يعرف أيضاً بالمسجد المعلّق لوقوعه وسط برك رأس العين وقيل مسجد رأس العين بتحريف العامة ويذكر أنه أقيم على أنقاض معبد وثني قديم بجوار نبع رأس العين في عام 61هـ وكان السبب الظاهر في بنائه - حسب رواية الابن شهر آشوب - أن الجند الأمويين لما حملوا الرأس الشريف
- (للإمام الحسين عليه السلام بعد مجزرة كربلاء - إلى دمشق مروا ببعلبك فاستقبلهم سكانها مهلّلين فرحين بقتل الخوارج، حيث أقام الجند في رأس العين لطلب الراحة، لكن السيدة زينب عليه السلام ابنة الإمام علي عليه السلام كشفت الحقيقة لأهل بعلبك وأخبرتهم أن الجند يحملون رؤوس القتلى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فثار أهل بعلبك على جند يزيد بن معاوية،
وعندما فشلوا في أخذ
رؤوس القتلى عبروا عن وفائهم ببناء مسجد في الموضع الذي نصبت فيه الرؤوس وأسموه
مسجد الحسين عليه السلام وكان آنذاك بسيطاً في بنائه متواضعاً في حجمه،
وبحكم موقعه الجميل جداً وسط روضة غنّاء قام السلطان الظاهر بيبرس البند قداري (658
- 676هـ) بتوسيعه وعمارته بشكله الحالي وقد تم ذلك على يد بلبان الرومي الداودار
الظاهري السعيدي عام (676هـ 1277م) وقد أشارت كتابة نقشت عند مدخل المسجد فنصت:
بسم الله الرحمن الرحيم
عمّر هذا المسجد المبارك العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى بلبان الرومي
الدوادار الظاهري السعيدي ابتغاء رضوان الله تعالى والقربة إليه ليكتسب الأجر
والثواب وهو ذخر له عند الله سبحانه وتعالى وكمل ذلك في شهور سنة ست وسبعين وستماية.
بمباشرة العبد الفقير إلى الله ابن حسن محمد الملكي الظاهري السعيدي ونظر الفقير
عباس.
وعلى واجهة المدخل نقشت الآية الكريمة بأسلوب جميل وخط رائع:
﴿إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ
الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن
يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين﴾
(التوبة/18).
وقد حافظ المدخل على
تماسكه فوقف معانداً للدهر وتقلبات الأيام. يبلغ ارتفاعه ستة أمتار يحمل عقداً
جميلاً تناسقت حجارته بأسلوب هندسي رائع.
وهناك كتابة أخرى نقش على يمين باب المسجد كلماتها متشابكة وهي عسرة القراءة عملت
الأيام على تشويهها تمنع التطاول على المسجد وأوقافه تاريخها 909هـ بأمر من الأمير
قانصو بن أحمد تقول: بسم الله الرحمن الرحيم بتاريخ ثامن المحرم سنة ثمان وتسعماية
أخذ الزكاة المتعينة لعمل الأوقاف مولانا أمير الأمراء(2) قانصوه بن أحمد... أعز
الله أنصاره بمنع...
من الجامع... الوقف...
المراسيم الشريفة(6) برزت بإعفائه من مغرم كشف الأوقاف فرسم باعتماده إلى المحكمة
الشريفة وعدم التعرض إلى جهات وقفه لا بعمارة(4) ولا مغرم كشف ولا طرح وإعفائه من
زكاة جباية كشف الأوقاف وأن ينقش ذلك على بلاطة فمن بدله(5) بعد ما سمعه فا(انما
اثمه) عـ(لى) الذين يبدلونه وعليه لعنة (الله والملائكة والناس أجمعين) وصلى الله
على سيدنا محمد والحمد لله وحده.
طول المسجد خمسون متراً وعرضه ثمانية وثلاثون متراً وفي داخله اثنان وعشرون عموداً
أقيمت بموازاة الجدران الأربعة على بعد خمسة أمتار وهكذا ويقسم المسجد إلى ثلاثة
مساجد لكل منها محراب، الجانب الشرقي محافظ على محرابه وقد ارتفع حوالي المتر من
مستوى الأرض حيث نقشت عليه كتابة أصبحت الآن مهشّمة لم يفهم معناها بعد.
يتوسط الجامع فسحة دار مربعة طول ضلعها أربعة وعشرون متراً كانت تحيطها أروقة
تحملها أعمدة لم يبق سوى القواعد الحجرية ويخترق الدار ساقية مياه جُرَّت إليه من
نبع رأس العين (البياضة) المجاور تمده بالماء الطهور.
المسجد الرئيسي هو الأمامي
فصل بجدار فيه ست قناطر وعرضه ثلاثة عشر متراً وارتفاعه ثمانية أمتار فيه محراب ضخم
عملت الظروف الطبيعية على تعريته وكان بجانبه منبر من الصخر لم يعد له أثر.
أما المسجدان الباقيان فهما من يمين الدار ويسارها بعرض خمسة أمتار وطول 24 متراً،
المحراب للجهة اليمنى ما زال موجوداً فيما اختفى المحراب للجهة اليسرى وقد استعيض
عنه بغرف جانبية لم يبقَ سوى أساساتها، وللجامع ست بوابات منحوتة ومزينة بشكل جميل
ومنمّقة بخطوط هندسية كتب عليها "علي".
الجامع والمئذنة خربان مع
أن للمسجد أحداثاً تاريخية مجيدة عز نظيرها فلا أثر للمئذنة سوى بعض الحجارة
المتفرقة هنا وهناك، وبالطبع كانت جميلة ومزخرفة لحسن الموقع والجوار عمل السيل
وتطاول الأهالي إلى طمسها ومحيها من الوجود وقد حرص القيّمون على أوقاف الجامع على
ترميمه بشكل متواضع حفظ جدرانه بعض الشيء إلا أنه لم يزل خرباً.
ووصفه عبد الغني النابلسي (1100هـ 168م) في رحلته الشهيرة "رحلة الإبريز إلى
البقاع العزيز" بقوله عند تلك العين في ذلك المسجد المعلق وهو الآن مكان خرب
يدور به الماء من جميع جوانبه بكرة وعشية ويقال أنه كان فيما مضى تكية للمولوية،
وقد وصفه الأمير حسن الخالدي بأبيات من الشعر:
لكعبة رأس العين حجوا تشاهدوا |
مقاماً من أهل الصفا صفوف |
بمرجتها لله بيت معلق حواليها |
يسعى ماؤها ويطوف |
وربما أطلق عليه المسجد المعلق لإحاطته بالماء.
شوقي الجامع نبع رأس العين الذي ينساب بين الصخور في بقعة جميلة حيث الهواء النقي
والمناظر الخلابة، وسط البركة حجر فيه أربع حنايا ارتكز على حجر دائري أسود وقد
نقشت عليه كتابات من جهاته الأربعة ترجع لأيام الملك السعيد بن الملك الظاهر عام
677.
"بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا العـ... (مولانا الملك السعيد ناصر الدنيا
والدين بركت قا ان قيم أمير المؤمنين خلد الله سلطانه وأعز الله تعالى أنصاره(2) بن
(الظاهر) بيبرس قدس الله روح بإشارة العبد الفقير (حسن بن) محمد الظاهري متولي قلعة
بعلبك المحروسة رسماً يومئذٍ وذلك بتاريخ مستهل ذي الحجة(6) عام سبع وسبعين وستماية".