مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله

الشيخ تامر محمد حمزة

 



يجب على كل مسلم تظهر عليه أمارات الموت الوصية، وعادة تتضمن أهم الواجبات العبادية والمعاملاتية، أو ما يعبر عنه بحقوق الله والناس، سواء كانت حقاً لهم أو ما يوصى به لهم. والوصية ضرورية على كل مسلم ولو كان نبياً، ولذا نجد أن كل نبي من الأنبياء صلوات الله عليهم، قد أوصى بقضايا لا سيما بتعيين وصيه، سواء كان نبياً أو غير نبي، وهذا القانون الإلهي جار حتى على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله. ونحاول - بإذن الله تعالى - إبراز أهم الأمور التي أوصى بها صلى الله عليه وآله ويتم البحث ببيان محورين أساسيين:
-الأول: متى شرع النبي صلى الله عليه وآله ببيان وصاياه التي أوصى بها؟
-الثاني: ما هي أهم الأمور التي أوصى بها؟


أقول متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، إنه صلى الله عليه وآله طفق ببيان وصاياه بعد نعي نفسه إليه، وإن كل ما أوصى به كان على نحو التأكيد لخصوصيات راجعة ومتعلقة بالموصى به. حين تنفّس الصعداء ربما لم نجد نصاً صريحاً يدل على الوقت الذي نعيت إليه صلى الله عليه وآله نفسه. ولكن، هناك نصوص وكلمات نورانية له صلى الله عليه وآله في بعض محاوراته وخطاباته تظهر ذلك. والحد المتيقن ما جاء أثناء خطابه بالحجيج بمنى في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة، وهذا ما نسبه السيد هاشم معروف الحسني في سيرة المصطفى إلى أكثر المؤلفات في السيرة من أن النبي خطب يوم النحر خطاباً جامعاً قال فيه - بعد الحمد لله والثناء عليه بما هو أهله - "أما بعد أيها الناس، اسمعوا مني ما أبيّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا"(1). وهناك نصوص في كتب إخواننا أهل السنة تشير إلى الموضوع نفسه، ولعل وقتها كان قبل هذا النص لشواهد وقوانين داخلية وخارجية، وقد أورد الخطيب الخوارزمي مسنداً عن عبد الله ابن مسعود، قال:"كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أصحر، فتنفس الصعداء، فقلت: يا رسول الله، ما لك تتنفس؟ قال: يا بن مسعود، نُعيت إليّ نفسي. فقلت: يا رسول الله، استخلف (وقد كررت ثلاثاً) إلى أن قال له صلى الله عليه وآله: من؟ قلت: علي ابن أبي طالب، قال صلى الله عليه وآله: أوه، ولن تفعلوا إذاً أبداً، والله، لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة"(2).

آخر وصاياه صلى الله عليه وآله
منذ أن نعيت إليه نفسه الشريفة، وهو يؤكد على مجموعة وصايا تتعلق بمستقبل الدعوة وبأهل بيته عليهم السلام وبالأمة. أما ما يتعلق بالأمة، فقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله على عصارة الواجبات والمفاهيم والآداب التي قضى عمره الشريف في سبيل نشرها ودعوة الناس إلى الاعتقاد بها والسير على طبقها لمدة ثلاث وعشرين سنة. وهذا ما نجده في خطبته في حجة الوداع، والتي تحدثت عن النسيء الذي هو زيادة في الكفر، وأن عدة الشهور اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم. ثم بيّن حقوق النساء على الرجال وحقوق الأخوة بالإيمان، وأشار فيها إلى الأخذ بكتاب الله وعترته الطاهرة وتعرض فيها إلى المساواة بين الناس ونهى عن التفاضل إلا بالتقوى، ثم أشار إلى الإرث(3).

وأما قبيل وفاته بساعات، فقد خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمداً على أمير المؤمنين عليه السلام بيمنى يديه وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى، حتى صعد المنبر فجلس عليه، ثم قال: معاشر الناس، وقد حان مني خفوق بين أظهركم... معاشر الناس، ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً أو يصرف عنه به شراً إلا العمل... والذي بعثني بالحق نبياً، لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عَصيت لهويت، اللهم هل بلغت؟(4). وأما ما يتعلق بأهل بيته، لا سيما خصوصاً مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، وهو يتعلق تارة بها خاصة وأخرى موصياً المسلمين بها سلام الله عليها، فعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: إذا أنا مت، فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً ولا تنادي الويل، ولا تقيمي عليّ قائمة(5). وفي رواية أخرى عن أنس قال: جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله في المرض الذي قبض فيه، فانكبت عليه فاطمة وجعلت تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وهو يستعبر بالدموع: اللهم أهل بيتي وأنا مستودعهم كل مؤمن، ثلاث مرات(6).

وأما ما يتعلق بمستقبل الدعوة:
فمنذ اللحظات الأولى للدعوة، حيث كان علي في حجره، إلى آخر لحظة من حياته المباركة، حيث فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه الشريف في حجر علي، وهو يعمل على حفظ الدعوة حالاً ومستقبلاً، لا سيما أنها هي الرسالة الخاتمة والدائمة إلى يوم القيامة، وذلك من خلال تهيئة علي عليه السلام ليكون هو الحصانة والضمانة لديمومتها. وما البيانات التي أطلقها في كل زمان ومكان المبرزة لفضائل ومناقب علي عليه السلام وعلى رؤوس الأشهاد، إلا ليقول للمسلمين: إن وصيي من بعدي هو علي عليه السلام. نعم لما نعيت إليه نفسه الشريفة، أولى الوصية اهتماماً كبيراً، ابتداءً برواية ابن مسعود السابقة، مروراً بالمؤتمر الأضخم في تاريخ البشرية قديماً في غدير خم، إلى آخر ساعات من حياته. وسأركز على الأيام الأخيرة من عمره الشريف. عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه: أدعوا لي خليلي، فأرسلت فاطمة إلى علي عليه السلام. فلما جاء، قام رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل، ثم جلّل علياً بثوبه. قال علي عليه السلام: فحدثني بألف حديث، يفتح كل حديث ألف حديث(7).

وتناقلت كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجمع إليه أصحابه، وبعد أن دعا إليه الأنصار وأوصاهم بوصايا، دعا بعد ذلك المهاجرين، فقال لهم: أيها الناس، إني قد دعيت، وإني أعلمكم أني قد أوصيت إلى وصيي ولم أهملكم إهمال البهائم ولم أترك من أموركم شيئاً. أيها الناس، إسمعوا وصيتي، من آمن بي وصدقني بالنبوة وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له، فإن ولايته ولايتي وولايته ولاية ربي(8).

هو وحيٌ يوحى
نحن نعتقد وندين بأن ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله هو بأمر من الله حرفاً بحرف، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ولذا، قال الإمام الصادق عليه السلام - كما روي عنه -: حين نزل برسول الله عليه السلام الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً، نزل به جبرائيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرائيل: يا محمد، مُر بإخراج مَنْ عندك إلا وصيك ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها، يعني علياً... ثم تسلم الوصية من جبرائيل فقرأها حرفاً حرفاً، فقال: يا علي، هذا عهد ربي تبارك وتعالى إلي(9). وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: كان أول الوصية: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد محمد بن عبد الله وأوصى به، وأسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. وكان في آخر الوصية: شهد جبرائيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمد صلى الله عليه وآله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام(10).


(1) سيرة المصطفى، هاشم معروف الحسني، ص690.
(2) المناقب، للخطيب الخوارزمي، ص68، وابن كثير في البداية، ج7، ص360، عن عبد الله بن مسعود.
(3) سيرة المصطفى، هاشم معروف الحسني، ص 691.
(4) بحار الأنوار، ج22، ص467.
(5) بحار الأنوار، ج22، ص 460.
(6) المصدر نفسه.
(7) البحار، ج22، ص461.
(8) البحار، ج22، ص 478.
(9) البحار، ج22، ص480.
(10) البحار، ج22، ص 482.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع