نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الشهيد سامي صوص شهيد في درب خدمة أبناء الشهداء

نسرين إدريس قازان



الاسم الثلاثي: سامي سمير القزويني صوص.
اسم الأم: آمال الروماني.
تاريخ الولادة: 14/1/1980.
الوضع الاجتماعي: متأهل أنجبت زوجته بعد استشهاده طفلاً.
تاريخ الاستشهاد: 12/9/2008.


حدد سامي هدفه باكراً جداً ، فما حمله من تدين عميق، ومخزون ثقافي امتزج بالوعي والإدراك لما يجول حوله في هذه الدنيا، جعل منه شخصية فريدة تَطَاوَل حلمها على الواقع حتى تجلى حقيقة تنبض بالحياة. في حي الأمين في الشام، أبصر سامي نور الحياة، في منزلٍ يغمره دفء العائلة، مع أخوين له مشى معهما رحلة صداقة ومشاركة تميزت بالمودة والمحبة.  فالمنزلُ وما حواه من تربية تجاوزت التأديب والتهذيب، وربط الأواصر العائلية بالمعتقدات الدينية الأصيلة، وإنشاء علاقة تفرعت منها علاقات مختلفة تزيد من حميمية العائلة، كل ذلك ساهم في تشكيل شخصيّته الفذة منذ الصغر.

* شخصية متدينة واعية:
وكما أجاد والده جرّاح العظام، استعمال مشرطه في العمليات، استطاع بدقة وعناية أن يؤسسَ في أولاده، كلٍّ على حدة، شخصية مستقلة مبنية على أسسٍ واضحة من التدين والثقافة والوعي. وكان سامي، يتشّرب ذلك من كل منبعٍ صافٍ، ويمحّصُ ما يعرض عليه من ثقافة ومعلومات، لينقي الصالح من الطالح، وليحتفظ في جعبته بما يستخدمه في دحضِ ما يطرح أمامه حينما يكون في جلسة نقاش وسجال. ولم تكن البيئة الشامية التي حافظت على الكثير من التفاصيل الحياتية أقل تأثيراً من المنزل، بل لربما لشدة ما تتداخل البيئة بالمنازل في حي الأمين، أحد أقدم أحياء دمشق، يصبح من الصعب جداً التمييز في بصمة كل منهما على المرء. فهناك تشرع الأبواب لبعضها البعض، ويعيشُ الجميع حياةً واحدة يتقاسمون فيها المواقف المرة قبل الحلوة. بيئة مدماكها الأساس الحفاظ على وجود واضح لإسلام أصيل، سعى الجميع من دون استثناء إلى ترسيخه في نفوس أبنائهم. وبموازاة ذلك كان للامتداد القومي والإسلامي جذور راسخة في قلوبهم، دفعت بسامي للبحث في كيفية تخطي حدود مكانه ليكون واحداً من الرجال الذين يقاتلون العدو الصهيوني.

* نهل من معين المدرسة "المحسنيّة":
كانت ملامحه تبوح بالسكينة والطمأنينة، فلا يذكر أحد من الذين عرفوه أنه رآه عبوس الوجه مرة، أو أظهر لمحة استياء، شاب خطى باكراً جداً في طريق المشاركة وإثبات الوجود في حلقات الأنشطة والمشاركات المختلفة، فكان صبياً صغيراً في مدرسة "المحسنية" (نسبة إلى سماحة العلامة السيد محسن الأمين قدس سره، وهي إحدى أهم المدارس الراقية في الشام لجهة التربية والتعليم)، لا ينفك ينظم ويشارك في الأنشطة والاحتفالات الخاصة بأهل البيت عليهم السلام، ليتحول ذلك الهدوء إلى ضجيج يأنس به المرء، وهو يرى بأم عينه عملاً منظماً ومتقناً. وفي كنف "جمعية نادي الرابطة الأدبية"، النادي الذي يعنى بتربية الأجيال وتنشئتهم على الدين الحنيف، تلقى العلوم الدينية، فبرز عنده تعطشه الشديد للعلم والمعرفة، ففي كل محاضرة أو درس يكون أول الحاضرين، وأكثر المناقشين، وكثيراً ما زخرت جعبته بالعديد من الأسئلة والاستفسارات التي لم تنتهِ إلا عند سماعه الجواب الشافي. بعد أن أنهى المرحلة الثانوية، بدأ سامي بتدريس العشرات من الفتية الصغار في نادي الرابطة، وقد لفت نظر الكثيرين من المشرفين على النادي، بأسلوبه وقدرته الغريبة على التواصل معهم، ولم تؤثر كثرة مشاركاته على تحصيله العلمي، بل واظب على الحضور في الجامعة حيث درس برمجة الحواسيب، وبعد تخرجه التحق بطاقم المدرسين في المدرسة "المحسنية" ليكون بذلك مربياً للأجيال من الصغر وحتى الشباب.

بدا سامي في عمله شخصيةً قيادية وصاحب رسالة ومشروع واضحين، فهو يريد تثبيت العلاقة مع أهل البيت عليهم السلام في نفوس تلامذته، فاغترف من العلوم الروحية وكتب السير والسلوك ما ساعده على ذلك، وسعى إلى ترسيخ الفهم العميق لها في نفوس الذين تربوا على يديه من الفتية والشباب، وقد آمن بالعمل الجماعي والمُنََظّم، فكان يقسم العاملين من الشباب والفتية إلى مجموعات، ويوزع عليهم الأدوار بحيث يعرف كل فرد منهم مهمته وحدوده.

* لطفٌ إلهي:
كان حلمه الأول أن يلتحق بالمقاومة الإسلامية على الرغم من معرفته صعوبة، لا بل استحالة، هذا الأمر، ولكنه حمل حلمه في شغاف قلبه، وجاهر به أمام الأصدقاء المقربين، فمقارعة العدو الصهيوني وقتاله هو حلم كل شريف يأبى لأمته الضيم، وكلما رأى سامي غطرسة العدو الصهيوني كلما ازداد رغبةً في ذلك. وحانت الفرصة التي لم تخطر في باله يوماً، فرصة كان تفيض باللطف الإلهي الخفي، فالتقى بوفدٍ من مؤسسة الشهيد، ووفقه الله عز وجل للانضمام إلى صفوف عاملين فيها خدمةً لعوائل الشهداء والأسرى، ولم يصدق أن حلمه قد تحقق، فتخلّى مقابل التحاقه بهذا العمل عن كثير من مغريات الدنيا، فهو كان يستطيع العمل بالشهادة الجامعية التي يحملها مقابل راتبٍ جيد جداً، ولكنه كان دائماً يردد أمام رفاقه، الذين استغربوا لأمره، أن العمل الذي يقوم به "عمل مقدس..".

* شمس حياته في بسمة أبناء الشهداء:
لم يرَ أحد سامي سعيداً بالقدر الذي عاشه أثناء عمله في المؤسسة، فقد انقلبت حياته رأساً على عقب، وعمل ليل نهار، لا بل مزج حياته الشخصية بحياته العملية ليكون بذلك منقطعاً عن الدنيا بعمله، إنه لم يعد يريد أيما شيء سوى خدمة عوائل الشهداء وأبنائهم، لا بل تحولت بسمة ابن شهيد إلى شمسِ حياته التي لا تعرف الأفول. بدأ سامي العمل كمندوب تكفل في مؤسسة الشهيد، وقد شهد له القاصي والداني بقدرته الغريبة على التواصل مع الفعاليات، الذين طالما عبّروا في الجلسات التي تجمعهم عن احترامهم وتقديرهم له على الرغم من فتوته، فهو لم يبنِ معهم علاقة عملية بحتة، بل أسس علاقات اجتماعية متينة وواسعة، وكان يبادر للاتصال والتواصل الدائم، حتى وإن أوقف أحد الكفلاء كفالته، وقد عزا ذلك إلى أنه يمثل حالة وليس عمل، يمثل المقاومة وشهداءها وعوائلهم، وليس مجرد صلة وصل بين الكفلاء والمؤسسة.. وحتى بعد أن تزوج سامي - منذ حوالي السنة قبل استشهاده – لم يتغير أي شيء في توقيت عمله المستمر. كان "الأستاذ سامي" كما يناديه الجميع، يذهل من حوله بأسلوب الإقناع، وبتهذيبه ودماثة أخلاقه، فترك أثراً بالغاً في نفوس جميع من عرفه، وكان من شأن ذلك أيضاً ازدياد الأسئلة حوله وسبب ذلك الشعور الغريب والغامض الذي يكتنف المرء عند اللقاء به.

* الشهداء أصفياء الله:
تلك الأسئلة التي كثرت في اللحظات الأخيرة لحياته، ولم يكن الإجابة عنها سهلاً، فكل ما قام به في أيام حياته، كان محاطاً بهالةٍ غريبة، فالشاب الواضح جداً في الحياة، الغامض إلى حدّ كبير في العمل، أبى إلا أن يعطي الأجوبة الشافية لكل من حوله برحيلٍ مفاجئ، ليؤكد بذلك مقولة أن الشهداء أصفياء الله عز وجل في الحياة وفي لحظة الارتقاء .. تُرى.. بماذا كان يفكرُ سامي في لحظاته الأخيرة؟ لماذا منع أخاه بإصرار غريب أن يركب معه السيارة وأرسله في الباص المرافق؟! ولماذا حينما التقى برفيق له في الإفطار ضمّه وقبله كثيراً قائلاً له: "هذه آخر مرة أراك فيها.."!؟ ولماذا قبل أن يخرج من مكتبه في الشام، تسامح لأول مرة من زميله في المكتب، على الرغم من سنوات الزمالة الطويلة من دون أن يفعلها في أوقات الغياب السابقة؟! لقد رحل "الأستاذ سامي". استشهد كما تمنى في خدمة أبناء الشهداء مؤكداً بذلك أن من يطلب الشهادة بنية صادقة يرزقه الله إياها أينما كان. الأستاذ الذي علّم الأجيال بسلوكه قبل كلماته، والذي زرع في نفوس كل من عرفه الاحترام والمحبة والودّ. وكما جمع "الأستاذ سامي" في حياته الناشئة والشباب والرجال، فقد جمعهم رحيله، وكان كل يتسابق للقيام بعمل يهديه إلى روحه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع