مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: التدريب المعجل: إضاءة آفاق المستقبل

ولاء إبراهيم حمود



في الآونة الأخيرة، برز التدريب المعجَّل كمصطلح متداول، يعني مرحلة عمرية مبكرة لطلاّب تركوا المدرسة تحت عنوان (التسرُّب المدرسي)، بعد وصولهم إلى مرحلة الصف الأخير في الحلقة التعليمية الثانية، أي الصف السادس، EB6 وهو تدريب يخضع له هذا التلميذ في مهنةٍ ما، يتقن أصولها، ويحترفها بعيداً عن دراسة المواد التعليمية التي يحرص التعليم المهني على تدريسها، كما أظهر تحقيق سابقٌ للمجلة، ويُعنى هذا التدريب بتعريف الطفل العامل حقوقه وكيفية الحصول عليها والدفاع عنها. وقد أجمعت شخصيتا هذا التحقيق على رفض فكرة الفشل الدراسي، واعتبرتاها نتيجة، لا سبباً، واعتبرتا التدريب المعجل خشبة خلاص ينجو عبرها أطفالنا من تضييع مستقبلهم، بل وطفولتهم الغضة على أرصفة الشوارع وفي أقبية السجون والإصلاحيات، كما أفاضتا في الحديث عن أسباب التسرب المدرسي المتعددة والمتنوعة وعن أهمية التدريب المعجل في إطلاق الطفل نحو غدٍ أفضل. والشخصيتان هما د. حياة عسيران ود. خولة مطر، ولكلتيهما باعٌ طويلٌ مع منظمة العمل الدولية في لبنان والبلاد العربية، والتفاصيل في هذه الصفحات:

* د. عسيران:
تميز د. حياة عسيران مستشارة مستقلة بمجال عمل الأطفال، ومتعاونة مع منظمة العمل الدولية، ومدير البرنامج الوطني في لبنان بين قوانين دولية تضبط عمل الأطفال وقد وضعت في البلاد الأوروبية موضع التنفيذ، وبين قوانين وطنية ما زالت تبحث عن آخر النفق لرؤية النور.  تعلن د. عسيران أن اتفاقية 182 الدولية تكافحُ أسوأ أشكال عمل الأطفال، أما الاتفاقية 138 فتحدد السِّن الدنيا للعمل وسن دخول المدرسة.. وتؤكد عسيران أن تصديق لبنان على ثلاث اتفاقيات دولية يلزمه بتطبيقها في قوانينه الوطنية، وعليه وضع هذه القوانين حال غيابها، وهو دورٌ بارزٌ لوزارة العمل التي تساعد في تعديل القوانين لتطبيق الاتفاقيات الدولية. وتلاحظ د. عسيران أن نسبة التسرُّب المدرسي في لبنان والبلاد العربية تفوق البلاد الأوروبية، وترى أن هذه التشريعات لا تطبق إذا افتقدت مستلزمات تطبيقها، مثل تأمين المقعد الدراسي والكتب والمواصلات والقرطاسية ووجبة الفطور، وتغييب العنف عنه في البيت وفي المدرسة (العنف الكلامي واليدوي)، وتأمين الكهرباء والاستقرار المادي في عائلته. لذلك تصبح هذه القوانين مجتزأة وعشوائية، إذا لم تستطع الدولة تأمين الشروط الواقعية الحياتية، لمنع أو الحد من نسبة التسرُّب المدرسي.

* التجربة مع الفلسطينيين:
وتتحدث الدكتورة عسيران بإسهاب عن أسباب أخرى للتسرب المدرسي، فتذكر الفلسطينيين، لأنها تعمل معهم، وترى أنهم كانوا يعتبرون العلم سلاحاً لمستقبل أولادهم، لذلك، كانوا يعملون أي شيء لتأمين ذخائر هذا السلاح، عندما كان حلمهم بالعودة أكبر. أما الآن، فقد تغير الوضع، بعد أن باتوا يتساءلون في غياب الإحساس بالأمن والانتماء عن قيمة العلم وجدواه مع فقدان الهوية والوطن وفي ظروفٍ غير إنسانية. وتخشى د. عسيران أن الطفل يُؤذى مرتين، مرة عندما يُترك لأعمال خطرة، بعيداً عن ملاعب طفولته، ومرة عندما يُترك للعوز والفاقة.

* دور السياسات الاقتصادية:
وتعتبر عسيران أن السياسات الاقتصادية المتبعة لا الحرب وحدها سبب هام ومباشر لانخفاض معدلات تعلُّم الأطفال في لبنان، هذه السياسات التي ترتبط بالعولمة وصندوق النقد الدولي التي تقضي على الأسواق الصغيرة التي يعتاش منها السوادُ الأعظم من الناس، وقدرة الشركات الكبيرة على الاستغناء عن أكبر قدر ممكن من اليد العاملة، كلها عوامل تؤدي إلى توسع دائرة الفقر ودائرة عمل الأطفال، حيث حاولت منظمة العمل الدولية تمكين الدولة اللبنانية من فرض إلزامية التعليم ومجَّانيته حتى سن 15 سنة. وما تمَّ انجازه واقعياً في هذا المجال تدريب فريق كامل من وزارة الداخلية على التعاطي الإنساني مع ظاهرة سحب الأطفال من الشوارع، وتكمن المشكلة هنا في تسييس البرامج التي يتحمس لها بعض الوزراء حسب الوضع السياسي. ولأن اللجان النيابية الموجودة تحت عناوين الطفولة بعيدة عن أرض الواقع، لأنهم لا يأتون بالمختصين الذين يحسنون تصريف الأمور، بل بمعارفهم المتماشين مع سياساتهم والخاضعين أكثر لسيطرتهم.

* برنامج التدريب المعجّل:

من هنا، اعتبرت د. حياة عسيران أنهم بدأوا بمشروع هام جداً هو التدريب المعجل مع المهنية، وتساعد هذه البرامج على استلحاق الأطفال ببرامج التعليم النظامي، وهو يحمي الطفل من الدخول في أشكال العمل المؤذية، ويسمح بتأمين خيارات أقل ضرراً على الطفل، وتتماشى أكثر مع حاجات سوق العمل وقدرات الطفل ورغباته، ويمكن لهذا التدريب أن يصبح شهادة تعطى من مؤسساتٍ مدنية، وقد قام بعضها بمعادلةٍ مع وزارة العمل. وفي نهاية حديثها، أشارت د. عسيران إلى موضوع علاقة التدريب المعجل بالفتيات اللواتي يعملن في أعمالٍ غير منظورة في مصانع تحت الأرض، غير نظامية، أو في المنازل، أو يقمنَ بأعمال منزلية يصاحبها عُنف الأب أو الأخ المنطلق من اختلاط المفاهيم الاجتماعية بالدين. وترى د. عسيران في هذا المجال وجوب تصحيح النظرة الاجتماعية السائدة إلى المفاهيم الدينية فيما يخص وضع الفتاة في مجتمعنا، وهو أمر أكثر فاعليةً في مجتمع متدين من تشريعات منظمة العمل الدولية، كما ترى أن وصول التدريب المعجل إلى الفتيات بنسبة أقل من الصبيان يؤدي إلى تقوقع الفتاة، ولا يسمح لها بتطوير مهنةٍ.

* جيل يتحمل مسؤوليته:

وفي الختام، ترفض د. عسيران أن تكون شؤون الأطفال مجرد أعمال خيرية وإنسانية فقط، وتدعو إلى اعتبار تخصيص موازنة مادية كبيرة لشؤون الطفل من أولى أولويات السياسيين، لأنه موضوع أمني اجتماعي وإنساني، كي لا نصل إلى مجتمع قوامه أطفالٌ يتعاطون المخدرات ويحترفون الجريمة التي تتكاثر، لدرجة يغيب معها المستقبل، ولا يمكن التفكير باستمرار المقاومة إذا تفلَّت هذا الجيل من ضوابطه، لأنها ستصبح حينئذٍ تابعةً لجيل سابقٍ. وعلينا من خلال برنامج التدريب المعجل، الذي لا يُحمِّل الطفل مواد علمية كبيرة أن نعمل على إنشاء مقاومةٍ ثقافية تهدف إلى حماية بناتنا وصبياننا من البيع في سوق الأعمال الصعبة التي تحرمهم طفولتهم. وإلا، فإن المقاومة لأمور كثيرة أخرى، غير العسكر، ستضيع إن لم يُبادر سياسيو هذا البلد إلى وضع هذا الجيل على رأس أولوياتهم.

* د. خولة مطر:

ترى د. خولة مطر (مستشارة وحدة عمل الأطفال في الدول العربية) أن التحولات الاقتصادية قد زادت عدد الأطفال العاملين في الدول العربية إلى ثلاث عشرة مليون طفل. وهو واقعاً أكبر بكثير من ذلك، بسبب ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وحاجات الأسر ذات الرواتب المتدنية إلى إرسال أطفالها إلى العمل مبكراً. وهذا يعني أعداداً أكبر وأعماراً أصغر من 12 سنة، سن رسوب الأطفال في مدارسهم. وهي مرحلة قد تفصل بين التعليم الأساسي الإلزامي والتدريب المهني. وغالباً ما يقصِّر التلميذ في فصول دراسية مكتظة في مدارس طاردة للأطفال، لا جاذبة، مما يؤدي إلى توجه الأطفال إلى العمل في قطاع غير نظامي (ساعات عمل طويلة من السابعة صباحاً حتى الثامنة ليلاً)، ولا تتعدى فترة الاستراحة نصف ساعة تكفي لتناول منقوشة بأيدٍ قذرة تضرُّ بصحتهم، فضلاً عن تعرضهم للأبخرة والمواد الكيماوية وارتفاع نسبة الحديد في دمهم، بالإضافة إلى استقطابهم من قبل العصابات للعمل، ليس فقط في مهن خطيرة على صحتهم، بل وأخلاقياتهم أيضاً، فيدخلون في مجال المخدرات وإنتاج المواد الإباحية لكلا الجنسين بنسبة عالية في البلاد العربية، أما في لبنان، فنسبة العمل في المخدرات بين الأطفال ترتفع أكثر، والعمل في صيد السمك في منطقة مثل صور، حيث يتعرض الأطفال للخطر، بخروجهم إلى البحر في العواصف ولساعات طويلة يكون فيها الطفل بعيداً عن الرقابة. وفي الجنوب يعمل أطفال العائلات في زراعة التبغ التي يتوارثونها بكل أخطارها عن أهلهم، ويعاني معظمهم من الأمراض في العمود الفقري، والرئة والتنفس، وإن كان وجودهم في هذا المجال ضمن عائلتهم يشكل لهم ضماناً أمنياً وأخلاقياً. وقد أعلن وزير العمل الحاج محمد فنيش البحث عن زراعات بديلة تكون أقل خطراً. ولذلك، يساهم التدريب المعجل في إعادة الطفل إلى مدرسته بعد تسرُّب سنتين أو ثلاث وإن عانى في سبيل استعادة ما فاته، أو يحميه من الاستغلال من قبل صاحب العمل، ويؤمن له شروط عمل أفضل بكثير في حال اضطراره إلى ترك المدرسة إلى غير رجعة. وقد أثبتت المشاريع التي قمنا بها في النبطية والنبعة وبرج حمود، أن الطفل الذي خضع للتدريب المعجل يعود إلى صاحب العمل متدرباً ومتفوقاً عليه، مما يمنحه قدرة التفاوض معه على ساعات عمل أقل وراتب أفضل، وهو بذلك يتفاوض على تطبيق القانون، وذلك عبر إعطائه أثناء التدريب المعجل دروساً في تطوير الحوار وتعرفه بقوانين العمل الدولية وحقوق الطفل وهو برنامجٌ يشمل أسرة الطفل.

* نقابة لحماية حقوق الطفل العامل:
بقيت مسألة واحدة لم تعالج هي مسألة غياب نقابة تحمي الطفل العامل، حيث يرى النقابيون أن الطفل بعمله مخالف للقانون، حيث يأخذ الفرصة من أمام راشد معيل لأسرة. تضيف د. مطر: إن على هؤلاء النقابيين العمل على حل المشكلة بزيادة فرص العمل للناضجين وتأمين شروط عمل أفضل للأطفال عبر التدريب المعجل، لكي يصبح الأطفال العاملون اليوم نقابيين تحتاج النقابات إلى شبابهم وإلى العنصر النسائي أيضاً. وتعتبر د. مطر أن لا قيمة للتدريب المعجل دون شهادة رسمية من وزارة التربية تؤهل الطفل الذي يحملها للدخول بها على صاحب العمل ليحسِّن ظروفه، وهذه الشهادة تؤهله إمَّا للعودة إلى متابعة دراسته بعد تعديلها مهنياً، أو دخول التعليم المهني، ونحن نسعى لإدخال برامج مهنية مشتركة مع التعليم الأساسي خلافاً للتدريب المعجل الحديث النشأة.

* من يتحمل مسؤولية المشكلة؟
بدأ اليونسيف قبلنا في لبنان. أما نحن، فقد بدأنا منذ خمس سنوات. وترى د. مطر أن العنف في المدارس ومناهجها البالية وعدم تدريب المعلمين على كيفية التعاطي مع التلاميذ يجعلها مدارس طاردة، إذ لا يكفي أن يتخرج المعلم من كلية التربية. وتؤكد مطر أن السنوات الأربع الأخيرة تثبت أن عمل الأطفال مشكلة تتحمل مسؤوليتها الظروف الاقتصادية والسياسية في لبنان. أما في البلاد العربية، فالمناهج التربوية والعادات والتقاليد لها دور.

ـ هكذا نحفظ أبناءنا:
ومن المفارقات أن الطفل يستخدم الإنترنت لساعات بينما لا يعرف أستاذه كيفية استخدام الكمبيوتر. واعتبرت د. مطر أن قانون العمل الذي يسمح لسن 12 سنة وقبلها 9 سنوات بالعمل هو قانونٌ فرنسيٌّ قديم. وقد عملت منظمة العمل الدولية مع وزارة العمل على تحديثه على اعتبار سن 14 سنة مكتملة، هو سن الاستخدام الرسمي مع شروط صحية وأمنية ونفسية وأخلاقية. على وزارة العمل أن تبث مفتشين في كل المناطق للبحث عن الأطفال المعنفين والمضطهدين في أعمالهم لحمايتهم، ويؤمل منها أن تضع في خدمة هؤلاء الأطفال خطاً ساخناً يمكن أن يستخدمه الطفل أو أي أحد رآه يُظلم وذلك للتبليغ عنه، لكي لا يكون مصير هؤلاء الأطفال في نهاية الأمر الإصلاحيات الملحقة بالسجون. ويجب أن تتوقف عن النظر إليهم كلصوص. إنهم ضحايا تراكمات اقتصادية وسياسية والتدريب المعجل ممكن أن تستفيد منه الأسر بشكل أوسع، حيث يتدرب الأهل على أعمالٍ تناسب قدراتهم، قرض صغير، كشك للبيع يعمل فيه الأب المسن أو الأم أو الأخ الأكبر، ليعود الطفل إلى مدرسته، وصفه وكتابه..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع