عندما كانت الثورة في غليانها ومواجهاتها المختلفة للطاغوت ظهر مصطلح "نهج الإمام" كتعبير عن خط سياسي وفكري مقابل التيارات والمناهج الأخرى. واستمر هذا المصطلح إلى يومنا هذا يعبر عن التزامه بنهج الإمام الخميني قدس سره وحركته التي قادت أمة مسلمة إلى شاطئ النصر والحرية. فما هو هذا المصطلح؟ وكيف لعب دوراً مهماً في الحركة السياسية الرائعة في المواجهة والثبات؟
لا شك أن المواجهة عندما تأخذ طابعاً دينياً أو قومياً فإن التعبير عن المعسكرات المتحاربة يأتي بنفس الصيغة كالإسلامي أو المسيحي أو القومي العربي أو الكردي أو غيره. فنفس هذا الاصطلاح الذي يطلقه أصحابه على حركتهم تعبير عن اختيارهم لنهج محدد في المواجهة أو للدلالة على طبيعة المعركة أو الحرب القائمة. أما عندما يعبر عن فكر الفئة أو الشعب المبارز بنهج إنسان ما، فهذا ما يستوقفنا للبحث والتأمل وأول ما يخطر في الأذهان أن هناك مناهج أخرى تسير عليها جماعات أو يقودها أشخاص تؤمن بالعديد من النقاط اشتراكاً مع النهج الأول. فتقوم الفئة السائرة على نهج ذلك الإنسان بالتعبير عن طبيعة حركتها وفكرها بنهجه وفكره لتميّزه الخاص عن غيره، وهكذا كان نهج الإمام الخميني قدس سره.
إذاً، فالاختلاف ليس بين الإسلام وغيره من الأديان فحسب، ولا بين المذاهب ولكنه اختلاف في حقيقة فهم الإسلام الأصيل. وصحيح أننا قدمنا التفسير السلبي لهذه الفكرة، ولكن هذا التفسير يعيننا في البداية على الدخول مباشرة في حقيقة النهج والتعرف عليه.
لقد ظهر عبر التاريخ الأخير وخاصة المعاصر مصلحون ودعاة قاموا للنهوض بالأمة أو الشعب لأجل الحرية والكرامة والسلام، وعبر كل واحد منهم عن أسلوبه في العملية الإصلاحية أو التغييرية بالتزامه بالإسلام والرسالة و... ولكننا عندما نطالع في المناهج التي ساروا عليها نجد اختلافاً بيناً في فهمهم لبعض قضايا الإسلام ومبادئه، ويمكننا أحياناً محاكمة آرائهم من خلال أعمال النظر في المبادئ الأصلية للإسلام أو النصوص الصحيحة والمسندة.
هكذا انطلق الإمام في نهجه لمقارعة الظالمين وإيقاظ الأمة وبث روح الإسلام المحمدي الأصيل في وجدانها وفكرها مستلهماً من المبادىء العظيمة للدين الحنيف في صورة جامعة للعمق واليسر والعرفان والبرهان والقرآن متبعاً لنهج أجداده الأطهار عليهم السلام لا يحيد عن الشريعة الغراء قيد أنملة مع حفظ الحكمة والواقعية.
أولئك الذين رأوا فيه الاستغراق في الواقعية التي تظهر من خلال حديثه المستمر عن الدولة والحرب والتشكيلات والنفط والخبز والجامعات فاجأهم عرفانه الذي يصبغ كل حديث له بلونه الغيبي وذكره الدائم للشروط المعنوية كالإخلاص والتقوى وتهذيب النفس.
وأولئك الذين ظنوه عارفاً بالمعنى الشائع في السابق تحيروا في سيرته حيث يطالع في اليوم عشرات التقارير الأمنية ويتصل بالمسؤولين للتدخل في قضية مظلوم في مدينة بعيدة، وينصب ويعزل كبار الموظفين والعاملين.
ومن جانب آخر كان الإمام يؤكد على القوة الحقيقية للشعب ويثق بالأمة في الوقت الذي كان أتباع الأحزاب الإسلامية الأخرى يسيرون باتجاه بناء النخبة فاقدين أي أمل بشعبهم الذي تعرض لحملات التضليل الثقافي والفكري. وليس خطأ هؤلاء في توجههم نحو بناء النخبة فالإمام الخميني فاق الجميع في بناء قادة حقيقيين من حيث العدد والمنزلة وإنما المشكلة في العقلية النخبوية البعيدة عن أبسط المفاهيم الإسلامية وأوضحها ناهيك عن طريقة البناء والثقافة التي اتبعوها.
كان الإمام ينطلق من فقه الإسلام والتعبد بشرعه الأنور في الوقت الذي كانوا يعطلون دور المجتهد الواقعي ويتهجمون على منزلته العظيمة في الإسلام.
كان الإمام يرفع التعاليم السلوكية والأخلاقية ويؤكد على الاتصال بعالم الغيب والارتباط المطلق بالرب المتعال ويعطي النفوس القوة والعزيمة بعرفانه وعلاقته السامية بالله العظيم، وكانت تلك المفاهيم آخر ما يتكلم عنه تحت حجة الواقعية وضرورتها أو جهلاً بالعرفان الإسلامي الأصيل.
واليوم بعد أن سطع نور الخميني في كل الأرجاء وثبتت أقدامه بثبوت الثورة ورسوخها، وبعد أن استنفذوا كل ما عندهم، بدأوا بالإعلان عن ارتباطهم به وعدم اختلافهم معه مع حفاظهم على مشروعهم الذاتي وفكرهم الحزبي بدون أدنى مراجعة لنهجههم وفكرهم.
لقد أضحت المسائل السياسية على رأس الاهتمامات الإنسانية لارتباطها المباشر بمصيره ومستقبله. وصار لزاماً على المسلم أن يحدد موقفه من كل التيارات السياسية والفكرية لكي يختار الأصلح ﴿وعباد الرحمن... الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾.