ليندا زراقط
من أبرز المشاكل التي تعاني منها الكثير من الأمهات في العام الدراسي مشكلة تدريس الأولاد لساعات طويلة من النهار يومياً. تتردد على ألسن كثير منهن: ابنتي بطيئة جداً في الدراسة، ابني لا يركز، ابنتي تتهرب من أداء وظائفها المنزلية، ابني لا يدرس إلا إذا جلست بقربه، أولادي لا يحبون الدراسة في فترة بعد الظهر، أولادي يقضون ساعات طويلة لإنهاء واجباتهم ودروسهم، وشكاوى أخرى عديدة، فهل الحلول صعبة بصعوبة المشكلة وهل من إمكانية للمعالجة؟
* شكاوى الأمهات
تقول السيدة أم أحمد (أم لثلاث بنات وصبي): لم أواجه أي مشاكل في تدريس البنات، ولكن اختلف الأمر مع الصبي، فهو اتكالي بطبعه وبطيء جداً في الدراسة، مما يجعلني ألازمه دائماً لمتابعة دروسه. وتقرّ السيدة هيام: ابنتي مروة (9 أعوام) مجتهدة في المدرسة، ولكنني أعاني من مشاكل من تدريسها في المنزل، فهي تأخذ وقتاً طويلاً لإنهاء واجباتها المدرسية، لأنها لا تستطيع التركيز لفترة طويلة، وهي كثيرة النهوض وليس لديها القدرة على الجلوس لفترة طويلة وراء طاولة الدرس، مما يجعلها تفقد تركيزها. وتشتكي السيدة أحلام: ابني علي (11 عاماً)، لا يعاني من أي مشاكل في الاستيعاب والفهم داخل الصف، ولكنني أجد صعوبة كبيرة أثناء تدريسه في المنزل، فهو يتهرب من الدرس ودائماً يخلق حججاً وأعذاراً كالذهاب إلى الحمام أو المطبخ، كي يلهو عن الدراسة، مما يجعلني أتوتر وأفقد أعصابي. وتصرح السيدة هلا: ابنتي لا تحب الدرس في فترة وجودها في المنزل. أدفعها بالقوة لتنهي دروسها وفروضها المنزلية، مما يجعلني أستغرق فترة طويلة في تدريسها. وتعترف السيدة أم محمد: على الرغم من النتيجة الجيدة التي أتلقاها من أولادي في المدرسة، إلا أنني أعاني كثيراً أثناء تدريسهم في البيت، فابني محمد (10 أعوام) بطيء جداً في الدراسة وقليل التركيز وعنيد جداً. إذاً، إذا قرر عدم إنجاز فرضه في مادة معينة يصرّ على رأيه ولا يقوم بذلك حتى لو استخدمت معه جميع الطرق والوسائل. أما بتول(8 أعوام )، فهي ذكية وجيدة الاستيعاب، لكنها تستغرق مدة طويلة لإنجاز دروسها وفروضها المنزلية، لدرجة أنني اضطررت لاعتماد الساعة الرملية لتحديد المدة الزمنية لإنجاز الفرض أو الدرس المطلوب.
• ماذا يقول الإرشاد التربوي!؟
من الضروري استشارة الخبراء في هذا المجال، لذلك توجهنا إلى الدكتور السيد محمد رضا فضل الله (مدير دائرة الاشراف التربوي في مدارس المصطفى جمعية التعليم الديني الإسلامي) سائلين عن حلول المشاكل التي تعاني منها الأمهات في ما يتعلق بتدريس أولادهنّ:
• بعد سماع شكاوى الأمهات، كيف يمكن النظر إلى مهمة الأمهات في تدريس أولادهن؟
جرت العادة في بلادنا على أن تتولى الأم رعاية الطفل خلال سنواته منذ الميلاد وحتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي على الأقل، فتقوم بتوفير مختلف حاجاته من غذاء وراحة وحركة ونشاطات متنوعة من جهة، ومن جهة أخرى تهتم بمتابعة تحصيله التعلّمي بعد عودته من المدرسة، وهذا ما يشكل عبئاً إضافياً على مهامها الزوجية والأسرية المرهقة. إن عملية الاهتمام بتدريس الطفل ليست أمراً بسيطاً، إذ على الأم أن تتعامل مع مهمة تتطلب علماً ومهارة وأسلوباً وصبراً، وبالأخص إذا كان هذا الطفل ينتمي إلى مدارس تتبنى في مناهجها الأساليب التقليدية التي تركز على الحفظ والتقليد وتكثيف الواجبات المنزلية. إن المهارة في التعامل واعتماد الأسلوب المشجع يثير رغبة الطفل في التعلم، ويدفعه إلى الفهم والإستيعاب من خلال طرق تعليمية ووسائل خاصة.
* ملاحظات هامة للأمهات:
• هل من أخطاء ترتكبها الأمهات خلال عملية التدريس؟
قد تستخدم الأم أساليب في التعليم لا تنسجم مع أساليب المدرسة، كأن تفرض على الطفل أن يحفظ والمطلوب أن يفهم ويطبق. والأم قد تتوقع من طفلها أموراً قد لا يستطيعها بفعل عوامل وراثية وبيئية، فهي ترجو منه أن يكون متفوقاً وهو في قدراته العقلية قد يكون متواضعاً، وهذا ما يفرض عليها أن تجلس إلى جانبه الساعات الطوال دون جدوى، بحيث تثير سأم الولد وهذا يتعبها ويوترها. كذلك، فإن هاجس أن يكون الولد متفوقاً، وأن يحوز على درجات الفئة الأولى هو همّ الكثير من الأمهات، لذا فهن يتابعن التفاصيل الدقيقة أثناء تعليم الولد، ويكررن الدرس مرات عديدة حتى يصبح لديهن الاطمئنان الكافي إلى الحفظ والإتقان، وهذا يفرض أن يجلسن الساعات الطوال في وقت يكون الولد فيه قد بلغ مرحلة عالية من التعب والملل، وفي حين أن الولد قد يكفيه وقت أقل لإنجاز مهامه الدراسية.
* المدرسة تساهم في المشكلة:
• ألا تتحمل المدرسة المسؤولية في خلق بعض مشاكل الدراسة في المنزل؟
نعم، إن كثافة الفروض والدروس قد لا تتناسب مع الوقت المخصص للدراسة بعد الظهر، بحيث تُتعب الولد وتمنعه من التركيز والمتابعة، وهذا مما يتعب أعصاب الأم التي ترغب أن يتمّم واجباته كاملة وبإتقان. المدرسة يجب أن تكون متوازنة في إعطاء الكمية المناسبة من الفروض، بحيث يستطيع الولد إنجازها بوقت مقبول، لأن الطرق الحديثة في التعليم تترك للولد المجال بأن يعتمد على نفسه ويكتشف بذاته دون مساعدة أحد، إلا فيما ندر في بعض المواد التي تتطلب كتابة وبحثاً. إن الطرق الحديثة تطلب من الولد أن يحفظ ويكتب ما اكتشفه بنفسه في الصف، وهذا مما يسهل عليه إنجاز الفروض في البيت.
* مشاكل التدريس وسبل معالجتها:
• كيف يجب أن تتعامل الأم مع مشاكل التدريس في المنزل؟
- أن يتم الاتصال المستمر بمعلمي الولد، للتعرف إلى أسلوب الولد، وللتعرف إلى الأسلوب الأفضل الذي يجب أن تستخدمه الأم لاختصار الوقت وتنفيذ التعليم بيسر.
- أن تعطي الولد فرصة للترفيه والتسلية بعد عودته من المدرسة، ليجدد نشاطه بعد يوم طويل من الدرس والتعلّم.
- أن نشعر الولد بالثقة فنترك له فرصته في أن ينجز بعض فروضه بنفسه مع رقابة غير مباشرة، ليتعود تدريجياً على أن يمارس التعلم بنفسه.
- أن نستغل أيام الآحاد والجمعات لإنجاز بعض الفروض التي تتطلب وقتاً، حتى لا تتراكم كل الدروس والفروض في يوم واحد.
- أن نتعامل مع الولد بوعي وحكمة، فنفهم قدراته الذكائية والنفسية، ونعلمه بالأسلوب الذي يتناسب مع هذه القدرات، بحيث لا نحمله ما لا يستطيعه، وأن تتقبل الأم واقع ولدها كما هو وتتعامل معه على هذا الأساس.
* حالات خاصة:
• ماذا عن معالجة الأولاد الذين يعانون مشاكل في المدرسة وترافقهم إلى البيت؟
إن ما نطلبه من الأم هو نفسه ما نطلبه من المدرسة: دراسة حالة الولد بمختلف أبعادها، فنكتشف ما يعانيه من صعوبات تعلّمية قد تكون ناتجة عن أوضاع صحية أو مشاكل نفسية أو قدرات عقلية أو أزمات اجتماعية، أو أمور تعليمية.. وعلى ضوء ذلك يجب فهم الولد ورسم خطة دعم ملائمة تتعاون على تنفيذها كل من الأسرة والمدرسة، فنقدم له ما لا يعتبر ظلماً له أو تحميلاً له أشياء تفوق قدراته وطاقاته.
إذا لم يكن هناك من مشكلة في أداء المدرسة ومستوى التعليم فيها، فعلى المعنيين سواء في البيت أو في المدرسة أن ينموا ثقة الولد بنفسه، ويدفعوه إلى أن يمارس نشاطاته بالإعتماد على ذاته، وأن يمارس الأهل مع ولدهم حسن الظن، فيتركوه يمارس واجباته بنفسه، مع بعض الرقابة والتشجيع.
• ما هو الحل لمشكلة البطء في الدراسة؟
إن البطء في الدراسة هو حالة يجب دراسة أسبابها، فقد تكون صحية أو نفسية أو تدنياً في نسبة الذكاء، أو عدم القدرة على التركيز والمتابعة.. وعلى ضوء نتائج التشخيص، يمكن وصف العلاج الذي يمكن أن يخفف من تفاقم هذه الحالة. وفيما يتعلق بأسباب التأخر المدرسي، فهي متعددة، فقد يكون مصدرها المعلم، أو الجو المدرسي، أو الوضع النفسي للولد، أو الوضع الإجتماعي، أو المستوى الذكائي؛ وقد يكون من جملتها الكسل. لذا، من الواجب البحث بموضوعية عن السبب ليتم العلاج.
* الملل من الدراسة:
• كيف يمكن للأم معالجة مشكلة الأولاد في التعب والملل من الدراسة؟
إن كثرة الواجبات المدرسية في المنزل، وطول المدة التي يقضيها الولد في إنجازها، خاصة بعد يوم دراسي طويل هو من الأمور التي يجب التوقف عندها، لأنها تؤدي من جهة إلى تعب الولد وكرهه للعلم والمعلم؛ ومن جهة أخرى، تثير قلق الأم وضيقها، خاصة وأن الولد قد يعبر عن ضيقه بكثرة طلب الذهاب إلى الحمام أو المطبخ أو غيرهما، كما تقول بعض الأمهات. في هذه الحالة علينا أن نعلم الولد بأساليب تشوقه وتثير رغبته في التعلم، سواء في البيت أو في المدرسة، فنجدد نشاطه بين حين وآخر، ونقبل المعقول من إنجازه، كما ويجب التواصل المستمر والتنسيق مع المدرسة للتنسيق في أمر تسهيل مهمة تدريس الولد في البيت.
* دور الأب:
• أين دور الأب كعنصر أساسي أو مساعد؟
يجب أن يتعاون الأبوان على رعاية الوضع التعليمي للولد، بحيث يتبادلان الأدوار، كل حسب كفاءته وظروفه، لأن بعض الأمور قد يبرع فيها الأب أكثر من الأم، والعكس صحيح. لذلك، فإنني أعتبر أن دور الأب هو خير مشجع ومسدد لعمل الأم وضبط الولد، بالأخص إذا كان الأب يتمتع بكفاءة علمية مهمة.
يتبين لنا من كلام الدكتور "فضل الله" أن الحلول قائمة وليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى بعض الصبر وتنفيذها بشكل مناسب، مما يخفف عبء التدريس عن الأمهات وشعور الطفل أو(الولد) بالراحة خلال فترة دراسته أو( تدريسه) في المنزل.