مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب: الغربُ المُتَخَيَّل: صورة الآخر في الفكر العربي الإسلامي الوسيط



إعداد: زينب الطحان


نادراً ما نقرأ كتاباً حول نظرة العرب إلى صورة "الآخر الغربي" على وجه التحديد، فنحن معتادون على أن نقرأ عن "صورة العربي" في الثقافة الغربية وحضارتها. هذا الكتاب "الغرب المتخيّل: صور الآخر في الفكر العربي الإسلامي الوسيط" (للباحث الأكاديمي محمد نور الدين أفاية، الصادر عن المركز الثقافي العربي)، يقدّم لنا قراءة شيّقة وممتعة ومفيدة إلى أبعد الحدود حول نظرة العربي إلى الغربي، ليس في الصيغة البسيطة للسؤال، بل في قلب إشكالية فكرية معقدة. وهذه الإشكالية الفكرية تبحث كيف يمكن إعادة التفكير في أسئلة الهوية والاختلاف، الذات والآخر، العالم العربي الإسلامي وأوروبـا المسيـحيـة...

كيف يمكن سبر أغوار هذه النظرة في واقعها التاريخي أو في تجذرها الثقافي والتاريخي؟.. إذ لا تزال العلاقة مع الغرب تشكّل مأزقـاً كبيراً للفكر الإسلامي، الأمر الذي ولَّد عدداً من المصطلحات في سياق معالجة هذه القضية الإشكالية مثل الهوية، الذات، الآخر والإسلام مقابل الغرب، هذه الثنائيات التي انشغل بها الفكر الإسلامي فترة طويلة. في الماضي مع بداية امتداد الحضارة الإسلامية، وجدنا الثقافة العربية الإسلامية حريصة على الإنصات والاستفادة من متغيرات الآخر دون أن يطرح ذلك تحديات تمس الهوية.

* الآخر لا يمكن اختزاله
الكتاب في أبوابه الثلاثة، والذي يتوزع على ثلاثة عشر فصلاً، يبحث في الباب الأول حول مرجعيات النظرة العربية الإسلامية للآخر، وفي الباب الثاني في تكوّن الصور النمطية عن الآخر من خلال الظاهرة الصليبية والاندفاعة الجهادية، وفي الباب الثالث يخصص البحث حول معرفة الآخر: حدود والتباسات. فمن خلال الغوص في التراث واستنطاق نصوصه وتحليلها يبحث المؤلف صورة الآخر في الثقافة العربية، إذ لا تخلو ثقافة ما من تمثيل للذات أو للآخر، لأن التمثيل هو الذي يمنح الجماعة صورة ما عن نفسها وعن الآخر.  ويهتم المؤلف بالصورة التي اختزنها المتخيل العربي الإسلامي نحو الآخر الأوروبي، كما هي مجسدة بالمفاهيم الفكرية، وبمواقف وجدانية وشعورية، وبخزانٍ من الرموز والدلالات المستندة إلى مرجعيات دينية وسياسية، ومعرفية، يحفزها الاحتكاك العنيف تارة، والسلمي تارة أخرى، والتي ربطت العرب – المسلمين بأوروبا على امتداد العصر الوسيط، باعتبار أوروبا هي الآخر دينياً، والمنافس حضارياً، والخصم عسكرياً، والشريك في التجارة.

ولقد لعـب الإسلام كدين دوراً حاسماً في تغذية الذاكرة والمخيلة العربية الإسلامية بصورة معيـنـة للآخر، وبطريقة معينة للتعامل معه – من دون إغفال المؤثرات الأخرى الدنيوية والزمنية، والفضول المعرفي – فكان القرآن الكريم بمثابة النص التدشيني الذي قامت عليه الجماعة الإسلامية، وتألفت في كنفه، وحدد للمسلم مواقفه من الآخـر، المخـتـلف عـنه دينياً، وثقافياً، وعين له سلوكه تجاه المختلفين معه. غير أن الثقافة العربية – الإسلامية قدمت معايير وقياسات عدة حكمت من خلالها على ثقافة الآخر، ولونت بها صورته، فهناك أولاً المعيار الديني من خلال الإيمان الإسلامي، ثم المعيار الحضاري، وهو يقاس بمدى العمران عند الآخر، ومعيار بيئي جغرافي، يتعلق بموقع هذه الحضارات في أقاليم الكرة الأرضية، ومدى اقترابها من خط الاستواء الحار، ومن القطب الشمالي البارد، وتأثرها بمدارات النجوم والأفلاك، فضلاً عن العامل المعرفي المرتبط بمدى تقدم معرفتهم بالعالم وحال الشعوب بذلك الحين. كل هذه العوامل مجتمعة لونت نظرة الثقافة العربية – الإسلامية إلى الآخر. وكانت الرحلات العربية – الإسلامية إلى بلاد الشرق الأقصى امتزجت بالتجارة والفضول المعرفي، لكن رحلاتهم إلى أوروبا طغى عليها الهمّ السياسي بالدرجة الأولى. وثمة ما يشير إلى أن العرب لم يستطيعوا أن يكوّنوا صورةً قريبةً من الوضوح عن أوروبا إلا في القرن التاسع ميلادي، مع تراكم الترجمات والتعرّف إلى جغرافيا بطليموس، والجغـرافيـا اليونانية، وازدياد المشاهدات الشخصية للسفراء والرحّالة والتجّار، مما مهَّد لقيام جغرافية عربية تستقي عن تلك المصادر، التي تقف في مقدم الرحلة، معلوماتها المتناثرة عن أوروبا، فظهر أمثال ابن خرداذبة وابن واضح واليعقوبي. لقد برهنت الثقافة العربية على قدرةٍ لافتةٍ على الإنصات للآخرين والنهل من منجزاتهم الحضارية، منذ أن دشَّن القرآن الكريم فعل الاعتراف بالآخرين، ضمن مقاييس محددة، كما برهنت الثقافة العربية على قدرة التفاعل مع الآخر من خلال استنبات آليات اشتغال الفكر اليوناني في التربة الفكرية العربية الإسلامية.

* المتخيل الجمعي
وإذا كان الهدف المعلن للصليبيين تجلى في الدعوة إلى استعادة الأماكن المقدسة بالطرق العسكرية، فإنهم، من أجل ذلك، استثمروا كل الوسائل الكفيلة بتكوين متخيل جمعي يعلي من شأن الذات ويقدم الآخر في أشكال انتقاصية، شيطانية، تمنح لكل المنخرطين في الحركة العامة حوافز التعبئة والإيمان بعدوانيته وشراسته، لدرجة يصل فيها المحارب إلى خلق شعور لديه بأنه حين "يحارب ضد المسلمين، فإنه يحارب الظلام قصد إشاعة الأنوار". المسيحية الغربية نسجت هذه "الأسطورة" وهي تعيش داخل "عالم مغلق، تنقصه المعلومات، منكفئ على ذاته كما على معرفته الخاصة.

وسواء سمينا هذه العملية التعبوية الكبيرة "إيديولوجيا" أو "دعاية"، أو "حملة إعلامية"…الخ. فإن ما يثير الانتباه، عند كل الذين تناولوا الموضوع، هو استعمالهم الكبير لقاموس المتخيل، مثل صورة، مخيلة، إدراك، تخيل، صورة نمطية…الخ. الأمر الذي يضعنا، مباشرة، في قلب الإشكالية التي تحركنا منذ البداية. وهي أن للمتخيل دوراً حاسماً في تشكيل النظرة المتبادلة للآخر، بكل ما يمكن لهذه الملكة الإنسانية الخاصة من إنتاجه من صور وأحكام، وخلقه من مشاعر وأحاسيس في سياق الاحتفال بشؤون الذات والانتقاص من صور الغير. فالحضارة لا تقاس بإنتاجها المادي وبإنجازاتها العمرانية والفنية، وإنما تتميز بقدرتها، أيضاً، على نحت صور للآخرين التي تربطها معهم علاقات اللاتكافؤ والمنافسة. وليس من قبيل الصدفة أن يتم التأكيد من قبل كبار المفكرين على دور المشاعر في صنع الحضارات، ومن ضمنها المشاعر المستنكرة نظرياً، والمستهجنة عقلياً، ولكنها تفعل فعلها في السلوك والعلاقات والتاريخ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع