لقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قلقاً حين
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "شيّبتني سورة هود"(1)، إذ إنَّ هذه الآية:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ (هود: 112) قد وردت في سورة
الشورى أيضاً وليس فيها: "ومن تاب معك". وهذا ما يوحي بأنَّه كان قلقاً من أنّ
أمّته قد لا تستقيم -لا سمح الله- كما أمر الله في سورة هود. واليوم أيضاً،
الاستقامة ضروريّة ولازمة. فعلى الشعب والحكومة والفئات الأخرى كلّها، أن تتنبّه
إلى أنَّ الاستقامة مقابل الظلم والقوى العظمى من الأمور التي أُمرنا بها. فقد
أُمرتم بالاستقامة مقابل العدو، فإن استقمتم فأنتم منتصرون.
* الصعاب حلوة المذاق في سبيله
إنَّ في أيدينا الإسلام، أمانة الله، الإسلام الذي عانى المشاقّ والأهوال منذ
ولادته، وما زال يعاني المشاقّ كلما تقدّم إلى الأمام. كما أنَّ نبيَّ الإسلام صلى
الله عليه وآله وسلم منذ ابتداء دعوته وحتّى رقْدته في فراش الرحيل عن هذا العالم
إلى لقاء الله، كان في حالة حرب، بل حين كان على فراش الموت أيضاً، كان قد عبّأ
الناس للحرب، أضف إلى ذلك، أنّ المشاقّ التي واجهها كانت من القريب والغريب، وهكذا
المسلمون من بعده. وكذلك ما لاقاه أئمتنا R وما واجهه أمير المؤمنين عليه السلام من
بعده.
إنَّ كلّ ما لاقاه المسلمون وعانوا منه مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان حلواً
في مذاقهم، لأنَّه كان في سبيل الإسلام. ونحن أيضاً، يجب علينا أن نسعى إلى أن يكون
كلّ شيء لدينا حلو المذاق. هذا هو معنى الرضى بقضاء الله والتسليم له. وعندما يحصل
التسليم لله لدى شخص، فلا فرق عنده حينئذٍ بين أن ينزل عليه بلاء من الله أو أن
تنزل عليه نعمة منه، فكلّ شيء يراه نعمة من المحبوب. فالمحبوب إن كان إنساناً وقال
قولاً جارحاً، فهو عند حبيبه قول جميل وحلو، فكيف والمحبوب هو الله خالق المحبّة؟
وآمل أن نصل نحن أيضاً، بجدّية، إلى هذا المعنى، وأن نستحسن هذه المعاني.
* الشهادة عطاءٌ جميل
إنّ شبّاننا عندما يذهبون إلى الجبهات لنيل الشهادة، يروْنها حلوة، لأنَّهم يعلمون
أنَّها من الله، وبما أنَّهم يرونها من الله فلا تصعب عليهم. فيجب أن نربّي أنفسنا
على الرضى بعطاء الله تبارك وتعالى. وهذا العطاء إنْ كان بلاءً فهو حسنٌ، لأنَّه
إرادة الله تعالى لعباده، فالبلاء يكون أحياناً "نعمة" للإنسان، و"النعمة" تكون
بلاءً أحياناً أخرى، فالله تبارك وتعالى يريد تربية الناس، والواعون من الناس
يدركون أنّ تربيته لهم بإيراد الضغوط عليهم أحياناً، وبإنزال النعمة عليهم أحياناً
أخرى، فعند إنزال البلاء تحلّق الأرواح في عالم آخر.
* الإعراض عن الدنيا خصلة العاشقين
إنّ الشعب الذي يسعى وراء الشهادة ويهتف طلباً لها، لا يئنّ من نقصان شيء أو زيادته
ولا من غلاء بعض السلع أو رخصها، فهذا شأن من ربط نفسه وعلِق قلبه بالدنيا. أما
أولئك الذين ارتبطت قلوبهم بالله، ويسعون وراء الشهادة فلا تهمّهم هذه الأمور. لو
قُيل لأحدهم إنَّ لصّاً قد سرق أموالك، لن يهتم، وإن نودي أنَّ السلع قد رخصت
أثمانها، لن يذهب من أجل الغنيمة. فالغنيمة التي ينشدها هي التي لا زوال لها أبداً،
والعمل الذي لا خسارة أبداً فيه مهما قل، هو الذي لا يصدر لأجل أحد، سوى الله تعالى.
* علينا أن نستقيم
لقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يسعى لتقوية الإسلام باستمرار، حتّى
لو أدّى ذلك إلى قتله وقتل أحبائه، لكان ثمناً حسناً في ذلك الطريق المستقيم، طريق
الله. إنّ سيّد الشهداء عليه السلام، كما جاء في الروايات، كان كلّما اقترب الوقت
من ظهر يوم عاشوراء، ازداد وجهه نوراً، لماذا؟ لأنَّه كان يرى أنَّه على وشك
الالتحاق بالله، كان ينظر إلى الله، لا إلى المستشهدين من أولاده، وإنْ نظر إلى أيّ
منهم فإنّما كان ينظر إليه باعتباره مرتبطاً بالله فقط. فعلى هذا يجب علينا أن
نستقيم. إنّ ما كان يقلق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، هو الخوف من عدم استقامة
أمّته وعدم إطاعتهم لأمر الله، وعلينا أن نعمل على ما يزيل هذا القلق.
* الأمّة الواعية موقفها مستقيم
إنَّ ما هو ثابت لدى أمّتنا أنّها إذا أرادت أن تبقى واعية ومستقلّة، فعليها أن
تتحمّل تبعات ذلك، وإن أرادت أن تبقى ذليلة، فلتذهب وتتبع أمريكا وينتهي كلّ شيء
فلا حرب بعد ذلك، لكن ما النتيجة؟ حينذاك ستكون أمّة خاضعة ذليلة إلى الأبد. ولكن
عندما تريد الأمّة أن تنهض وترفع رأسها، فليس لها أن تقول: إنّنا الآن لنا قيمتنا
ولكنَّ هذه السلعة غالية وهذه كذا! فإنْ كان موقفها متردداً، فمن الآن سنذهب
وسنُباد، ولكنّ الأمر، والحمد لله، ليس كذلك. آمل أن يمنحنا الله تبارك وتعالى
القدرة والعناية، ويساعدنا على أن نبقى واعين يقظين ومستقيمين إن شاء الله.
(*) نداء
إذاعيّ متلفز للإمام الخمينيّ قدس سره في طهران، بمناسبة العام الجديد وعيد النوروز،
في 28 جمادى الآخرة 1405ه.ق.
1- الأمالي، الصدوق، ص304.