إنَّ البلدان الإسلاميَّة ولا سيّما التي تمتلك الثروات
كإيران كانت موضع دراسة القوى العظمى، والسيّاح الذين قصدوا الشرق منذ حوالي
ثلاثمائة سنة كانوا مبعوثين سياسيين جاؤوا لدراسة البلدان الشرقيَّة!
* سدود في مواجهة المستعمرين
عندما أتى المستعمرون إلى إيران درسوا جميع المدن والقرى والثروات الطبيعيَّة دراسة
دقيقة، ورسموا الخرائط وحدّدوا الأماكن وما يفيدهم، وسجّلوا حولها الملاحظات. كذلك
فإنَّ بلدان الشرق كانت مسرح مطامع هؤلاء ودراستهم منذ ثلاثمائة سنة أو أكثر. لكنّ
المستعمرين وجدوا في البلاد الإسلاميَّة أمرين شكلا حائلاً وسدّاً أمامهم: الأوّل
هو أساس الإسلام، الذي إن طُبِّق كما هو، فسيقضي على المستعمرين! والآخر هو علماء
المسلمين فإن كانوا أقوياء لا يستطيع أولئك الاستغلال كما يحلو لهم! ولذلك مهّدوا
لتحطيم هذين السدّين بيد الشعب وبالدعاية التي قاموا بها منذ الأزمنة السابقة. ومن
الطبيعيِّ أنَّ المانع الآخر هو ثقافة المجتمعات. فقد درسوا ووجدوا أنَّه إذا كانت
ثقافة المجتمع ثقافة مستقلَّة وسليمة، سيبرز من بينهم سياسيون مستقلِّون وأمناء
وهذا ما يضرّهم. لذلك خطّطوا لتقويض هذه السدود الثلاثة!
* لا شأن للدين بالسياسة!
فيما يتعلَّق بالإسلام، أشاعوا أولاً أنَّ الإسلام رسالة ترتبط بالدعاء وبعلاقة
الناس بالخالق، ولا شأن للإسلام بالحكومة ولا بالسياسة! لقد رأوا أنَّ صلاة علماء
الدين والصلاة في الإسلام لا تضرّهم! فلا شأن لهم بالنفط. لذا ليصلّوا ما شاؤوا إلى
أن يتعبوا! وليدرسوا ويناظروا كيفما شاؤوا! ولا شأن لهم بتنفيذ السياسة
الاستعماريَّة في بلادهم. وقد بالغوا في إسماع الناس هذه الدعاية حتَّى اعتادوا
عليها تقريباً. ولا زال الاعتقاد بأنَّه ليس من شأن العلماء التدخل بالسياسة أو أن
يبحثوا عن وضع الحكومة وما يعمل هؤلاء الظلمة بالناس! قالوا لا علاقة للإسلام
بالسياسة! والسياسة مفصولة عن الدين! فالسياسة لهم والدين لنا! وقال من كان أكثر
جرأة: إنَّ الدين رجعي وجاء لتخدير الناس.
* الدعاية حول العلماء
كذلك بدأوا بالدعاية حول العلماء وطلبة العلوم الدينيَّة فقالوا إنَّهم أشخاص لا
عمل لهم إلاّ أخذ أموال الناس والعيش بها! وإنَّه جاء أصحاب القوى والأثرياء بهؤلاء
ليكونوا عاملاً في تخدير المجتمعات! بثُّوا الدعاية حول هذا الأمر إلى الدرجة التي
جعلت حتى بعض مثقفينا الذين لم يعلموا شيئاً عن القرآن والسنة (النبوية)، أن
يصدّقوا ذلك! فأخذوا يردّدون معهم تلك الأقوال!
* الإسلام حارب أصحاب القدرة
لقد بعث القرآن الناس من الخمود إلى الحركة، جعلهم يواجهون الطغاة. فقد واجه الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله -عندما كان في الحجاز- أصحاب القدرة. وعندما قدم المدينة
لم يكن مع الأثرياء لتخدير المجتمع! بل كان مع الفقراء لإيقاظهم! وقد أثار الفقراء
على الأغنياء الذين كانوا يبتلعون أموال الناس ويظلمونهم. إذاً فدعواهم بأنَّ هؤلاء
العلماء من صنائع أصحاب السلطة جيء بهم لتخدير الناس، ما هو إلا كلام استعماري.
وقاموا بذلك لصدّ المسلمين عن القرآن والإسلام وتقويض هذا السد! لقد كان علماء
الدين دائماً يعارضون أصحاب السلطة، فإذا رأيتم أحياناً شخصاً أو عدة أشخاص داهنوا
أصحاب السلطة فإنه إما منحرف وليس له علاقة بالإسلام، فالمدرسة (الإسلامية) ليست
هذه المدرسة! أو إنه يرى أن الظروف غير مؤاتية ليعمل بتلك الصورة.
* ثقافتنا ثقافة استعمارية!
لقد حطّموا هذين السدين عند المسلمين بالدعايات، وفصلوا الناس عن حقائق الإسلام وعن
علماء الدين المتحضّرين، ليستثمروا! إنهم قاموا بالدعاية، وعندما تحطّم السد، جاؤوا
وأخذوا النفط بكلِّ حرية دون أن يجرؤ أحد على الاحتجاج، ولم يعترض أحد! وقد حجروا
على ثقافتنا التي كانوا يرونها خطراً عليهم واستبدلوها بثقافة استعمارية! ولا توجد
اليوم ثقافة مستقلة برمجها عقلاء القوم، وهم يتدخَّلون فيها الآن أيضاً، فلا يسمحون
بتخريج طبيب حاذق ولا سياسي صالح! فالسياسيون الذين يعدّونهم لنا، هم أولئك الذين
ينفّذون الأعمال لصالح أميركا، وهذه هي ثقافتنا!
(*) مقتطف من خطاب ألقاه الإمام الخميني"قدس سره" حول دراسة الأجانب لعادات الشرقيين ونفسياتهم لاستعمارهم واستغلالهم في 15/10/1978.