إيفا علويّة ناصر الدين
كم هو عمرك يا أبا إبراهيم؟
نزل سؤالي على جارنا كصاعقة أًصابت عميقاً في صميم وجدانه خلال حديث جمعنا حول الفرق بين جيل اليوم والأمس في طرق التفكير والتدبير والسلوك وأساليب الحياة، حيث أفاض أبو إبراهيم بما تكتنز به جعبته من آراء ووجهات نظر منتقدة ومؤيدة، وبما يعتصر في قلبه من حنين إلى روعة أيام مضت كانت فيها الحياة أجمل بكثير مما هي عليه اليوم.
لم أكن أتوقع أن يُحدث سؤالي هذه الصدمة التي أوقفت استرسال أبي إبراهيم في الكلام بمتعة وحماسة كبرى، فقد انقلب حاله فجأة، فتململ في مقعده، وشرد برهة، ثم عاد إليَّ بتركيز، راسماً على شفتيه ابتسامة خفيفة يستدرك بها حراجة الموقف الذي وقع فيه مطلقاً رشق كلماته بنبرة متذبذبة وملامح متموجة بين التبسم والوجوم قائلاً: بصراحة لا أعرف عمري بالتحديد.. لكن انتظري قليلاً.. ثم بدأ كطفل صغير يحسب ويعد على أصابعه حتى خرج بالنتيجة المؤكدة: خمس وستون عاماً.
هنا تغيّر حال أبي إبراهيم جهراً وعلانية فلم يعد يُعير اهتماماً لإخفاء علامات المفاجأة والاستغراب التي لوّنت وجهه في مواجهة الحقيقة التي كانت غائبة عن البال والتي أعادت له الحماسة للاسترسال في الكلام من جديد، للتعبير عن المشاعر المستجدة قائلاً وهو يطأطئ رأسه بحسرة بدت واضحة في عينيه المغرورقتين: ياه، خمس وستون عاماً، أعشتُ أنا كل هذه السنوات؟ لم أشعر بها حقاً! لم أكن أتصور أنني قطعت هذا الشوط من السنوات التي مضت كلمح البصر، الحق معهم عندما يقولون: العمر غفلة.