السيد ربيع أبو الحسن
شعبان شهرٌ عظيمٌ وشريف، وكفاه شرفاً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد اختاره لنفسه الشريفة، ودعا لمن أعانه فيه على طاعة الله وعبادته. فلنساعده صلى الله عليه وآله على شهره لنكون ممن تشرّف بدعائه المبارك. يتميّز هذا الشهر بمناسباتٍ إسلاميةٍ عديدة، أبرزها ولادة الأطهار الأربعة: الإمام الحسين وأبي الفضل العباس والإمام زين العابدين والإمام الحجة عجل الله فرجه.
* فضله
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في فضله:" شهر شريف وهو شهري وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه... وإنّما سمّي شعبان لأنه يتشعّب فيه أرزاق المؤمنين، وهو شهر العمل فيه مضاعف... والجبار جلّ جلاله يباهي فيه بعباده وينظر إلى صوّامه وقوّامه، فيباهي بهم حملة العرش..."(1). وعن الصوم فيه، قال صلى الله عليه وآله: "من صام أول يوم من شعبان كتب الله له عزّ وجلّ سبعين حسنة الحسنة تعدل عبادة سنة، ومن صام يومين.. إلخ" (2) حتى ذكر ثواب من صام الثلاثين يوماً من هذا الشهر الفضيل.
* المناجاة الشعبانية
هي غاية في الأهمية. وقد ورد في الروايات أنّ الأئمة جميعاً عليهم السلام كانوا يناجون الله بها في هذا الشهر. يقول الإمام الخميني قدس سره في وصيته: "نحن نفتخر بأن لنا مناجاة الأئمة الشعبانية"(3)، ويقول قدس سره: "لو لم يكن في الأدعية إلا المناجاة الشعبانية لكفى ذلك دليلاً على أن أئمتنا هم أئمةٌ بحق لأنهم أنشأوا هذا الدعاء وواظبوا عليه"(4).
* ليلة النصف من شعبان ويومها
هي ليلة بالغة الشرف؛ فيها أغاث الله جلّ جلاله بمولودها ما كاد أن يطفيه أهل العدوان من أنوار الإسلام والإيمان. تفتّح فيها أبواب السماء، فتفتح فيها أبواب الرحمة، وباب الرضوان، وباب المغفرة، وباب الفضل، وباب التوبة، وباب النعمة، وباب الجود، وباب الإحسان. يعتق الله فيها بعدد شعور النّعم وأصوافها، ويُثبِت فيها الآجال، ويقسِّم فيها الأرزاق من السنة إلى السنة، وينزل ما يحدث في السنة كلها. وقد سئل الإمام الباقر عليه السلام عن فضلها فقال: "هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر. فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنِّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يردّ سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله تعالى لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا صلى الله عليه وآله، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله، فإنه من سبّح الله تعالى فيها مائة مرة وحمده مائة مرة وكبّره مائة مرة، غفر الله تعالى له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة، ما التمسه منه وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه، كرماً منه تعالى وتفضُّلاً لعباده"(5). وينبغي الاجتهاد فيها بالعبادات والطاعات وعدم تضييع الأوقات.
يقول السيد ابن طاووس عليه الرحمة:
"إياك إياك أن تضيّع شيئاً من الوقت في هذه الليلة بما يضرّك من الحركات والسكنات أو بما لا ينفعك بعد الممات، فإن غلبك النوم بغير اختيارك حتى شغلك عن بعض عبادتك ودعائك وأذكارك فليكن نومك لأجل طلب القوة على العبادة كنوم أهل السعادة"(6). وقال العارف التبريزي "رحمه الله": "وهي ليلة ولد فيها مولود لم يولد مثله في تطهير الأرض والفرج العام للمؤمنين ونشر رايات عدل الله على أهل الأرض ... ثم إن من أهم الأعمال في هذه الليلة التقرب إلى الله عز وجل بإمام الزمان وحجة العصر ولي الأمر وارث الأنبياء السبب المتصل بين الأرض والسماء".. "فليَظهر من حركاتك وأفعالك وأقوالك أنك فاقد إمامك، منتظر ظهوره، متوقع التشرف برؤية الطلعة الرشيدة"(7).
* مستحباتها
1- الغسل، وهو يخفف الذنوب.
2- إحياء الليلة بالعبادة. وقد ورد أن من أحياها لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
3- زيارة الإمام الحسين عليهم السلام، وهي أفضل الأعمال في هذه الليلة.
4- قراءة دعاء: "أللهم بحق ليلتنا ومولودها، وحجتك وموعودها التي قرنت إلى فضلها فضلك ... "(8).
5- قراءة دعاء كميل. بالإضافة إلى أعمال أخرى تطلب من كتب الأدعية والأعمال.
أما يوم الخامس عشر منه، فهو يوم ميلاد صاحب الأمر عجل الله فرجه. يستحبُّ فيه الغسل والصوم وزيارة الإمام الحسين عليه السلام؛ فإن أرواح النبيين عليهم السلام يستأذن الله في زيارته، وزيارة الإمام الحجة عجل الله فرجه.
* الجمعة الأخيرة من شعبان
إنّ آخر شهر شعبان أهمّ من أوّله. وإذا لم يوفق أحدنا لخيرات شعبان المباركة، فلا أقلّ من اغتنام فرصة العشر الأواخر التي يمكن فيها تدارك ما فات. عن أبي الصلت، قال:" دخلت على الرضا عليه السلام، في آخر جمعة من شعبان فقال: يا أبا الصلت إنّ شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة فيه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلص لله عز وجل، ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلا أدّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعته، ولا ذنباً أنت ترتكبه إلا أقلعت عنه، واتّق الله وتوكّل عليه في سرائرك وعلانيتك ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 3) وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: "اللهم إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه "فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان"(9). اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفُ عنّا يا أرحم الراحمين.
(1) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص75.
(2) م. ن.
(3) صحيفة نور، قرص مدمج.
(4) م. ن.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج9، ص 409.
(6) إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج3، ص354.
(7) المراقبات، التبريزي، ص190.
(8) مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص843.
(9) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص301.