إعداد: هبة جمعة
أصبحت المسألة البيئيّة في العالم وفي بلادنا الحديث الشّاغل للنّاس. فتغيُّر المناخ العالمي وانتقال مناطق الأمطار والتصحُّر المتصاعد واتّساع ثقب الأوزون وغيره من المشاكل البيئية، باتت مسائل شديدة الخطورة، وصارت تدق جرس الإنذار نظراً للمخاطر الناجمة عنها والتي تتهدد الإنسان والبيئة، يوماً بعد يوم.\ أما أكثر ما يستلزم الوقوف عنده ملياً فهو انعكاس أضرار التّلوث البيئي على الإنسان، وخصوصاً على فئة الأطفال، الأكثر عُرضة لهذه المخاطر، ولا سيّما أنّ تلوّث البيئة اتخذ أشكالاً مخيفة في العقود الأخيرة ووصل إلى الإنسان ذاته، المسبّب الرّئيس لهذه الكوارث البيئيّة.
• الأمراض البيئية وآثارها
تشير الإحصاءات إلى أنّ ربع الأمراض في العالم يعود إلى تدهور الأوضاع البيئيّة. وأكثر آثارها السلبيّة هي تلك الأضرار التي تظهر على الجلد والعيون والجهاز التنفسي، وذلك نظراً لتعرّضها المباشر للملوّثات, بالإضافة إلى الحساسيّة العالية لأنسجة هذه الأعضاء تجاه المتغيّرات السلبية في الوسط المحيط بالكائن الحي. ويزيد الأمر سوءاً ما يسببه التلوّث من أمراض شديدة الخطورة كالملاريا والإسهال وأشكال السرطان المستفحلة. وقد أفاد تقرير أصدرته منظّمة الصّحّة العالمية في شباط 2005 أنّه يوجد في العالم أكثر من 600 مليون طفل دون الخامسة من العمر, يشكّلون نحو عشر سكان العالم يموت منهم سنوياً أكثر من ثلاثة ملايين لأسباب وأوضاع لها علاقة بالبيئة. كما يربط العلماء تزايد وتجدّد بعض الأمراض بتغيّرات في البيئة تجتاح الأرض, إذ اعتبروا أنّ 25 % من الأمراض التي يمكن تحاشيها في العالم يعود إلى سوء الأوضاع البيئية.
• خطر الموت
يسبب سوء الأوضاع البيئية حالات من الوفيات يرجع بعضها إلى:
1ـ تلوث الهواء داخل المنازل من خلال التدفئة وما يسببه حرق الحطب أو أشكال أخرى من الوقود. وقد ينتج عن ذلك قتل لنحو مليون طفل سنوياً, غالباً نتيجة أمراض رئوية حادة. ومن الملوثات الخطرة الأخرى، للهواء الداخلي، دخان التبغ والكائنات الدقيقة التي يحملها الهواء.
2ـ الملاريا التي قد تتفاقم نتيجة سوء إدارة المياه والعيش في مساكن غير صحية والتي تقتل سنوياً مليون طفل في العالم. تجدر الإشارة إلى أن التعرّض لأخطار بيئيّة يبدأ حتى قبل الولادة. فالرصاص في الهواء والزئبق في الطعام وبعض المواد الكيميائية الأخرى يمكن أن تسبب آثاراً مرضيّة طويلة الأجل ومستعصية أحياناً, مثل العقم، والإجهاض والعيوب الخلقية.
• أطفالنا في خطر
أكثر من 75000 مادة كيميائية موجودة في هوائنا ومائنا وطعامنا وأدواتنا وكل ما نتداوله يومياً. ولكثير منها آثار خطيرة على صحتنا الجسديّة والذهنيّة والنفسيّة. والأطفال هم الفئة الأكثر تأثراً وعرضة لهذه المخاطر. وقد تداخلت الأسباب البيئية في أمراض أصابت شريحة كبيرة من الأطفال. فتطورت أمراض الطفولة مع الزمن، من أوبئة مثل الحمى القرمزيّة والجدري والحصبة إلى حالات مزمنة مثل السرطان والربو والاضطرابات الهرمونية والاعتلال العصبي. يستهلك الأطفال طعاماً أكثر من البالغين ويشربون ماءً أكثر, ويستنشقون هواءً أكثر, قياساً إلى وزنهم وحجمهم، وتعرّضهم في طبيعة سلوكهم لأمراض التلوّث، فهم يلعبون على الأرض حيث تتكاثر الملوثات وبقايا المواد الضارة, ويضعون أيديهم في أفواههم وهذا ما يجعلهم عرضة لمخاطر التلوث الذي يحيط بهم من كل جانب، أكثر من غيرهم من الفئات العمرية.
• أمراض تتفاقم
وفي ما يأتي أمراض ازدادت الإصابة بها نتيجة مسببات عديدة للتلوث البيئي:
1ـ الربو وأمراض الرئة:
يصيب داء الربو نحو خمسة ملايين طفل تقل أعمارهم عن 18 سنة, وتفيد مراكز مكافحة الأمراض (CDC) أن الوفيات التي يسببها لدى الأطفال تتضاعف باستمرار. ولأن النشاط الخليوي (metabolism) أكبر لدى الأطفال، فهم يحتاجون إلى كمية أكبر من الأوكسجين قياساً إلى حجمهم ووزنهم، لذلك يتنفسون أسرع ويستنشقون مزيداً من الملوثات لكل كيلوغرام من وزنهم.
2ـ السرطان:
يفيد المعهد الوطني للسرطان أن الأسباب البيئية قد تكون مسؤولة عن أكثر من نصف إصابات السرطان. وقد ازدادت حالات السرطان التي تصيب أدمغة الأطفال أجهزتهم العصبية بنسبة 26 %. وتعود أسباب كون الأطفال هم أكثر الفئات تأثراً إلى عوامل ثلاثة:
أولاً: عدم اكتمال أجهزتهم الحيوية, فهم يمرون في مراحل من النمو السريع.
ثانياً: الأطفال هم الأقل قدرة على حماية أنفسهم.
ثالثاً: فضولهم الطبيعي يعرّضهم لمخاطر يتجنّبها البالغون.
• تدابير وقائية
طرحت منظمة الصحة العالمية في يوم الصحة العالمي بعض التدابير الوقائية التي نصح بها الأهل لحماية أطفالهم من بعض الأمراض:
أولاً: قبل الحمل
يمكن للمرأة أن توفّر بيئة صحيّة لنموّ طفلها حتى قبل أن يولد. على سبيل المثال، تناول حمض الفوليك قبل الحمل الذي يمكن أن يمنع اختلالات الأنبوب العصبي التي تصيب الأجنّة خلال الأسابيع القليلة الأولى من الحمل, وتظهر في الأطفال لاحقاً على شكل تشوّهات وتخلّفات ذهنيّة أو عصبيّة.
ثانياً: الغذاء الصحي
تساهم نواقص الغذاء في تفاقم التلوث الكيميائي لدى الأطفال. فنقص الكالسيوم مثلاً يشجّع على تراكم الرّصاص في القناة الهضميّة والعظام والدّماغ والكليتين. ومعظم الأطفال الّذين تتراوح أعمارهم ما بين أربع وثماني سنوات يستهلكون كمية غير كافية من الكالسيوم, وعندما يتعرضون للمواد الكيميائية في البيئة يعانون غالباً من فقر الدم وانخفاض حاصل الذكاء (IQ) وصعوبات في التعلّم, ونزعة إلى العنف. لذا، على الأم تنويع أطعمة أطفالها..
ثالثاً: منزل غير ملوث
علاوة على تناول أطعمة أفضل، يمكن للأهل الحرص على منزل صحي تقلّ فيه السّموم والملوثّات. فالمبيدات الموجودة في المنازل هي غالباً في متناول الأطفال. وهنا تجدر الإشارة إلى أن 34 مادة كيميائية هي الأكثر استعمالاً لرش المزروعات المنزلية والعشب, منها 11 مادة تسبب السرطان, 20 مادة تسبب تسمُّماً للجهاز العصبي, و9 مواد تحدث عيوباً خلقية، و30 تهيج الجلد.
يعتبر اليوم الموضوع البيئي - وبناءً على كلّ ما تقدّم - من أبرز وأخطر القضايا المطروحة على السّاحة المحلّية والعالميّة, ولأن خطورتها في تفاقم مستمر لذلك فهي تستدعي إيجاد حلول سريعة وخططاً مدروسة للحدّ ولو بنسبة قليلة من التأثيرات على صحّة الفرد وعلى سائر الكائنات الحية.