مريم محمود
يجول القلم حائراً يبغي نثر حبره على الورقة الواقفة وقفة صمت خجلة من أن لا تستوعب أسطرها عبارات تتحدث عن بطل هاشمي من أبطال الإسلام، إنه العباس خلاصة الإباء والشرف والدين.
* نسبه:
الأب الكريم لسيدنا العباس عليه السلام، هو أمير المؤمنين عليه السلام. أما الأم الجليلة المكرمة لأبي الفضل العباس عليه السلام، فهي السيدة فاطمة بنت حزام، وأبوها من أشراف العرب لا بل من أعمدتهم، ومن الشخصيات الكريمة في البذل والعطاء والشجاعة.
* ولادته:
كان أول مولود للسيدة أم البنين هو سيدنا المعظم أبو الفضل العباس عليه السلام، وكانت ولادته سنة 26هـ، في اليوم الرابع من شهر شعبان. مما قاله الإمام علي عليه السلام للسيدة أم البنين عند ولادتها لابنها العباس عليه السلام: "إن مكانة العباس ستكون عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، وإنه سيمنّ عليه بجناحين كالملائكة يطير بهما في الجنة كما منَّ على جعفر الطيار من قبل"(1).
* نشأته وتربيته:
تربى العباس مع إخوته في بيت الإيمان ومركز التقوى والعبادة لله تعالى، فقد غذاه أبوه عليه السلام بجوهر الإيمان، شرب من عطائه حب العطاء والبذل والسخاء، والسير على خطاه. تفرد بمقام رفيع إذ إن والده عليه السلام جعله كفيلاً لأخته زينب عليها السلام. كما غرست أمه فاطمة في نفسه جميع صفات الفضيلة والكمال، وتلقى من أخويه أسس الآداب الرفيعة والأخلاق الحميدة. وعن طبيعة بيت النور والعصمة وعن التربية الصالحة التي مارستها السيدة أم البنين التي طالما غرست في قلوب أولادها الحب المتبادل والإخلاص والإخاء، نظم الأديب الشاعر سلمان هادي آل طعمة هذه الأبيات الشعرية، يقول:
أمُّ أبي الفضل خيرِ معتمدِ |
وأمُّ عثمانٍ بيضةُ البَلَدِ |
ثالثهم جعفر الأبيّ ومنْ |
مَا لانَ في شِدةٍ وَلَمْ يَجدِ |
وأمِّ عَبْد اللَّهِ الَذِي اجتمعت |
فِيهِ خصالٌ تَهْدِي إِلَى الرُّشُدِ(2) |
كما ونظم الشاعر علي محمد الحائري أبياتاً يقول فيها:
وَيَا أمُ مَنْ نَصرُوا فِي الطُفُوفِ |
حُسيناً ولَمْ يَرْتضوُا العيشَ هَونا |
هَزَزْتِ بِهم رَاسياتِ الجبالِ |
بِمَا نلتِ منْ ذكرِهِهِ ثَائرِينا(3) |
* كنيته وألقابه:
عُرف العباس بكنية مشهورة: أبو الفضل، حيث رافقته صفة الفضل منذ الصغر.
أما ألقابه فكانت متعددة منها:
ـ قمر بني هاشم:
كان العباس عليه السلام منذ ولادته وسيماً جميل الصورة والشكل والمنظر، وكان آية في الجمال، حتى أطلق عليه اسم "قمر بني هاشم" حيث إن العرب كانت تصف الرجل الوسيم الطاهر الأخلاق بالقمر.
ـ ساقي العطاشى:
تميز العباس عليه السلام بهمة عالية ومروءة كمروءة أبيه، تلك المروءة التي نشهدها في كربلاء، حيث أبتْ مروءته إلاّ أن يلبي طلب الأطفال العطاشى. عملية السقي هوايته، ولقب ساقي العطاشى أحد ألقابه، وأجلّها وأحبها إليه، ثم أصبحت رسالته وفي سبيلها تمت شهادته.
ـ باب الحوائج:
وهذا من أكثر ألقابه شيوعاً بين الناس. فقد أيقنوا أنه ما قصده ذو حاجة بنية خالصة إلا قضى الله حاجته؛ لأنه نفحة من رحمات الله، وباب من أبوابه، ووسيلة من وسائله، ولديه عنده مكان عظيم وذلك لجهاده المقدس في سبيل الإسلام ونصرته.
ـ العبد الصالح:
صفة أطلقها الله على أنبيائه وناشري شريعته، لكن أول من منحه هذه الصفة هو الإمام الصادق عليه السلام، وذلك في الزيارة المخصوصة التي خاطب بها عمه العباس، حين ابتدأها بهذه العبارة: "السلام عليك أيها العبد الصالح"(4).
ـ ومن الألقاب الأخرى: بطل العلقمي، اسم النهر الذي استشهد على ضفافه. وحامل اللواء ويعتبر من ألقابه المشهورة أيضاً، وهو حامل أشرف لواء ، لواء أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.
* مواعظ وحكم العباس عليه السلام:
للعباس عليه السلام الكثير من المواعظ والحكم، وفيما يلي بعض من فيض حكمه ومواعظه:
1 التواضع منتهى الأخلاق.
2 أفضل الزهد إخفاء الزهد.
3 عليكم بقراءة القرآن فإنه يهذب النفس ويطهر القلب.
4 سل عن أصل المرأة قبل الاقتران بها.
5 لا تنظر إلى جمال المرأة بل انظر إلى أخلاقها(5).
* انطباعات عن شخصية العباس عليه السلام:
مما قاله الإمام زين العابدين عليه السلام في حقه هذه الكلمات القيمة: "رحم الله عمي العباس فقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعباس عند الله منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"(6). وقال الإمام الصادق عليه السلام: "كان عمي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أخيه الحسين وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً"(7). أما الإمام الحجة عجل الله فرجه، فقد أدلى بكلمة رائعة في حق عمه العباس عليه السلام جاء فيها: "السلام على أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه، الفادي له الوافي الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه زيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي"(8).
(1) عظماء الإسلام، ص: 31، نقلاً عن السر الوهّاج، للشيخ ماجد الزبيدي، ص:75.
(2) يوسف الأشيقر، محمد علي (السيد): العباس رجل العقيدة والجهاد، تصحيح وتنقيح الشيخ محمد صادق تاج، ط1، مؤسسة محبين للطباعة والنشر، 1422هـ.ق، ص35.
(3) الأشيقر، مرجع سابق، ص36.
(4) الأشيقر، م.ن، ص43.
(5) الزبيدي، ماجد، (الشيخ): أبو الفضل العباس عليه السلام والشجاعة الهاشمية، ط1، دار المحجة البيضاء، بيروت، 1424هـ 2003م، ص 53 54.
(6) و(7) و(8) القرشي، مرجع سبق ذكره: ص40 و41 و46.