مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

المسؤوليات العشر للمدير والقائد

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


* دراسة عوامل النجاح والفشل
لا يمكن أن لا يواجه الإنسان في حياته النقص، لأن عالم الطبيعة شئنا أم أبينا مشوب به.
المهم أن الإنسان يستطيع أن يستفيد من النقص ليصنع عوامل النجاح المستقبلي:
- أن يعرف نقاط الضعف
- ويتلمس النقائص
- ويصلح النقاط المعيبة
وباختصار أن يقيَّم جميع قواه مجدداً ويضع نقاط الضعف على محك التجربة.

وصحيح أن الهزائم قد تنتهي أحياناً بخسارات كبيرة جداً، ولكن إذا استفيد منها كوسيلة لأجل إعادة النظر المعمق في البرامج واكتشاف "مواقع الخلل" فإنها لن تكون فقط قليلة التكلفة بل أن الاستفادات الحاصلة منها سوف تفوق بدرجات تلك الخسارات الواقعة. وبتعبير آخر فإن الفشل يكون خطراً في حالين:
1- عندما يحدث يأساً وسقوطاً في المعنويات.
2- عندما لا يمكن دراسته وتحليله بأي شكل من الأشكال ولا يستفاد منه لأجل إعادة النظر والاستمرار في البرامج السابقة وجبران الأخطاء وتقييم القوى.

وبالطبع ينبغي القيام بالسعي التام حتى لا يحدث أي فشل أو هزيمة في أي مرحلة، ولكن في حال حصول مثل هذه الأمور فمن الوظائف المهمة للمدير والقائد تشكيل جلسات المشورة الدائمة والمنظمة لأجل دراسة أسبابها.
والمسألة الأهم هي رعاية الأمور التالية في تلك الجلسات:
1- لا ينبغي غض النظر عن ذكر الحقائق مهما كانت مرة، والاعتراف بها بكامل الثقة ودراستها.
2- الاجتناب من تبرير عوامل الفشل والإصرار على تبرئة الذات أو إلصاق التهمة بأشخاص أو عوامل أخرى، فلا شيء أخطر من أن لا يرى الإنسان ضعفه ونقصه ويرميه على الآخرين فيتلقى صفعةً أخرى من الفشل والهزيمة.
3- تحتاج دراسة عوامل الفشل إلى شجاعة واجتناب للتعصب وبكل ثقة وتوكل على الله وإخلاص للنية وصفاء للقلب يتقدم لدراسة الأمور ويتقبل كل المسؤولية عن أسبابها وبهذه الحال فقط يستطيع أن يدرك الأسباب الواقعية فيجعلها سلماً للتقدم وجسراً إلى النصر والنجاح.
4- عند دراسة مثل هذه المسائل الحساسة وحيث يكون للشيطان تدخل لتزيين الأمور البعيدة عن الواقع: ﴿وزين لهم الشيطان أعمالهم ينبغي التوكل على الله وإيداع الأمور كلها بيده ليمنح المدير عيناً بصيرة وقلباً واعياً وحباً للحق ليكون مصداقاً للدعاء النبوي المشهور: "اللهم أرني الأشياء كما هي".

* غزوة أحد نموذج الهزيمة الممهدة للانتصار
من المناسب جداً أن نلقي نظرة هنا على تاريخ الإسلام ولنرى عاقبة الفشل الشديد الذي حل بالمسلمين في معركة أحد وأدى إلى هزيمتهم. وكيف استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يصنع منها وسيلة مؤثرة جداً لتحقيق النصر السريع بحيث كتب أحد المفسرين المعروفين أن شخصاً شاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه فقال: "لو خيرت بين النصر والهزيمة في أحد لكنت أقبل بالهزيمة لما كان لها من نتائج مهمة على المسلمين".
ومن المفيد أن نشير إلى أصل غزوة أحد والدقة التي استخدمت في إدارتها وقيادتها، ثم نقوم بعدها بتحليل عوامل الهزيمة، وأسمحوا لي أن أفصل قليلاً في هذا البحث لكي يتضح الشاهد منه:
ما يستفاد من الروايات والتواريخ الإسلامية أن قريش عندما ذاقت طعم الهزيمة في معركة بدر وانسحبت تاركة وراءها 70 قتيلاً و70 أسيراً أمر أبو سفيان أهل مكة أن لا يدعوا النساء يندبن على القتلى وينتحبن لأن دموع البكاء تذهب الندم وتخفض من العداء والبغض لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم! وقد تعهد أبو سفيان أنه ما لم ينتقم لقتلاهم فإنه لن يقرب زوجته.

وبهذه الطريقة كانت قبيلة قريش تحرض الناس بكل وسيلة ممكنة ضد المسلمين ليأخذوا بالثأر والانتقام.
حل العام الثالث للهجرة، وقررت قريش أن تخرج لحرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة آلاف فارس وألفين من المشاة وبعتاد كبير ولأجل رفع معنويات الجنود ومضاعفة حدة غضبهم جلبوا معهم الأصنام والنساء.

* التبليغ عن الوقت
لم يكن العباس عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد آمن في حينه وإنما كان على دين قريش وشركهم، ولكن كات تربطه بابن أخيه محبة شديدة فعندما شاهد قريش وقد تجهزت بجيشها الجرار لمحاربة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إليه برجل من بين غفار يبلغه بالأمر، وعندما علم الرسول أرسل بضعة رجال ليستطلعوا طريق مكة ويبعثوا إليه بالمعلومات الكافية عن جيش المشركين (وكانت هذه هي الخطوة الأولى في إدارة الحرب وقيادتها).
ولم يطل الوقت حتى عاد الرجلان اللذان أرسلهما للرصد ومعهما معلومات حول تحرك الجيش المعادي وقيادته.

* تشكيل شورى الحرب
هنالك دعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع أصحابه وأهل المدينة للمشورة وطرح عليهم بشكل صريح موضوع الدفاع عن المدينة وهل يتم ذلك من داخل المدينة أم من خارجها؟ فقال البعض: نقاتل من داخلها وعبر أزقتها الضيقة ففي هذه الحالة يمكن للرجال الضعفاء والنساء أن يقاتلوا.
ثم أضاف صاحب هذا الكلام وهو "عبد الله بن أبي": يا رسول الله حتى الآن لم نشاهد عدواً ينتصر على قوم داخل الحصار.

وكان هذا الرأي موضع اهتمام النبي لوضع المدينة الخاص، وكان يريد أن يواجه قريش من داخل المدينة ولكن خالف بعض الشبان والمحاربون هذا الرأي.
فنهض "سعيد بن معاذ" وعدة آخرون من قبيلة "الأوس" وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الماضي لم يكن أحد من العرب يقدر على الطمع بنا، وكنا حينها مشركين وعبدة الأصنام، والآن أنت معنا فكيف يقدرون على ذلك، فلنقاتل فخر الجهاد في سبيل الله.
وقد أشاع قبل هذا الكلام جواً من الحماس بين أصحاب الرأي الثاني بحيث بقي رأي عبد الله رأي الأقلية.

ومع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يميل إلى الخروج من المدينة ولكنه ولأجل احترام الأصل الكلي للشورى فقد قبل برأي هؤلاء (وكانت هذه هي الخطوة الثانية ثم خرج مع أحد أصحابه لأجل اختيار المعسكر الذي كان على سفح جبل أحد لطبيعة ظروفه العسكرية وأنجز كافة الاستعدادات النظرية (وهذه هي الخطوة الثالثة).
كان يوم الجمعة حين وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخطبة صلاة الجمعة وبعد الحمد والثناء أعلم المسلمين باقتراب جيش المشركين وقال:
إنكم لو قاتلتم الأعداء بهذه المعنويات فإن الله سوف ينصركم يقيناً. وهكذا كان لكلامه وقع مؤثر بحيث تجهز من المهاجرين والأنصار في ذلك اليوم أكثر من ألف محارب.
ثم قام صلى الله عليه وآله بقيادة الجيش بنفسه، وقبل خروجهم من المدينة أمر برفع رايات ثلاث واحدة منها للمهاجرين والباقيتان للأنصار. وكان في كل الفترة يراقب ويطلع على وضعية الجيش وصفوفه (وهذه هي الخطوة الرابعة).

* التصفية الضرورية
يذكر المؤرخ المعروف برهان الدين الحلبي في كتابه أن النبي لم يكن قد وصل بعد إلى أحد حتى شاهد بين الجيش عدة من المقاتلين لم يكن قد رآهم من قبل فسأل: من هؤلاء؟ قالوا له: جماعة من اليهود بينهم وبين عبد الله بن أبي عهد.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وهل أسلموا؟ قالوا: لا.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك".
فلم يقبل اليهود هذا الأمر [الإسلام] وعادوا أدراجهم إلى المدينة. ليخسر المسلمون بذلك 300 من المقاتلين. (وهذه الخطوة الخامسة).

* تنظيم الصفوف
وبعد هذه التصفية وصل رسول الله و700 من المسلمين إلى جبل أحد وبعد أداء صلاة الصبح نظم صفوفهم فأمر "عبد الله بن جبير" بقيادة 50 من رماة السهام بالصعود إلى حافة الجبل وأكد عليهم بأن لا يتركوا مواقعهم مهما حصل حتى لو لحقنا بالعدو إلى مكة أو هزمنا ورجعنا إلى المدينة.
في الطرف المقابل أمر أبو سفغيان خالد بن الوليد مع 200 من المحاربين بمراقبة تلك الحافة وأن يكمنوا لهم حتى إذا نزلوا عنها حملوا عليهم من الخلف.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع