مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشجاعة والإقدام في شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

الشيخ حسن الهادي

 



* شجاعة علي وإقدامه:
ورد في سيرة الأنبياء العظام والأئمة الأطهار ما يجسّد صفة الشجاعة، وأنهم كانوا مظهراً من مظاهرها من خلال التصدي للباطل، ومواجهة الظالمين مهما علوا في الأرض. وهذا ما صرّح به القرآن الكريم في العديد من الآيات، قال تعالى مخاطباً النبي موسى: "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديّ المرسلون"(1). وكان الإمام علي بن أبي طالب أحد أهم الشخصيات التي برزت فيها صفة الشجاعة والإقدام في التاريخ. فلم يكن للخوف ولا للجبن مكان في نفسه. ولهذا أجمع المسلمون وغيرهم أن علياً أشجع العرب والعجم، وتواترت كلمات المؤرّخين أنه كان إلى جانب نبي الإسلام في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية. وقد تمكّن بشجاعته وقوّته أن يرسي قواعد الحكومة والدولة الإسلامية. وكان سيفه الذي يستند على شجاعته أحد الدعامتين اللتين قام عليهما الإسلام، فروي عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: "ما قام ولا استقام ديني إلا بسيف علي ومال خديجة"(2). وقد حدّد أمير المؤمنين عليه السلام وجهة الشجاعة في الإسلام، بأن لا تستخدم في سبيل المصالح الشخصية أو العشائرية، أو الأطماع الدنيوية ونحوها. ولهذا تميّزت شجاعته عليه السلام وبطولته بأنها كانت في رضا الله، ونُصرة دينه فكانت في سبيل الله وعلى أعداء الله. فيروى أنه عليه السلام لمَّا صرع عَمرو بن عَبد وِدٍّ يوم الخندق تباطأ في احتزاز رأسه، وتوقّف قبل أن يضربه. فلما رجع سأله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: "قَد كان شَتَم أُمي، وتَفَل في وجهي، فخشيت أن أضربَه لِحظِّ نفسي، فتركتُه حتى سَكن ما بي، ثم قتلتُه في الله". ونظراً للسيرة الحافلة بالشجاعة والإقدام والجهاد والبطولة في حياة أمير المؤمنين عليه السلام، سنشير إلى نماذج منها من خلال مرحلتين تاريخيتين في حياته عليه السلام، وهما:

- المرحلة الأولى: في الدعوة والجهاد إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله
- المرحلة الثانية: جهاده ودفاعه عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.

* المرحلة الأولى: في الدعوة والجهاد إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله
حضَّ اللّه سبحانه وتعالى المسلمين على الشجاعة والثبات في تبليغ الدعوة وفي الجهاد في سبيلها، يقول اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (الأحزاب: 39) و ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (الأنفال: 45). ولأن القادة هم القدوة لجنودهم، اقتدى علي عليه السلام بشجاعة الرسول صلى الله عليه وآله في الدعوة إلى الله والقتال في سبيله. وتتمثّل شجاعته عليه السلام في مواقف متعددة أدّت إلى انتصار المسلمين. فمثلاً في غزوة بدر الكبرى، كان عدد جيش كفار قريش يساوي ثلاثة أضعاف جيش المسلمين. ومن المتعارف عليه أن تكون الغلبة للأكثر عدداً، لكن علياً عليه السلام استطاع أن يقتل نصف قتلى المشركين، وبعضهم من الكبار عندهم، مما غيّر موازين المعركة وحسم النصر لصالح المسلمين في معركة غيّرت مجرى الأحداث في التاريخ الإسلامي. وشارك عليه السلام إلى جانب بدر في كل غزوات ومعارك رسول الله صلى الله عليه وآله عدا تبوك، دفاعاً عن الإسلام وفي الدعوة إليه، منها: يوم بني النضير، ويوم الخندق حين تحزّبت الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث تصدى علي عليه السلام لقادتهم وقتل عمرو بن عبد ود العامري الذي تحدّى المسلمين بغطرسته وعنفوانه، وكان يُعد بألف فارس، وكان قتله سبباً لهزيمة أحزاب المشركين في الخندق، وحينها قال رسول الله صلى الله عليه وآله قوله الشهير: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله". وكان عليه السلام إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله في خيبر. وتؤكّد الأخبار أنه لما أقبل علي عليه السلام بالراية يهرول وخلفه الناس، فركّز رمحه قريباً من الحصن، وأشرف عليه حبر من الأحبار فقال: من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي:غُلبتم وما أُنزل على موسى. ولما دارت المعركة بينهم حزّ علي رأس مرحب قائد جيش اليهود فتراجع اليهود مهزومين واختبأوا خلف الحصن، فقلع عليه السلام باب خيبر وقاتل اليهود حتى هزمهم.وإلى هذا أشار ابن أبي الحديد في قصيدته قائلاً:

