تقع بلجيكا على حافة المحيط الأطلسي، يحيط بها: هولندا من الشمال، وألمانيا من الشرق، وفرنسا من الجنوب والجنوب الغربي، أما شاطئها البحري من جهة الغرب فقصير نسبياً. تبلغ مساحة بلجيكا حوالي 31 ألف كلم2 يعيش عليها عشرة ملايين موزعون على طوائف وأديان قليلة.
وبلجيكا هي مقر الحلف الأطلسي (حلف الناتو) ويقع فيها مركز السوق الأوروبية المشتركة. كما أن أهم منابع الدخل القومي فيها صناعة الألماس وعليها يعتمد الاقتصاد الوطني إضافة إلى اعتماده على المصارف المالية. إن وجود هذه المقومات في بلجيكا أدى إلى أن يولي الاستكبار العالمي والصهيونية اهتماماً أكبر بهذا البلد. فقد أنشأت الولايات المتحدة أهم المراكز التجارية فيه بعد أن مدّتها برؤوس الأموال الهائلة بحيث أصبحت أكثر الشركات البلجيكية تابعة لها. هذا وقد كانت (ولا زالت) الولايات المتحدة تستفيد من الموقع الإستراتيجي الذي جعل بلجيكا قريبة ممّا كان يسمى بالاتحاد السوفياتي، ولذلك فقد حملت أرضها أعداداً كبيرة من الصواريخ الموجّهة نحوه. بالإضافة إلى هذا التغلغل الأمريكي فقد استغل الصهاينة نفوذهم للاستيلاء وبشكل مطلق على مصانع الألماس في بلجيكا.
إن هذا الواقع الذي يجعل الاقتصاد البلجيكي تابع بصورة مطلقة للاستكبار العالمي وللصهيونية أدى إلى أن تخضع السياسة البلجيكية أيضاً لهذه التبعيّة.
* المسلمون في بلجيكا
يشكل المسلمون في بلجيكا حوالي خمسة في المئة من مجموع السكان وبذلك يبلغ عددهم نصف مليون مسلم تقريباً. بدأت هجرة المسلمين الفعلية إلى بلجيكا في أواخر الستينات سعياً وراء ظروف معيشية أفضل، وهم موزّعون بين مغربيّ وتونسيّ وباكستاني وأندونيسي، إضافة إلى بعض الجاليات الصغيرة.
هذا التواجد القليل للمسلمين في بلجيكا دعا ملك السعودية فيصل في زيارة قام بها للبلد عام 1975 إلى تأسيس مركز إسلامي (وهابي) يعنى بشؤون المسلمين هناك. وفي واقع الأمر عمل هذا المركز على نشر الأفكار الوهابية بين مجموع المسلمين من جهة ومن جهة أخرى ساهم في مساعدة الاستكبار في حربه العالمية ضد الإسلام والمسلمين.
إثر عام 1980 (عام انتصار الثورة الإسلامية في إيران) شعرت الدولة بما يشبه نمو الحس الإسلامي بين جموع المسلمون عندها وهو ما يشكل خطراً عليها. لذلك فقد عمدت الدولة إلى قطع باب هجرة العرب إليها، كما أنها فرضت على المسلمين العرب في أرضها إمّا القبول بالجنسيّة البلجيكية والانصهار في مجتمعها أو مغادرة البلاد. وعلى أثر ذلك تعرض المسلمون لضغوط شديدة تجبرهم على القبول بأحد هذين الخيارين وقد قاد حملة هذه الضغوط وزير العدل البلجيكي (اليهودي المذهب والصهيوني الإنتماء) جون كول.
في عام 1986 وإثر الغارة الأمريكية على ليبيا قام المسلمون في بلجيكا بتظاهرة استنكارية هتفت للإسلام وطالبت بالاقتصاص من القتلة. وقد علّق جون كول على هذه المظاهرة بقوله: "إنّ وجود المتعصّبين في بلادنا يدعو إلى اتخاذ إجراءات معينة وإلى مزيد من اليقظة"، وقد تعهّد بضرب ما أسماه: "العناصر المتطرفة بين جاليات المهاجرين". وقد قام بعد كلامه هذا بطرد ثلاثة من المسلمين إلى خارج البلاد بتهمة التعصب. وقد كان هذا التاريخ فاتحة عهد الاعتقالات والتنكيل والملاحقة التي يتعرض لها المسلمون.
ففي نفس العام (1986) عقدت ندوة صهيونية خاصة في العاصمة البلجيكية بروكسل، خصصت لدراسة الإسلام ودور المسلمين في ذلك البلد. على أثر هذه الندوة أمر جون كول بتشكيل لجنة للتحقيق حول نشاطات الجمعيات والمنظّمات الإسلامية المتواجدة في بلجيكا، وكشف مدى تعاونهم مع المسلمين في الخارج ومدى تفاعلهم مع الثورة الإسلامية في إيران. وقد ساهم المركز الإسلامي الوهابي في دور فعّال لإفادة هذه الندوة بالمعلومات المطلوبة، فقد قام المركز إثر هذه الندوة بتوزيع استمارات على المعلمين والأساتذة المسلمين، اشتملت على أسئلة تتعلق بانتماءاتهم الدينية وارتباطاتهم وتوجّهاتهم، هذه الاستمارات حُوِّلت مباشرة إلى أجهزة المخابرات البلجيكية.
وفي 19/5/1986 صرح عبد الله الإهدل، مدير المركز الوهابي للتلفزيون البلجيكي بحديث تحامل فيه على المسلمين في بلجيكا واستنكر مشاركتهم في مظاهرة الاستنكار ضد العدوان الأمريكي على ليبيا بقوله: "إنني نصحت المسلمين أن لا يشاركوا في هذه المظاهرة لأن ذلك ليس من الإسلام في شيء". هذا وقد وعد بمخالفته لما أسماهم المتعصبين والمتزمّتين.
بالإضافة إلى هذا التحامل الإستكباري الصهيوني الوهابي على مسلمي بلجيكا، فإن الدولة نفسها بالرغم من وجود قوانين يظهر منها أنها تسمح بالحريات الدينية إلاّ أن ما يمارس بحق المسلمين أمر آخر. ففي بلجيكا مثلاً قانون عام يلزم إدارة كل مدرسة بتعيين أساتذة متوافقين في معتقداتهم مع معتقد الطلاب، ففي مدارس المسيحيين ينبغي أن تدرس الديانة المسيحية وبواسطة أستاذ مسيحي، وفي المدارس العلمانية يكون أساتذتها علمانيين وهكذا، غير أن ما يمارس في أغلب المدارس الإسلامية شيء آخر، فمعظم المدارس الإسلامية تفتقد إلى أساتذة مبلّغين، وهم في حال تواجدهم فإنهم يعيّنوا من قبل المركز الوهابي. وفي سؤال وُجِّه إلى أحد مدراء المدارس عن سبب رفضه تعيين مدرس يعلم الديانة الإسلامية،أجاب بقوله: "لأن تدريس مبادئء الإسلام يؤدي إلى عرقلة عملية انصهار المسلمين في المجتمع البلجيكي".
إضافة إلى هذا الأمر فإن الأساتذة والطلاب المسلمين ممنوعون من التكلم في المدارس باللغة العربية، وفي حال مخالفة هذا القانون فإنهم معرضون للطرد، هذا ولا يسمح للمسلمين في المدارس أن يتطرقوا للقضايا السياسية.