مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عثمان بن سعيد العمري: الثقة المأمون

الشيخ أمين ترمس


عرف في الروايات، بالسمّان، وقيل إنه كان يتّجر بالسّمن تغطيةً على الأمر، فكان "الشِيعةُ إذا حَملوا إلى أبي مُحَمَّد عليه السلام (العَسْكري) ما يجِب عليهم حمله من الأموال أنفَذُوا إلى أبي عمرو (عثمان بن سعيد) فيجعله في جِراب السمنِ وزِقاقِه ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقيةً وخوفاً"1.

*السفير الأول

هو عثمان بن سعيد بن عمرو الأسدي العمري العسكري السمّان أو الزيّات، ويقال إنّ نسبه ينتهي إلى الصحابي الجليل عمّار بن ياسر (رضي الله عنه). وكنيته: أبو عمرو.

والأسَدِي نسبةً إلى بني أسَد القبيلة العربية المعروفة. أما العَمْري فنسبةً إلى جده عَمْرو. والعَسْكَري نسبةً إلى محِلَة "العَسْكر" في مدينة سامرّاء حيث سكنها مدة من الزمن.

والسمّان أو الزيّات نسبة إلى مهنته التي كان يعمل بها تغطيةً على أمره وإنجاحاً لمهمّته.

ولمْ تَذكرِ المصادرُ تاريخَ ولادتِه، ولا مكانَها، ولكن الأقوى أن يكون قد عاش لسنوات في مدينة سامراء، فإنّه كان وكيلاً وملازماً للإمام علي الهادي عليه السلام، الذي دخل سامراء قسْراً بأمر من المتوكّل العباسي سنة 243هـ، كما نصّ على ذلك الشيخُ المفيد2.

بقي العَمْري إلى جانب الإمام الهادي عليه السلام، وفي خدمته إلى سنة استشهاده عليه السلام عام 254هـ. ثمَّ لازم الإمامَ الحسن العسكري عليه السلام، وكان وكيلَه أيضاً.

سكَن َالعمري في ذلك الحين بغدادَ، وكان الواسطةَ بين الإمامِ - الذي كان تحت الإقامة الجبرية - في سامرّاء وبين شيعته، فكان ينقل إلى الإمام المسائلَ الشرعيةَ والأموالَ ويرجعُ بالأجوبة إلى أصحابها.

نال هذا الصحابي الجليل شرفَ خدمةِ ثلاثةٍ من الأئمةِ المعصومين عليهم السلام وهذا أمرٌ لا يُوفّق له إلا ذو حظّ عظيم.

*منزلته عند الأئمة عليهم السلام

ممّا لا شك فيه أن أبا عمرو عثمانَ بن سعيدٍ كان على جانبٍ كبيرٍ من العلمِ والمعرفةِ والدرايةِ بأمورِ الحياةِ، والإخلاصِ للهِ ولرسولِه ولأئمةِ الحقِ عليهم جميعاً أفضلُ الصلاةِ والسلام.

ولذا، نال عنايةً خاصّةً من قِبَل الأئمةِ عليهم السلام؛ فقد جعله الإمامُ الهادي عليه السلام وكيلَه الخاص وثقتَه المأمونَ على الدينِ والدنيا، وكذلك فَعَلَ الإمامان الحسنُ العسكريُّ وولدُه الإمامُ المهدي عليهما السلام.

ومما رُوِي في ذلك، ورد في كتاب غَيبَة الطوسي، بإسناده عن أحمد بن إسحاق القمي قال: "دخلتُ على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي أنا أغيبُ وأشهدُ، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدتُ في كل وقتٍ، فقولَ من نَقبل، وأمرَ من نمتثلُ؟ فقالَ لي عليه السلام: هذا أبو عمرو الثقةُ الأمينُ ما قالَه لكم، فعنِّي يقول، وما أدّاهُ إليكم، فعنِّي يؤدّي، فلمّا مضَى أبو الحسن عليه السلام وصلتُ إلى أبي محمد ابنِه الحسنِ العسكري عليه السلام ذاتَ يومٍ فقلتُ له عليه السلام مثلَ قولي لأبيه فقالَ لي: هذا أبو عمرو الثقةُ الأمينُ، ثقةُ الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أداه إليكم فعنّي يؤدّيه"3.

* الوكيل والثقة المأمون

ورَوى محمدُ بنُ إسماعيلَ، وعليُّ بنُ عبدِ الله الحسنيان قالا: "دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسرّ من رأى، وبين يديه جماعةٌ من أوليائه وشيعتِه حتى دخلَ عليه "بدرٌ" خادمُه، فقال: يا مولاي بالباب قوم شعثٌ غُبْرٌ، فقال لهم: هؤلاء نفَرٌ من شيعتنا باليمن... إلى أن قال الإمامُ الحسن عليه السلام لبدرٍ: فامض فائتنا بعثمانَ بن سعيدِ العمري، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخلَ عثمانُ، فقال له سيدُنا أبو محمد عليه السلام: امضِ يا عثمانُ، فإنك الوكيلُ والثقة المأمونُ على مالِ الله، واقبض من هؤلاء النفرِ اليمنيينَ ما حملوه من مال... ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا – والله - إن عثمانَ لمن خيارِ شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعهِ من خدمتِك، وإنه وكيلُك وثقتُك على مالِ الله تعالى، قال: نعم، واشهدوا على أن عثمانَ بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيلُ ابني، مهديكم"4.

ومما كتبه الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلى إسحاقَ بنِ إسماعيلَ النيسابوري: "... فلا تخرجنّ من البلدة حتى تلْقَى العمريّ رضيَ الله عنه برضاي عنه وتسلِّم عليه وتعرفُه ويعرِفُك، فإنه الطاهرُ الأمينُ العفيفُ القريبُ منّا وإلينا، فكلُ ما يُحمَل إلينا من شيء من النواحي، فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا"5.

* اسمع له وأطع

وروى ثقة الإسلام الكليني بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: "اجْتَمَعْتُ أَنَا والشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو (عثمان بن سعيد) رَحِمَه اللَّه عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَه عَنِ الْخَلَفِ فَقُلْتُ لَه: يَا أَبَا عَمْرٍو إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ، ومَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْه، فَإِنَّ اعْتِقَادِي ودِينِي أَنَّ الأَرْضَ لا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلا إِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رُفِعَتِ الْحُجَّةُ وأُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً، فَأُولَئِكَ أَشْرَارٌ مِنْ خَلْقِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وهُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ. ولَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً، وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام سَأَلَ رَبَّه عَزَّ وجَلَّ أَنْ يُرِيَه كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى ﴿قَالَ أولَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وقَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُه، وقُلْتُ: مَنْ أُعَامِلُ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ وقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ لَه: الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي، ومَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ فَاسْمَعْ لَه وأَطِعْ، فَإِنَّه الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ. وأَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّه سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ لَه: الْعَمْرِيُّ وابْنُه ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، ومَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وأَطِعْهُمَا. فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ، فَهَذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا فِيكَ، قَالَ: فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وبَكَى، ثُمَّ قَالَ: سَلْ حَاجَتَكَ. فَقُلْتُ لَه: أَنْتَ رَأَيْتَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام؟ فَقَالَ: إِي واللَّه ورَقَبَتُه مِثْلُ ذَا، وأَوْمَأَ بِيَدِه. فَقُلْتُ لَه: فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ لِي: هَاتِ، قُلْتُ: فَالاسْمُ؟ قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، ولا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ ولا أُحَرِّمَ ولَكِنْه عَنْه عليه السلام. فَإِنَّ الأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ مَضَى ولَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً، وقَسَّمَ مِيرَاثَه وأَخَذَه مَنْ لا حَقَّ لَه فِيه، وهُوَ ذَا عِيَالُه يَجُولُونَ لَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ أَوْ يُنِيلَهُمْ شَيْئاً، وإِذَا وَقَعَ الاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ، فَاتَّقُوا اللَّه وأَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ"6.

وما كل هذا المدح والتأكيد على وثاقة العمري وأمانته من قبل الأئمة عليهم السلام إلا لما ناله من دور مهم في زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام، لأنّ الكثير من النّاس أخفي عنهم أمرُ ولادته عليه السلام، ولم يطّلعوا على غيبته، فكانت الأرضيّة مهيّأة لنشر الشّكوك وبثّ الشبهات وإبعاد عامة النّاس عن خطّ ولاية الأئمة عليهم السلام.

من هنا كان لعثمان بن سعيد العمري الدور الكبير والمهام الخطيرة في إزالة الشكوك وردّ الشبهات. ولولا أنّ لكلامه وقعاً خاصاً على قلوب الموالين وعقولهم لما استطاع أن ينجح في أداء مهامه وإيصال الأمانة إلى أهلها.

*تألّم الإمام لفقده

وعندما توفي عثمان بن سعيد العمري حزن عليه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتألّم لفقده، ورثاه رثاءً جميلاً، وقال في حقه كلماتٍ لا تقلّ شأناً عمّا قيل فيه في حال حياته من المدح والثناء الجميل، فقد أخرج الشيخ الصدوق بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه خرج التوقيع إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري في التعزية بأبيه (رضي الله عنهما) في فصلٍ من الكتاب: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاءً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته"7.

وفي فصل آخر: "أجزل الله لك الثوابَ وأحسنَ لك العزاء، رُزئت ورُزئنا وأوحشك فراقُه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله عزّ وجل ولداً مثلَك يخلِفه من بعده، ويقوم مقامَه بأمره، ويترّحم عليه، وأقول: الحمد لله، فإن الأنفس طيبةٌ بمكانك وما جعله الله عزّ وجلّ فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك وعضدَك ووفّقَك، وكان الله لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً".

*في مدينة السلام مرقده

دُفن (رضوان الله عليه) في مدينة السلام في بغداد بجانب الرصافة قرب نهر دجلة بالجانب الغربي من سوق الميدان قبالة المسجد المعروف قديماً بمسجد الدرب. وفي هذه الأيام، مرقده مقابل مسجد السليمانية، إلى جانب متحف البريد. وعلى مرقده قبةٌ كبيرة جميلة، ومن الداخل أكثر جمالاً، وعلى قبره قفص خشبيّ مرصعٌ ومرقده يزار من المحبين والموالين لآل بيت العصمة عليهم السلام. وكانت وفاته سنة 265هـ بعد تولّيه السّفارة للإمام الحجة بما يقرب من خمس سنين.


1- الغيبة، الطوسي، ص354.
2- الإرشاد، المفيد، ج2، ص310.
3- م.ن، ص355.
4- م.ن، ص356.
5- اختيار معرفة الرّجال، الطوسي، ج2، ص848.
6- الكافي، الكليني، ج2، ص127.
7- كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص510.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع