مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: التلميذ والواجبات البيتية

د. حسن سلهب

 



•واجبات التلميذ والفائدة المحصّلة منها:
لا يزال موضوع الواجبات البيتية يطرح نفسه بقوة. ولم يتمكن المعنيون بعد من إخراجه من دائرة الأعمال الشكلية وغير المجدية إلى رحابة التمارين المكمّلة والممتعة. فالمعلمون، على الأغلب الأعم، يكتفون في تحديد الواجب البيتي بإعلان الأرقام، أو الصفحات المطلوبة، في آخر دقيقة من الحصة التعليمية. والتلامذة، في الغالب أيضاً، يكتفون بتخطيط بعض الأسطر، أو انتقاء بعض التمارين والفقرات، لكي يثبتوا التزامهم بالواجب البيتي أمام المعلمين عند المساءلة.


ومن اللافت غياب الاكتراث للحصيلة العامة لهذا التكليف أو ذاك التجاوب، حتى بتنا نشعر بأن المطلوب ليس التعلّم الفعلي، بل السعي فيه، من دون توقعات واضحة أو كافية، وهذا ما نراه بشكل سافر في الأعمال البيتية التي تحتاج إلى وقت وجهد ملحوظين، لا سيما في المواد العلمية، وفي صفوف الحلقة الثالثة وما فوق بالتحديد. إن ما تستهدفه هذه المقالة بالتحديد هو كشف الستار عن هذه الخطوة شبه الفارغة التي يمارسها الكثير من المعلمين، ويتجاوب معها، لكن من دون جدوى، معظم التلامذة، متوخين عدم الإحراج الذاتي، بعيداً عن التعلّم أو التطوّر.

وما يزيد الأمور تعقيداً أن طريقة معالجة الواجب البيتي في الصف، أو بمعنى آخر تصحيحه، يتم بشكل لا يضمن أي تعويض عن عجز التلامذة السابق، ما يكرّس الموقف السلبي للتلميذ من الواجب البيتي، بدءً من تحديده وصولاً إلى معالجته الشكلية. فقد غلب اعتماد إحدى الطريقتين: إما أن يبادر المعلم إلى إعلان المعالجة الصحيحة وتدوينها على اللوح، أو تكليف أحد التلامذة، بالتناوب، ليقوم بذلك، لكن مع دور حاسم للمعلم، أو بعض التلامذة المميزين.

•الواجب البيتي سعي ينبغي التدقيق فيه:
انطلاقاً مما تقدم، يمكن القول: لا قيمة على الإطلاق لأي واجب بيتي لا نتوقع إنجازه بصورة صحيحة وبنسبة غالبة، لأن السعي في الشيء، مع العلم المسبق بعدم الوصول، هو شكل من أشكال الاستنزاف للطاقة، وبالتالي مقدمة لظهور موقف سلبي من عملية السعي برمتها. من هنا ضرورة التدقيق بنوع الواجب وكميته، وما إذا كان بامكان معظم التلامذة إنجاز القسم الأكبر منه. فالأساس في ذلك أن الأعمال البيتية طريقة في تكريس ما جرى تعلّمه في الصف، ووسيلة لترسيخه وتطويره، وليس لاكتشاف قدرات غير عادية للتلامذة، أو لخوض تحديات غير مسبوقة من قبلهم. إنها ليست عملية بحث مضنية نتوقع أن يتفاعل التلامذة معها أثناء المعالجة الصَّفِّية، - وبالتالي - لا ينسوها مدى حياتهم، كما يحلو للبعض أن يراها، أو على الأقل إن القسم الأكبر منها لا يمكن وصفه بهذا الشكل. فالموقف يقتضي نوعاً من التيسير للمادة المطلوبة بما يضمن جاذبية كافية لهمم التلامذة ونشاطهم، فهم في حالة حماس ملحوظة للمباشرة به، ولن تغيب عن مشاعرهم طيلة فترة إنجازه. لا يعني ما تقدم استبعاد ميزة العمق أو الغنى في الأعمال البيتية، ولكن الشرط الوحيد هو ضمان التفاعل الحقيقي والحماس الكافي في الإنجاز. قد يتطلب ذلك نوعاً من التفريق بين التلامذة، حيث يتم تكليف كل واحد منهم بما يتناسب مع إمكاناته ومستواه، كما قد يتطلب تبسيطاً مغرياً هنا، وتعميقاً محفِّزاً هناك. والمعادلة الحاسمة في هذا المجال تكمن في الحصيلة الفعلية التي سيأتي بها التلامذة، لا في الكمية التي سيحملونها على عاتقهم.

•أهمية التحصيل الذاتي للتلميذ في الواجب البيتي
ومن المفيد في هذا المجال الإشارة إلى أن وضعية التلميذ، أثناء إنجازه للأعمال البيتية، هي أرقى وضعية يمكن أن ننشدها له، لا سيما إذا تمت بعيداً عن تدخل المعلم المساعد أو سواه. فهي اللحظات الوحيدة التي يجلس فيها التلميذ مع نفسه، من دون رقيب أو موجه، وهي اللحظات الوحيدة التي يتناول فيها مواده العلمية بالطريقة التي يراها مناسبة. إنها الفرصة الأولى في عمره لتكوين نمطه الخاص في الحفظ والفهم والتحليل والتقييم والابتكار، كما إنها البداية التأسيسة لما نسميه الدافعية الذاتية للتعلّم، وهي أثمن ما يمكن بناؤه في التجربة العلمية للتلميذ. فإذا كانت المسألة بهذا الحجم من الأهمية والخطورة، فإن التحضير لها، والتدقيق بمخرجاتها، يشكل جهداً نوعياً من المفيد عدم التهاون أو التفريط فيه. يطرح البعض قضية الاستنزاف الكلي لوقت التلميذ في الأعمال البيتية، حيث يتعرّض الأخير لما يشبه التمديد لليوم المدرسي، فلا يخرج من المدرسة، حتى تدخل عليه بأعمالها التي لا تنتهي إلا مع حلول الظلام، أو بعده، وما ينجم عن ذلك من حرمانه لحاجات أخرى في حياته لا تقل أهمية وفائدة. إن هذا النوع من المقاربة لطريقة صرف أوقات التلميذ مقبول، ومن الضروري الاهتمام به بشكل جدي، لكن لا ينبغي أن يطرح من زاوية الغاء الأعمال البيتية كلياً، وإذا كان ثمة ما يمكن التخفيف منه لمصلحة طريقة توزيع وقت التلميذ، فهو في الوقت المدرسي قبل الأعمال البيتية، خصوصاً بعد تحقيق الشروط التي تقدمنا بها، ذلك أن كل ساعة يقضيها التلميذ مشغولاً بأعمال علمية خاصة، تعادل ساعات من الدوام المدرسي يكون فيها التلميذ في وضعية المتلقي أو المستوعب لما يقوله المعلم. إننا نؤكد على ضرورة الحفاظ على تلك اللحظات الثمينة في رحلة التلميذ العلمية وتأمين كل شروطها وملحقاتها، لا سيما في مجال تقييم حصيلتها اليومية، وتقديم التغذية الراجعة الدائمة حولها.

إن ما تكتبه أنامل التلميذ يجب أن يتعرض لأوسع عملية تدقيق ودراسة ممكنة، ولا يغيب عن بالنا أن التعرُّف إلى نوعية ذكائه وطريقة تنمية هذا الذكاء تبدأ من هنا بالتحديد. لذلك إن أي إهمال لهذه الحصيلة، مكتوبة كانت أو مقروءة أو معبّراً عنها، هي بمثابة حرمان حقيقي من فرصة تسلسل التجربة المدرسية للتلميذ، إنها عملية قطع وبتر لبعض مكوناتها الدقيقة والنوعية، فضلاً عن تأثيراتها السلبية على دافعية التلميذ في ما يتعلق بمبادرته لإنجاز هذه الأعمال. إن التلميذ بحاجة ماسَّة لمن يقول له أين يضع قدميه عندما يسلك الطريق بمفرده. وإذا فقد الدليل إلى ذلك، فقد يفقد القدرة على المبادرة مرة أخرى، أو على الأقل يتجنب السير في طريق جديد. إن التطورات الجديدة في مناهج التعليم وطرق التدريس تؤكد على الدور المحوري للتلميذ في العملية التعليمية، ما يعني التوسّع في عمليات التفكير الذاتي عنده، بعيداً عن الآخرين. والأعمال البيتية - كما رأينا - تشكل واحدة من أبرز مصاديق هذا الدور الجوهري للتلميذ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع