السيد سامي خضرا
صحيح أنه يستحب للمرء أن يكون لديه دارٌ وسيعةٌ يرتاح إليها، ويستضيف إخوانه فيها. ولكن التفاخر بها، على بني ديننا وأهلنا وأحبائنا، منهي عنه. فاستحباب سعة المنزل شيء، واتخاذه للتكبر شيء آخر.
* البناء للرياء
إن ما نراه اليوم من حولنا من التجبر والتفاخر وحب المظاهر خطير جداً! ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ومن بنى بنياناً رياء وسمعة، حمله الله يوم القيامة من الأرض السابعة، وهو نارٌ تشتعل منه، ثم يطوق في عنقه، ويلقى في النار، فلا يحبسه شيء منها دون قعرها، إلا أن يتوب". قيل: يا رسول الله كيف يبني رياءً وسمعة؟ فقال: "يبني فضلاً على ما يكفيه (أي زيادة على ما يكفيه) استطالة به على جيرانه، ومباهاة لإخوانه"(1). وعن الصادق عليه السلام: قال: "كل بناء ليس بكفاف، فهو وبال على صاحبه يوم القيامة"(2). وعنه عليه السلام قال: "إن الله عزَّ وجلَّ وكل مَلََكاً بالبناء، يقول لمن رفع سقفاً فوق ثمانية أذرع: أين تريد يا فاسق؟"(3). ويروى أن أمير المؤمنين عليه السلام مرَّ بباب رجل قد بناه من حجارة فخمة، بالنسبة لزمانه، فقال: "لمن هذا الباب؟" فقيل: المغرور الفلاني، ثم مرَّ بباب آخر، قد بناه صاحبُه بنفس تلك الفخامة، فقال: "هذا مغرور آخر"(4). وعن الصادق عليه السلام قال: "من بنى فوق ما يسكنه، كُلف حمله يوم القيامة"(5).
* كراهية تشييد الأبنية بقصد الشهرة والسمعة
من هنا، كانت كراهية تشييد الأبنية بقصد الشهرة والرياء والسمعة، وفوق الحاجة الفعلية والواقعية، واستحباب الإقتصار على الكفاف واللازم فقط.
* وليمة المنزل الجديد
ويُستحب لمن بنى مسكناً، أن يصنع وليمة، ويذبح كبشاً سميناً، ويطعم لحمه المساكين. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من بنى مسكناً، فذبح كبشاً سميناً، وأطعم لحمه المساكين، ثم قال: اللهم ادحر عني مردة الجن والإنس والشياطين، وبارك لي في بنائي، أعطي ما سأل"(6).
* النظر إلى الدُّور
ومن جهة أخرى وعلى كل حال، مَنْ قدِّر له أن يسكن بناءً عالياً، كما هو حال أكثرنا اليوم في العمارات العالية والبنايات المرتفعة، فلا ينظرنَّ إلى سكان البيوت التي تحيط به، فإن في ذلك بلاءً عظيماً، وفتنةً لا تحمد عقباها، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطَّلعَ الرجل في بيت جاره.
* استحباب المصلى في المنزل
ومما لا شك فيه أنَّ الصلاة في المساجد أمرٌ مستحبٌّ مؤكد، وفيه ثواب عظيم. لكن يستحب للمرء أن يتخذ في منزله مكاناً خاصاً للصلاة والقيام، والتهجد والتضرع، والتوجه والعبادة، وأن يكون في المنزل مكان قد جعل للعبادة خاصة، وأن تكون مساحته لا هي بالكبيرة ولا هي بالصغيرة.. فعلى الإخوة المؤمنين الكرام، أن يعملوا لذلك، خاصةً مَنْ كانت داره واسعةً، أو كان في صدد إنشاء داره وتعميرها، أو كان هناك مجالٌ لذلك. رُوي عن الصادق عليه السلام قوله: "اتخذ مسجداً في بيتك". وعنه عليه السلام قال: "إن البيوت التي يصلَّى فيها بالليل، بتلاوة القرآن، تُضيءُ لأهل السماء، كما تُضيءُ نجوم السماء لأهل الأرض"(7). ولعلَّ الفائدة المتوخاة من جعل مُصلَّى في البيت لا تخفى على المتأمل، حيث إنه يكون خالياً من الزينة، والملاهي والألوان، وما قد يشغل الإنسان عن عبادته، إضافةً لكونه الأطهر من غيره، من جهات المنزل الأخرى، ويكون فيه ما يحتاجه للصلاة والعبادة، من سجادة ومصحف، وكتاب دعاءٍ، وسبحة، وغيرها من الحاجات الأخرى. فقد اتخذ أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام، غرفة خاصةً في داره، ليست هي بالكبيرة ولا بالصغيرة، فكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل، أخذ معه صبياً لا يحتشم منه، ثم يذهب إلى ذلك البيت فيصلي. وعلق الحر العاملي، رضوان الله عليه، على اصطحاب علي عليه السلام للصبي، بكراهة أن يخلو الإنسان في بيت وحده.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان لعلي عليه السلام بيتٌ ليس فيه إلا فراشٌ وسيفٌ ومصحفٌ، وكان يُصلي فيه"(8). ويُلاحَظ، في هذه الرواية، احتفاظُ علي عليه السلام بالسيف، تماماً كاحتفاظه بالمصحف في مُصلاه.وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته الطويلة لأبي ذر: "... يا أبا ذر، إنّ الصلاة تَفْضل في السر على العلانية، كفضلِ الفريضة على النافلة. يا أبا ذر، ما يتقربُ العبد إلى الله بشيء أفضل من السجود الخفي. يا أبا ذر، أذكر الله ذكراً خاملاً". قال أبو ذر: قلتُ: "وما الذكر الخامل؟"، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الخفي"! وتابع صلى الله عليه وآله وسلم "... يا أبا ذر، إنَّ ربك يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل يُصبْحُ في أرض قفر، فيؤذِّن ثم يقيم ثم يصلي، فيقول ربك عز وجل للملائكة: أنظروا إلى عبدي يصلي، ولا يراه أحدٌ غيري، فينزلُ سبعون ألفَ ملك، يصلون وراءه، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل يصلي وحده، فسجد، ونام وهو ساجد، فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي، روحه عندي، وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف، ففر أصحابه، وثبت هو، يقاتل حتى قُتل".
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج73، ص149.
(2) المصدر نفسه، ص150.
(3) المصدر نفسه.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه، ص158.
(7) وسائل الشيعة، ج1، ص268.
(8) جامع أحاديث الشيعة،السيد البروجردي، ج16، ص835.
(9) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص296.