متقدمة. لذلك جعلته (التقوى) حداً فاصلاً يميز المؤمن المتقي من غير المتقي.
إن المتقي يؤمن بالرزق من حيث لا يحتسب، (ومن يتق اللَّه يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على اللَّه فهو حسبه) (الطلاق: 2-3).
ويؤمن بالتوكل وأثره العملي:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: (الإيمان له أركان أربعة: التوكل على اللَّه، وتفويض الأمر إلى اللَّه، والرضا بقضاء اللَّه، والتسليم لأمر اللَّه) (ميزان الحكمة).
(في التوكل حقيقة الإيمان).
وعنه عليه السلام: (التوكل على اللَّه نجاة من كل سوء. وحرز من كل عدو)(4).
وعنه عليه السلام: (من توكل على اللَّه ذلت له الصعاب وتسهلت عليه الأسباب)(5).
ويؤمن أن التسبيح ينجي من الخطر، كما نجى يونس (عليه السلام) (فلولا أن كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (الصافات: 144).
ويؤمن بفرج اللَّه ولو أطبقت عليه الأسباب (كما هو حال سيد المجاهدين وأنصاره..).
ويؤمن بشفاء التربة الحسينية حيث تعجز العقاقير الطبية.
كما يؤمن بالمهدي (عجل اللَّه تعالى فرجه الشريف) كما جاءت الرواية في تفسير (يؤمنون بالغيب) بالمصداق.
ويؤمن بالإمام قضية تحدد له تكليفه تجاه الموطئين لسلطانه لا فكره فقط..
* الغيب والنصر
كذلك يؤمن بنصر اللَّه أو إمداده: (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمدكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) (آل عمران: 125).
ويؤمن بيوم القيامة: (وبالآخرة هم يوقنون)
هذا مستوى الغيب الذي جعلته الآية صفة تقوى فإن غير المتقي لا يؤمن بما ذكرنا إلا على شك أو عمى عنها..
الإيمان بالنصر الإلهي عقيدة إيمان (كبقية العقائد) تحتاج إلى وضوح ليقوى اليقين بها.
فما أحوج المقاتل للإيمان بها أثناء الاشتباك (الالتحام) في المعركة مع العدو، إن حبس عنه النصر قليلاً كي تعصمه من الفرار.
كما يحتاج إلى الإيمان بالنصر السياسي، ويعقد قلبه عليها لتعصمه من ولاء الكفار سراً أو علناً طلباً لحمايتهم إن دارت الدوائر على المؤمنين على زعم أولئك الجبناء الذين برروا عمالتهم بالقول (نخشى أن تصيبنا دائرة) (المائدة:52).
وتعصمه من المساومة والخيانة تحت الضغوط والتهديدات..
الإيمان بالنصر يميز المؤمن الذي ينظر إلى الصراع والقتال نظرة عبادية، عمن ينظر إليه نظرة عسكرية..
ويعرف بالإيمان بالنصر المؤمنون الذين يصابون بالبلبلة والشك (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا..) (الأحزاب: 20).
* الولاية والنصر
وإن اللَّه لينصرنّ وليه من المؤمنين الذين إذا اشتد عليهم حصار الأحزاب أيقنوا بقرب الفرج وقالوا (هذا ما وعدنا اللَّه ورسوله وصدق اللَّه ورسوله) (الأحزاب: 22).
فيتميز المجاهد "المقاوم" إلى النفس الأخير مع الولي، ومن يأتون البأس قليل وبهذه الصفات يصبح المقاوم مجاهداً للَّه مدافعاً عن عيال اللَّه وأرضه وبذلك يستحق لقب رجل اللَّه..
أما القاعدون "المنافقون" فإذا نزل النصر النهائي جاؤوا مطالبين بالغنائم.
"ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم" (العنكبوت: 10).
* الولاية آية الحق
إن النصر من الأدلة البينّة القوية التي استدُل بها على حقيقة الولي وشرعيته، وإن النصر من معالم الهدى إلى النبوة والإمامة الحقة، حيث إن هكذا نصر حدث في 25 أيار 2000 وما بعده من انتصار مدوٍّ في 14 آب أذعن له العدو قبل الصديق لأكبر دلالة حسية ولا يحتاج معها إلى أدلة أخرى على أنه كان نصراً إلهياً بازراً زلزل عرش الغاصب الصهيوني والمستكبر الأمريكي ليس في لبنان فحسب، إنما على امتداد العالم الإسلامي والعربي وقطع الطريق عليهم وأحبط آمالهم ومؤامراتهم ومن خلفهم أعوان..
(1) تفسير القرآن، صدر المتألهين، ج2.
(2) تفسير القرآن، صدر المتالهين، ج2.
(3) ميزان الحكمة.
(4) ميزان الحكمة.
(5) ميزان الحكمة.