يا قالع الباب الذي عن هزه عجزت أكفٌّ أربعون وأربع وانتصر المسلمون يوم حنين حين قتل علي عليه السلام أبا جرول حامل راية المشركين إلى حنين. وبغض النظر عن كل هذه المعارك والغزوات، يمكن القول إن مبيت علي عليه السلام على فراش النبي- لما أجمعت قريش على قتله- فداءً له صلى الله عليه وآله، يعبّر عن أعلى درجات الشجاعة والتضحية والفداء.

* المرحلة الثانية: جهاده ودفاعه عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله:
ونقتصر بالكلام هنا على ثلاثة مواقف فقط، أوّلها صبره على غصب الخلافة، وثانيها حين مبايعة المسلمين له، وثالثها مواجهته لنكبة الخوارج.  ففي الموقف الأول عندما واجه هذه الحالة وقف عليه السلام بشجاعة وتصميم وعزم وصبر إلى جانب مصلحة الإسلام العليا وتنازل عن ذاته عليه السلام وكل وجوده، ليعطي بشجاعته هذه مثلاً رائعاً وهو أن مصلحة الإسلام وكلمته هي أعظم من كل شيء في هذا الوجود، وأعظم من كل إنسان مهما كان عظيماً كعلي عليه السلام. فقال عليه السلام: "لَقد عَلِمتُم أني أحَقّ الناس بها من غيري، وَوَالله لأسَلِّمَنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين، ولم يَكن فيها جَور إلا عَلَيَّ خاصَّة". فالواضح أنه لم يكن له عليه السلام رغبة شخصية في الإمارة، ولا يحرص عليها، وإذا طلبها فإنما يطلبها لِيُقيم قواعد العدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فعلي عليه السلام في الوقت الذي عرفته ساحات الجهاد والقتال بطلاً لا يُضاهى، ولا يقف في وجهه أحد، وجدناه يتنازل عن ذاته ومنصبه وعن كل شيء بشجاعة فائقة، وصبر عظيم من أجل مصلحة الإسلام وحفظ بيضته وكلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.  وكان بنفس الشجاعة عندما تداعى الناس جميعاً إلى بيعته عليه السلام ووجد أن مسؤوليته الشرعية تفرض عليه أن يقوم بأعباء الخلافة بعد مقتل عثمان، فتصدى لذلك أيضاً بتلك الشجاعة التي تنازل بها عن حقه، حيث تصدّى للخلافة بشجاعة عظيمة حينما كان المجتمع الإسلامي يعجّ بالانحرافات والمظالم، فإن تحمّل المسؤولية في تلك الظروف القاسية يحتاج إلى شجاعة عظيمة أكبر من التي يمتلكها الإنسان في ساحات القتال وميادينه.  وأما قضية مواجهة الخوارج، فهي تحتاج أيضاً إلى شجاعة علي عليه السلام، وذلك لأن هؤلاء كانوا من العابدين الزاهدين، والمصلين الخاشعين، الذين كثرت الثفنات والقروح في أيديهم وجباههم من كثرة السجود... فإن هذا الموقف الخطير الذي اتخذه علي عليه السلام للقضاء على هذه الفرقة ومحاربتها – الذين كان ينظر الناس إليهم على أنهم من المسلمين، ولا سيما أنهم أهل عبادة وزهادة وقداسة، كما هو ظاهرهم- ليس أمراً ميسوراً لشخص آخر غير علي كما يؤكّد الشهيد مطهري(3)، لأنه لا يتجرّأ أحد من المسلمين على قتل أفراد مسلمين لا يفارق ذكر الله شفاههم، كما كان ظاهر الخوارج مع كونهم من الفرق الضالة. يقول الإمام علي عليه السلام: "أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها، واشتد كلبها..."(4). وقد لخّص ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح النهج قيمة الشجاعة في شخصية علي عليه السلام قائلاً: "وأما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحى اسم من يأتي بعده...".


 (1) سورة النمل، الآية: 10، ويراجع سورة البقرة، الآيات: 249 250، وسورة آل عمران، الآيات، 173 175، وسورة الأحزاب، الآية: 39.
(2) ذكره المامقاني وقال إنه متواتر، تنقيح المقال: ج2، ص77.
(3) الشهيد مرتضى مطهري، من حياة الأئمة الأطهار، ص36 بتصرف.
(4) المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، ص36.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع