مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قولوا للناس حُسناً

الشيخ محمّد الحْمُود


يُعدّ اللّسانُ من لطائف صنع الله تعالى ونعمه الجليلة التي منَّ الله بها على الإنسان، ليستعين به على أمور دينه ودنياه؛ فقد قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْن﴾ (البلد: 8-9). وهذا اللّسان الذي يُعدّ من أهمّ وسائل الاتّصال بالآخرين، مع صغر حجمه، هو سيفٌ ذو حدّين؛ فهو نعمة إن استُخدم في طاعة الله، ونقمةٌ إن استُخدم في معصيته.

•أعظم الشرور
وقد بلغ هذا اللّسان من الخطورة بحيث نُسبت إليه أعظمُ الشرور الدُّنيويّة والأُخرويّة؛ فقد سأل سائل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "... احفظْ لسانك، وَيْحكَ، وهل يُكِبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلّا حَصائِدُ ألسنتِهم!"(1).

ومع الأسف، فقد تساهل الكثير من الشباب في حفظ ألسنتهم من الكذب والغيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء، والتنابز بالألقاب، والفحش والسبّ والشتم والتنمُّر اللفظيّ(2)... فأطلقوا لها العِنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاتها وغوائلها، والحذر من مصائدها وحبائلها، حتّى غدت مشكلة تحتاج إلى علاج، وتوسّعت دائرتها من التواصل المباشر إلى العالم الافتراضيّ عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ، فتَوَلَّدَت بسببها الأحقاد والضغائن، وهاجت رياح العداوة والبغضاء...

•الأسباب
ثمّة أسباب كثيرة أسهمت في انتشار هذه العيوب اللسانيّة بين الشباب؛ منها: سوء التربية، واعتياد النطق بالكلمات النابية والألفاظ الهابطة منذ الصغر، والمحيط الاجتماعيّ الفاسد، واختلال العلاقات الأُسريّة في المجتمع، وانتشار الجهل والفقر، وقلّة الحياء، وضعف الوازع الدينيّ، والحسد، وحبّ الانتقام، والغرور، وحبّ الظهور بين الناس بشخصيّة متعالية، والرغبة في تحطيم مكانة الآخرين، وموافقة الجلساء ومجاملتهم فيما هم عليه من الباطل، والشعور بالدونيّة...

•العلاج
بما أنَّ شيوع هذه العيوب اللسانيّة بين الشباب يؤدّي إلى تفكّك المجتمع، وإشغال عقول الناس وقلوبهم بالخلافات والنزاعات، وملئها بالأحقاد والضغائن، والوقوع في المعاصي... فقد نفت الشريعة الإسلاميّة عن المؤمن أن يكون متّصفاً بها، كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء"(3)، ومن ثمَّ حثّته الشريعة على التحلّي بأدب الحديث، وطيب القول، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ (الأحزاب: 70)، وأنَّه ينبغي له أن يعطي صورة مثاليّة مشرّفة عن المؤمن، كما أوصانا بذلك الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول"(4)، وأكّدت الشريعة للمؤمن أنَّ نجاته في صونه لسانَه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نجاة المؤمن في حفظ لسانه"(5).

وحتّى يصون الشاب لسانه عن العيوب ويتخلّص من آفاته، ينبغي العمل بما يلي:

1- التعرّف أوّلاً على العوامل والأسباب التي أدّت به إلى ارتكاب تلك العيوب، ليقوم بمعالجتها بما هو مضادٌ لها، وليقطع بذلك الدوافع المسبّبة لها من جذورها؛ فإذا كان السبب مثلاً هو الغضب، فينبغي أن يعالج أسباب الغضب، وإن كانت المشكلة ضعف الإيمان، فيجب عليه تقوية دعائم الإيمان، وإن كان السبب موافقة الآخرين وطلب رضاهم، فعليه أن لا يطلب رضى المخلوقين بسخط الخالق، وإن كان الباعث هو الاستهزاء والسخرية، فلا بدَّ أن يعلم أنَّه كما استهزأ بغيره، فإنَّ ذلك سيؤدّي إلى استهزاء الناس به...

2- التفكّر في مساوئ اللسان وعواقبه الدنيويّة؛ كسقوطه من أعين الناس، وفي آثاره الأُخرويّة التي توجب غضب الله تعالى ودخول المسيء النار.

3- تعزيز رقابة الله تعالى في نفسه؛ فكلّ كلمةٍ مرصودةٌ في سجلّ أعماله، يسجّلها المَلَكَان في الدنيا، ويوم القيامة ينكشف الحساب والجزاء، كما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 18).

4- الالتفات إلى أنَّ اللسان هو ما سيشهد يوم القيامة على أقواله وأفعاله، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانوا يَعْمَلون﴾ (النور: 24).

5- الترويض الدائم للنفس ومجاهدتها، والعمل على خلاف رغبتها، حتّى تقلع عن هذا الفعل القبيح. فإن كان اللسان متعوّداً على الكذب، فعلى الإنسان أن يعوّدَه على الصدق، وإن كان متعوّداً على إطلاق الألفاظ القبيحة، فلْيستبــدلْها بالألفاظ الجميلة.

6- التَّفَكُّر قبل الكلام؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لسان المؤمن وراء قلبه، إذا أراد أن يتكلّم يتدبّر الكلام، فإذا كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، والمنافق قلبه وراء لسانه، يتكلّم بما أتى على لسانه، ولا يبالي ما عليه ممَّا له، وإنّ أكثر خطايا ابن آدم من لسانه"(6).

7- التزام الصمت؛ كما قال النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان مؤمناً بالله فليقل خيراً أو ليصمت"(7)، وقد نُسِب إلى الإمام الصادق عليه السلام هذا البيت من الشعر(8):
عَوِّدْ لِسانَكَ قَولَ الخَيرِ تَحْظَ بِهِ
إنَّ اللِّسانَ لِما عَوَّدْتَ مُعتادُ

8- ذكر الله؛ فاللسان آلة ذكر الله، وعلى الإنسان أن يستغلّ لسانه بذكر الله، كما جاء الأمر في الذِّكر الحكيم؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ (الأحزاب: 41).

9- قول الخير دائماً؛ كما قال تعالى في ذلك: ﴿وَقُل لِّعِبَادِيْ يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (الإسراء: 53).

10- ستر عيوب الآخرين؛ فالأصل في الشريعة الإسلاميّة هو ستر العيوب، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 19)، وكذلك روي عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنَّه قال: "لو وجدتُ مؤمناً على فاحشةٍ لسترته بثوبي"(9).

11- مجالســـة الأخيار ومصاحبـــة الصالحين؛ فإنَّ مَن جالَسَ الأخيار أعانــــوه على طريق الخيــر، يشجّعونه إذا أحســـــن، وينصحونه إذا أخطأ، وينبّهونه إذا غفل، ويذكّرونه إذا نسي، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الرجل على دين خليله وقرينه"(10).

•استقامة القلب
وفي هذا المقام، لا بدَّ من التأكيد على أنَّ ثمّة علاقة ترابطيّة وثيقة بين اللسان والقلب؛ فاللسان من أشدِّ الجوارح تأثيراً في القلب وصحّته ومرضه؛ ولذا، كانت استقامة اللسان مُفضية إلى استقامة القلب، والمُفضيَة بدورها إلى استقامة الإيمان، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقيّ الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم، فلْيفعلْ"(11).

•من وصايا الإمام الخمينيّ قدس سره
وخير الختام مع الإمام الخمينيّ قدس سره في وصيّته للسيّدة فاطمة الطباطبائيّ زوجة ابنه السيّد أحمد رحمه الله: "لا بدّ من أن أُشير إلى بعض آفات اللسان، هذا العضو الأحمر الصغير الذي يمكنه أن يُحيل مروج الخضرة غثاءً أحوى؛ فاللسان إن أصبح مطيّة الشيطان وآلة بيديه، أفسد الروح والفؤاد.

لذا أقول: بُنيّة! إيّاكِ والغفلة عن عدوّ الإنسانيّة والفضيلة الخطير هذا، وحينما تكونين في جلسات أُنس مع صديقاتك، ابذلي وسعك في عدّ الخطايا الكبيرة لهذا العضو الصغير وتأمّلي فيما يفعله وما يجرّه من المصائب خلال ساعة واحدة من عمرك كان حريّاً إنفاقها لكسب رضى الحبيب"(12).


1.الكافي، الكليني، ج2، ص115.
2.كالتلفُّظ بألفاظ مُهينة للشخص الآخر، أو مناداته بأسماء سيّئة لا يُحبّذُها الشخص ولا يحبُّها، والسخرية منه، وتهديده، أو المزاح الثقيل المتكرّر معه، مع سوء النيّة واستمراره، على الرغم من ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطرف الآخر.
3.كنز العمّال، المتّقي الهنديّ، ج1، ص146.
4.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج12، ص194.
5.الكافي، (م.س)، ج2، ص114.
6.إرشاد القلوب، الديلميّ، ج1، ص103.
7.صحيح البخاري، ص79.
8.الخصال، الصدوق، ج75، ص192.
9.دعائم الإسلام، النعمان المغربيّ، ج2، ص446.
10.الكافي، (م.س)، ج2، ص 375.
11.نهج البلاغة، ج2، ص 94.
12.مقطع من رسالة عرفانيّة من الإمام الخمينيّ قدس سره للسيّدة فاطمة الطباطبائيّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع