مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشهيد المجاهد: علي بهيج شمس الدين (سامر قاسم)


نسرين إدريس قازان


اسم الأم: هنية مبارك
محل وتاريخ الولادة: يحمر، البقاع الغربي 15 1 1979
الوضع العائلي: عازب
مكان وتاريخ الاستشهاد: قرية الغجر 21 11 2005

علي والأرض توأمان.. لا فرق بين تشققات يديه وتلالها وسهولها.. هو يشبهُ حيناً شجر الزيتون الراسخ في أعماقها لا تهزُّه الرياح، وحيناً آخر يصيرُ ينبوعاً رقراقاً يروي اليباس، وأحياناً نسمة تحملُ الأمل والمحبَّة.. وكيف لا يكون كذلك وقد عاش عمره في كنفِ الأرض وفي رحب السماء؟ وإذا كان أبوه قد علّمه أن التراب هو أغلى ما يملكه الإنسان، فإن النجيع الذي سقى هذا التراب وحرّره، رسّخ في قلبه وروحه أن حياة المرء توهَبُ لهذا التراب. فهو شرب من علقم الاحتلال الذي نكّل بقرى البقاع الغربي طِوال سنواتٍ طويلة، لأنها كانت تمتدّ تحت فوهات مدافعه..

* الشاب المقاوم
في بيتٍ أبيٍّ من بيوتات قرية يحمر، نشأ علي في كنف والدين عُرفا بتديّنهما وبخدمتهما للناس. ولطالما كان يسمع أباه وهو يتحدثُ بحماسةٍ عن رجال المقاومة الذين كان البقاع الغربي عريناً لهم، فيتمنى لو أن الزمان يُطوى ليصير فيه شاباً مقاوماً.. فاستجاب الله أمنيته، ووفّقه لعملٍ مقاومٍ يتناسب وعمره الصغير، كان ذلك حينما شنّت إسرائيل حرب تموز في العام 1993، عندما كان علي يرعى عن أبيه العنزات الخمس التي تملكها العائلة، وبينما هو يسير وإذ به يلمح سلكاً رفيعاً ممتداً بين الأشجار، وضعه العدو الإسرائيلي لتحديد أهداف مدنية في القرية، فمشى بمحاذاته حتى وصل إلى مشارف القرية، عندها قطع السلك ولفّه، وعاد أدراجه، ولكنه لم يجد العنزات، وبعد بحثٍ مضنٍ عاد إلى البيت ليخبر والده بما حصل معه، ولكنه فوجئ بوالده يأتي من بعيد يسوق العنزات مبتسماً له. اشتُهر علي بحبّه للصيد، وعُرف عنه أنه صياد ماهر جداً، فعرف أين ينصبُ المصيدة، وأين يختبئ الطير وينام، حتى أنه كان يحدّد نوع العصفور وهو يطير في السماء، وكانت بندقيته الصغيرة غاليةً جداً على قلبه، يهتمُّ بها كما تهتمُّ الأمُّ بطفلها الصغير.

* مع والده
كان علي يساعد والده في الزراعة بعد عودته من المدرسة وفي أيام العطل. وفيما بعد اضطُر إلى ترك مدرسته بعد انتهائه من المرحلة المتوسطة ليعمل جنباً إلى جنب مع والده، فاشتغل في مهنٍ تحتاج إلى بنية قوية وسواعد مفتولة، فصقل العمل المُضني بنيته وجعل منه شاباً قوياً روحياً وجسدياً، وشجاعاً لا يهابُ شيئاً ولا أحداً إلا الله عزّ وجل. نشأ علي في بيئة متديّنة ملتزمة. وكان مسجد القرية الصغير البيت الثاني الذي تعلّم فيه الأحكام الشرعية، فواظب على الكثير من الأدعية والأعمال الإيمانية وعمل بها كأنها واجب. وتجلّى تديُّنه الصافي على صفحات وجهه، حتى أنه لُقّب بـ"الخميني" لشدة حبّه وتعلّقه بالإمام قدس سره، ولكثرة ما كان يدقق في تفاصيل الأمور حتى لا يقعَ هو أو أحد من عائلته في شبهةٍ ولو صغيرة.

* خَدَمَ الناس برأفة
أكثر ما كان يُسعد قلبه هو توفيق الله له بخدمة الناس، فتراه يلبي كل من طلب إليه حاجة. ولم يتأفّف يوماً بوجه أحدٍ من الناس. وإذا كان وقته ضيّقاً لكثرة التزاماته، فإنّه أجاد اللعب على الوقت كي لا يفقد هذه النعمة. وفي كثير من الأحيان كان ينقل حاجيات الناس بشاحنته الصغيرة من دون مقابل، طالباً إليهم الدعاء. عندما مرض والده، واكبه علي في المراحل الصعبة في مرضه، فلازمه، وخدمه بمحبةٍ كبيرة، إلى أن توفّاه الله عزّ وجلّ. وقد فقد علي برحيله أقرب الأصدقاء إليه.. بعد وفاة والده، تحمّل علي مسؤولية العائلة. ولأنه كان قريباً جداً من والده، عرف كيف يقوم بدور الأب في كثير من الأمور، فكانت أمُّه وإخوته يستشيرونه في كلّ شيء، ويشكون إليه همومهم، ويطلبون منه ما يحتاجون إليه.. خضع علي للعديد من الدورات الثقافية والعسكرية. وقد أهّلته بُنيتُه الجسديّة القويّة للقيام بالعديد من المهمّات الجهاديّة الصعبة والحساسة، حتى قيل عنه إنه يكون في نزهةٍ إذا شارك في رصد أماكن صعبة إبان الاحتلال الإسرائيلي لقسمٍ من جنوب لبنان. شابٌّ حكيمٌ في اتخاذه القرارات، وصبورٌ في لحظات المحنِ القاسية، وصامتٌ متفكرٌ، يسعى للفعل بعيداً عن القول. وقد تعلّم من الطبيعة الجغرافية التي عاش فيها كيف يتأقلمُ مع المتغيرات من حوله. عاش أجمل لحظات حياته في خدمة المجاهدين، ولم يناقش يوماً بشأن تكليفٍ أُوكِلَ إليه، لأنه جعل أكبر همّه الوصول إلى الله العزيز، ورأى أن الأمور كلما صعبت عليه قصّرت مسافة اللقاء.

* في ركب الراحلين
بين صور الشهداء التي احتفظ بها، كان يقضي بعض الوقت يقلّبها بحسرة تغلي في قلبه المشتاق للالتحاق بركبهم. ولطالما فاضت عيناه بالدموع حزناً على بقائه وتأخره عن ركب الراحلين. ولكن العاشق الصادق لا بدّ له من الوصول. وإذا كان علي يتحدثُ في كثيرٍ من الأحيان مع أمّه وإخوته عن الشهادة وكيفية تقبّلهم لرحيله، إلا أنه في الفترة الأخيرة زاد من حديثه عن الشهادة، وصار يوصي أمّه بوصايا لم تدرك حقيقتها إلا بعد رحيله، فيذكّرها بصبر السيدة زينب عليها السلام، ويطلب إليها أن تردّد دوماً: "واللهِ، ما رأيتُ إلا جميلاً".

وكانت العملية النوعية التي وضعت نقطة الختام لانتظاره الطويل.. كانت كلّ إيماءاته قبل الرحيل تشير إلى أنه لن يعود، فقد رأى الشهادة أمام ناظريه، فهيأ حقيبته على عجل، ولم يعرفْ كيف خرج من عتبة باب الدار الذي لم يخْطُه بعد ذلك إلا في نعش الفوز العظيم..

* وعاد مكللاً بالورود
وفي قرية الغجر.. كان علي على دراجته النارية يشقّ عباب المكان كضرغامٍ لا يأبه لشيء.. كانت هذه العملية إحدى أهمّ العمليات النوعيّة التي نفذّتها المقاومة الإسلامية، لحساسية المكان، ولخطورة الزمان. وقد أربكت العدو الإسرائيلي فلم يعرفْ ماذا يجري داخل الحدود المغتصبة، أو من أين جاء أولئك الرجال. وكيف لصائد الطيور أن لا يجيدَ اصطياد الغربان، وهو أشهرُ من ينصب الأفخاخ، وأوفر من يعود بالصيد!

وبعد مواجهاتٍ عنيفةٍ مع جنود الاحتلال الذين أصيبوا بذعرٍ غير مسبوقٍ، أصيب علي بثلاث طلقاتٍ نارية.. ولكنه لم يقع أرضاً، بل ارتفع إلى السماء..  وعاد فارس البقاع الغربي إلى مثواه مكلَّلاً بالورود والياسمين، وفوهة بندقيته التي أجاد بها اصطياد الجنود الإسرائيليين لا تزال ساخنة.. ولا تزالُ رائحةُ دمه تفوح عبقاً مع كل انتصار..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع