مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاركات القراء: الشافي

بسام الطعان*

 



وجد (ياسر) نفسه فريسة سهلة لمرض غامض ومحبط, مرض زرع الخوف والأنين في جسده, يريد أن يهوي عليه كشفرة المقصلة ويزيله من جغرافيا الحياة. لم يأتِ وحده, وإنما جاء معه اكتئاب شديد دخل في جسده كالسهم, وشق روحه التي سرقها من قبل الشحوب الرمادي الداهم. كانت زوجته تجلس إلى جانبه, تواسيه, تشجّعه على النّهوض من الفراش, وكان ذلك شبيهاً بتدفّق كابوس مرعب بالنسبة لها. حاولت أن تطرد المشهد الخرائبي وقالت له:

ـ تزوّد بقدر من بأس يا ياسر واذهب إلى الطّبيب.. إنّ الألم صعلوك أمام الإرادة. عاد إلى البيت وقطيع من الأوهام يتسمّر عند حافة عقله, والموت كأنّه يراه, ويحسّه, موجوداً معه, ونفسه كعادتها منطوية ومستسلمة للحزن والخمول. في كل يوم يمرّ, تغرق الأشياء حول ياسر في لونٍ رمادي, تسكُنه الوحشة, يجري الإحباط في شرايينه, بينما زوجته تنظر إلى وجوده الذابل وتحاول ما بوسعها التّخفيف عنه. استشف في نظراتها التي حاولت أن تلملمها بعيداً عنه حزناً عميقاً, فقال لها:

ـ أتمنى أن أفعل ذلك لكنني لا أستطيع. رفعت رأسها, استغاثت بالله جل جلاله وأجهشت بحرقة والتياع. دموعها مستديرة صافية, وكل قطرة تقيم في نفسها القلق, وتجعل الحزن يشحذ شـفرته ويغرزها دون رحمة في ثناياها, كيف لا وقد أصبح قلبها مسكناً جميلاً له. ذات يوم دافئ, نهض قبل أن ينهض الصبح من نومه, مضغ تعاســته كعلكة بائرة, أسند رأسه إلى مسند السرير وهو يشعر بالشيخوخة تدب في كل أنحاء جسده, حاول أن يتذكّر كلّ تفاصيل الحلم, لكنّه لم يستطع أن يتذكّر إلّا جملة واحدة سمعها في الحلم:

"إنّه الشافي".
تاه في دروب الحلم الوعرة, وفي النهاية قال لنفسه: "هل آن الأوان أم ما زالت في الرّوح بقية؟ مرّت أيام أخرى, وظلّت الجملة تعلو قلعة انكساره, همسـت في داخله المخاوف, وطافت به الأوهام من جديد, الأسى واللّوعة, الخوف والشّجاعة, الوعي واللّاوعي, لمعت في ذهنه فكرة دفعته من السّرير دفعاً, وهدّأت خواطره المتكدرّة, أعلن بدء انتحار الخوف والصمت, وبدء نموّ زهور التحدي. لملم بعضه ليطفو على قمة الصحة, ويسمو نحو الخلاص, خرج مع بؤسه وهزاله, احتسى غبش الفجر وطارد غزلان الخلاص, وبشيء من صبر أيوب, سار على الرصيف المغسول بمطر الصباح المبكر الذي أعادته المدينة, الألم يملأ الفم والخاصرة ولا يهتم, فقد قرّر البحث عن الشـّافي بعدما ضاق ذرعاً بحياة الاكتئاب والعقاقير والظلام. وصل إلى المسجد وأسند ظهره إلى الحائط, تنفس الصعداء, ثم دخل بخطوات بطيئة, توضأ, وأمام القبلة صلى ركعتي استخارة, توسل لله عز وجل أن يبعث له الدواء والشّفاء. خرج من المسجد, وفجأة تناثرت الكآبة ومعها التَّعاسة والوجع والخمولُ حطاماً, وأحسَّ أنَّ قلبه قد أصبح سماء خضراء لا تتَّسـع لورقة صفراء, وأنَّ الحياة تفجرت في عروقه في أروع شكل لها. اتجه صوب بيته شـاهراً فرحته, وأمام الباب, سمع صوت الحياة تنشد ألحانها في أعضائه, فتح الباب, وعندما رأته يتأبط الفرح والراحة, وعلى شفتيه تلك الابتسامة الغائبة, بهتت زوجته وهتفت بصوت ضاحك:

ـ ما شاء الله يا ياسر, أرى الصّحّة تتلألأ على وجهك!
جلس أمام النافذة وهو يستمع في نشوة إلى رفيف الأجنحة. عصر رحيق الشمس بين يديه ومنح نفسه قطرة ضوء اشتاقت لها, طلب الطعام الذي هجره طويلاً بفرح طفولي:
ـ تخلّصي يا زوجتي من كل تلك الأدوية, لقد اهتديت إلى الشافي.


* كاتب من سوريا

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع