مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط ومراتب

الشيخ علي حجازي

 



إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الفرائض وأشرفها وأهمّها، وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريّات الدين الإسلاميّ الحنيف. وقد ورّد الحثّ عليهما في الكتاب العزيز والأخبار الشريفة: منها قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران: 104). وقال تعالى ـ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... (آل عمران: 110). و"كان" في الآية تفيد الاستمرار. وقال تعالى (من وصايا لقمان): (يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور) (لقمان: 17)، إلى غير ذلك. وقد روي أنّه: "خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عن ذلك، وإنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأْمُروا بالمعروف، وأنهوا عن المنكر، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاَ ولن يقطعا رزقاً"(1).

* معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف معناه إلجاء الناس إلى الفعل الحسن، والنهي عن المنكر معناه منع الناس عن الفعل القبيح.

* شرائط وجوبهما
ـ شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة، وهي: العلم بالمعروف والمنكر، واحتمال التأثير، والإصرار على المعصية، وعدم وجود المفسدة.

ـ الشرط الأوّل: العلم بالمعروف والمنكر
العلم بالمعروف والمنكر، يعني أنّ الآمر والناهي يجب أن يكون عارفاً أنّ ما تركه المكلّف واجب، أو أنّ ما ارتكبه حرام. فلا يجب الأمر والنهي على الجاهل بالمعروف والمنكر، فالعلم شرط الوجوب كما الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ. بل لا يجوز على الجاهل ذلك؛ إذ يمكن ونتيجة لجهله وعدم علمه أن يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف.

ـ الشرط الثاني: احتمال التأثير
أ- احتمال التأثير يعني أنّ الآمر والناهي يجب أن يحتمل أنّ أمره ونهيه مؤثّران في الشخص. وأمّا لو علم أو اطمأنّ بعدم التأثير، فلا تكليف عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ب- لو علم أو احتمل أنّ أمره ونهيه مع التكرار يؤثّر وجب التكرار ومواصلة الأمر أو النهي.
ج- لو علم أنّ فلاناً همّ بارتكاب حرام، واحتمل تأثير نهيه عنه وجب نهيه.
د- لو علم أو احتمل تأثير النهي أو الأمر في تقليل المعصية لا قلعها، وجب ذلك.
هـ- لو علم أنّ إنكاره غير مؤثّر في الحال، لكن علم أو احتمل تأثيره في المستقبل وجب إنكاره.

ـ الشرط الثالث: الإصرار على المعصية
ـ أن يكون العاصي مصرّاً على الاستمرار في المعصية، بمعنى أنّه يريد الاستمرار بارتكاب المعصية ولو مرّة واحدة أخرى، فلو شرب مسكراً، وقصد الشرب مرّة ثانية وجب نهيه عن الشرب. ولو حصل العلم بأنّ العاصي سيقلع عن المعصية من نفسه من دون أمره ونهيه؛ أي أنّه سيفعل المعروف ويترك المنكر، فلا يجب أمره ونهيه.

ـ الشرط الرابع: عدم وجود المفسدة
أ- عدم وجود المفسدة على نفس الناهي، أو عرضه، أو على أحد متعلّقيه (كأقربائه وأصحابه وملازميه) وعلى سائر المؤمنين.
وعلى هذا، فلو كان الأمر والنهي موجبين لوقوع الآمر أو غيره من المسلمين في المفسدة من قبيل الضرر على النفس أو العرض أو المال ـ، فلا يجب عليه الأمر والنهي.
ب- بذل النفوس لو كان فعل المعروف وترك المنكر من الأمور التي يهتمّ بها الشارع الأقدس كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين، وهتك نواميسهم، أو محو آثار الإسلام، ومحو حجّيّته بما يوجب ضلالة المسلمين، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام (كبيت الله الحرام)، بحيث تمحى آثاره ومحلّه، وأمثال ذلك ـ، فهنا يكون الأمر أو النهي واجباً حتّى وإن علم أنّه سيتضرّر. فليس مطلق الضرر أو الحرج موجباً لرفع التكليف، بل لا بدّ من ملاحظة الأهمّيّة، وأن يقارن في جميع موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المفسدة المترتّبة من الأمر والنهي، وبين المفسدة المترتّبة على ترك الأمر والنهي، ويقدّم الأهمّ منهما.
ـ وعلى المكلّف إذا تحقّقت الشرائط الأربعة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وإذا اختلّ أحد الشرائط سقط الوجوب. ومع ذلك لا ينبغي للمكلّف أيضاً إهمال التذكير والنصح لأخيه المؤمن.

* مراتب الأمر والنهي
أ- الأمر والنهي لهما ثلاث مراتب ومراحل، وهي: الأمر أو النهي القلبيّ، والأمر أو النهي اللسانيّ، والأمر أو النهي العمليّ (باليد).
ب- يجب مراعاة هذه المراتب والمراحل، بمعنى أنّه إذا كان يتحقّق المقصود بالمرحلة أو المرتبة الأدنى، فلا يجوز الانتقال منها إلى المرحلة الأعلى.

ـ المرتبة الأولى: الأمر أو النهي القلبيّ
أ- المقصود من الأمر القلبيّ هو إظهار الرضا القلبي، والمقصود من النهي القلبيّ هو إظهار الكراهة القلبيّة والاستياء، وأنّه من خلال هذا الطريق يريد أن يلجئ فاعل المنكر وتارك المعروف إلى فعل المعروف وترك المنكر.
ب- الأمر أو النهي القلبيّ له مراتب ودرجات، ويجب الاقتصار على المرتبة الأولى مع احتمال التأثير، ويجب الاقتصار فيها على ما يؤثّر. فإذا علم أو احتمل حصول المطلوب بغمض العينين، لا يجوز التجاوز إلى مرتبة فوقه. وهذه الدرجات كثيرة، منها: التبسّم أو الضحك أو الانشراح في الوجه لحثّ الآخر على الفعل، ومنها: غمض العينين او الاندهاش، أو ضرب إحدى اليدين على الأخرى، أو العضّ على شفتيه، أو الإشارة باليد أو الرأس، أو عدم السلام، أو الإعراض بوجهه أو برقبته أو بظهره، أو قطع الكلام، أو هجره وترك معاشرته، ونحو ذلك لحثّه على الترك.

ـ المرتبة الثانية: الأمر والنهي اللسانيّ
أ- لو علم أنّ المقصود لا يحصل بالمرتبة الأولى، يجب الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير. والمرحلة الثانية هي الأمر والنهي باللسان، وهذا يكون من خلال الكلام.
ب- الأمر والنهي اللسانيّ له درجات ومراتب، فلو احتمل الآمر أو الناهي حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول الليِّن، يجب ذلك، ولا يجوز التعدّي عنه.
ج- لو توقّف رفع المنكر وإقامة المعروف على غلظة القول، والتشديد في الأمر، والتهديد والوعيد على المخالفة، يجب ذلك بشرط التحرّز من الكذب.

ـ المرتبة الثالثة: الأمر والنهي العمليّ (باليد)
أ- لو علم أو اطمأنّ الآمر أو الناهي بأنّ المطلوب لا يحصل بالمرتبتين السابقتين وجب الانتقال إلى الثالثة، وهي إعمال القدرة، مع وجوب مراعاة الأيسر فالأيسر، فيجب على المكلّف إعمال القدرة والإجبار ليرتدع الشخص عن فعل المنكر وترك المعروف.
ب- الأمر أو النهي العمليّ له مراتب ودرجات، وإذا كانت النتيجة تُحقّق بالدرجة الدنيا لا يجوز الانتقال إلى الأعلى. وهذه المرتبة تحتاج الآن إلى مراجعة وليّ الأمر قبل فعلها؛ لأنّها أحياناً تسبّب فوضى اجتماعيّة بحيث يختلّ معها النظام، أو تؤدّي بالمؤمن إلى الحبس وما شاكل، نعم لو لم تؤدّ إلى ذلك فلا مانع منها، بل تجب.
ج- لا يجوز في هذه المرتبة الوصول إلى الجرح أو القتل إلا بإذن الفقيه الجامع للشرائط. وكذلك لا يجوز الدخول إلى بيوت الناس لأمرهم بالمعروف أو نهيهم عن المنكر إلاّ بمراجعة وليّ الأمر أو وكيله، لدراسة الأمر الأهمّ بين النهي وبين عدم وقوع المفسدة.

* نصيحة للأهل والمسؤولين
كونوا أتقياء في معاقبتكم للمخطئين، وتأكّدوا أوّلاً من أنّهم مخطئون، وتأكّدوا ثانياً من أنّ هذه المرتبة هي المطلوبة. وأوصيكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة أوّلاً، وحاولوا أن تكونوا قدوة للآخرين بأعمالكم، فإنّ أفضل وسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي بفعل المعروف والانتهاء عن المنكر.


(1) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب وجوبهما وتحريم تركهما، حديث 7.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع