مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الأعراف في مجتمعٍ متعدّد الطوائف

الشيخ أمين ترمس



تساهم الأعراف والعادات الاجتماعية مساهمة كبيرة في تحديد هُويّة أي مجتمع ورسم ملامحه، بل قد يتحوّل عرفٌ ما إلى نوعٍ من القانون، يحظر على أي شخص الخروج عنه أو التمرُّد عليه. علماً أنَّ بعض الأعراف والعادات لا يقبلها الشرع الإسلامي، ولا تنسجم مع قوانينه، ولا حتى تراعي الآداب العامة. فكان لا بدّ من وضع ضوابط ومعايير إسلامية للعمل بأيِّ عرف كان وفي أيِّ مجتمع وُجد. وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله في بداية تأسيسه لنظام الدولة الإسلامية، حيث أجاز بعض الأعراف التي هي قائمة على أسس عقلية، وليس فيها ظلم لأحد، وأبطل بعض تلك الأعراف التي رأى فيها ظلماً وحيفاً على جماعةٍ أو طبقةٍ من الناس، كما في التعاملات التجارية في الأسواق بين الناس، ومنها الربا، وكذلك في عقود الزواج، وحق المرأة في الإرث، والدية، وحقوق العبيد، وغير ذلك.

وبما أنَّ المجتمع الإسلامي يتمتع بالعديد من المؤهلات، ولديه من القوة والمناعة ما يحصّنه من كل دخيل فاسد، أو وافد كاسد، فلذلك لا يُخشى على المجتمعات الإسلامية إذا ما طبقت الشرع الإسلامي وأخذت بالتعاليم الإسلامية، وإنما الخشية على المجتمعات التي ظاهرها إسلامي، ولكنها لم تجسّد تعاليم الإسلام في واقعها وحياتها.

* أسباب غلبة الأعراف

إنَّ أي مجتمع إذا تعددت طوائفه ومذاهبه، ستتعدد فيه الأعراف، وتتنوع العادات، وستؤثر طائفة على أخرى، وتتغلب عادةٌ على سواها. وهنا تبرز أهمية الأصالة والاعتزاز بالمبدأ والاعتقاد والدين. فالمجتمع المتدين يرفض كلّ الأعراف والعادات التي لا تنسجم مع الدّين، وتصطدم بالشرع، ويعتبرها أعرافاً فاسدة وعاداتٍ باطلة. وأما لماذا يغلب عرف طائفة على أخرى؟ فإنه يمكن ردّ ذلك إلى عدة أسباب، أهمها:

الكثرة العدديّة: فإن الكثرة العددية عندما تمارس أمراً عرفياً، فإنه يغلب على المجتمع برمَّته، ويشيع بين الناس العمل به والالتزام بمقتضياته، ويُعد المخالف له شاذاً عن الآخرين، وخارجاً عليهم، مع أنه لم يخالف قانوناً ولم يخرق نظاماً.

النَّظرة الدُّونية: إن أفراد أي طائفة إذا كانوا ينظرون إلى طائفة أخرى على أساس أنها أفضل من طائفتهم، وأرقى، وأنها متحضّرة أكثر، فإنه من الطبيعيّ والحال هذه أن يتأثروا بأعراف الطائفة الأخرى، يأخذوا من عاداتهم، ويعملوا بتقاليدهم، ويتشبهوا بهم حتى يلحقوا بركبهم ويكونوا معهم ومثلهم في كل شيء. وما فعلهم هذا إلا انسجام مع نظرتهم الدّونية لأنفسهم والقومية لغيرهم، فهم لا يعتزون بتاريخهم، ولا يفخرون بماضيهم، ويلعنون أسلافهم، فلذا هم يحاولون أن يفرُّوا من ذلك الواقع المخجل إلى واقعٍ جديدٍ لا يوجد فيه ما يخرجهم.

الأنانية والانقياد إلى المصالح الخاصة: فإن الفرد في المجتمع المتنوع عندما يراعي مصلحته الخاصة فقط، من دون الالتفات إلى أبعاد الأمور، فحينئذٍ لا يجدُ حرجاً في ترك ما هو واجب شرعاً، أو فعل ما هو حرام شرعاً، كل ذلك انسجاماً مع مصلحته وأنانيته.

عوامل التحصين في المجتمع الإسلامي
يملك الإسلام وحدةً فكريةً وتشريعيةً وأخلاقيةً واضحةَ المعالم، متّحدة الأهداف، توفّر للإنسان المسلم رؤيةً واضحةً في مجالات الفكر والعمل وبناء الحياة، وتمكنه من التعامل بوعي رفيع وأصالة عالية مع كل أنشطة الحضارة ومظاهر الإبداع المدني الذي تصنعه العقول والجهود الإنسانية المبدعة. فبالإضافة إلى هذا كله توجد هناك قوى وأسيجة تحصينية تحمي المجتمع من أي غزوٍ خارجيٍ أو انهيارٍ داخليٍ قد تتعرّض له الحياة في المجتمع الإسلامي، فتعمل هذه القوى والضوابط على حفظ الفرد المسلم، والمجتمع، والدولة الإسلامية. وهذه العوامل هي عبارة عن قوى رادعة، وحراسة أمنية متيقظة، لها دور الصيانة والتنقيح في كافة المجالات، لأنها تملك قوة عملية، وصلاحيات قانونية واسعة، استمدتها من المبدأ الإسلامي باعتبارها الأدوات التنفيذية التي تقوم بدور التحصين والحماية. وأهم هذه العوامل اثنان:

الرأي العام الإسلامي ومسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يحتلّ الرأي العام في المجتمع الإسلامي مركزاً مهماً في الضغط والتأثير على حياة الأفراد والجماعات والمؤسسات الاجتماعية، وعلى السلطة ومؤسساتها وأجهزتها المختلفة، وبإمكانه أن يمارس دوراً كبيراً في حماية المجتمع والنهوض بأعباء حراسته. ومن هنا جعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد واجباً كفائياً على عموم المسلمين القادرين، حتى تكون المسؤولية جماعية، لا تسقط عن أحد من أفراد المجتمع إلا بعد أن تحقِّق أغراضها وأن تنجح مهّمتها الإصلاحية. وقد خاطب القرآن الكريم الأمة الإسلامية بقوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران: 104)، وقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران: 110). وواضح من خلال هذا التشريع أن الإسلام يريد تحصين المجتمع الإسلامي بسور من الحماية والرعاية.

العلماء والفقهاء
لقد شكَّل العلماء والفقهاء بعد عصر المعصومين عليهم السلام وزمن الغيبة الصغرى قوّة حضاريّة رادعة، وسدّاً منيعاً أمام تيارات الهدم والتخريب، استكمالاً للدور الذي نهض به النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام. فقاموا بشرح تعاليم الإسلام بشكلٍ لا لُبس فيه، وردوا الشبهات، ودافعوا عن حريمه، وذادوا عن حياضه، وفضحوا زيف بعض الأعراف التي ليست من الإسلام في شيء، فكانوا بحق حصون الإسلام كما ورد في حديث الإمام الكاظم عليه السلام: "..الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها" (1).

* أمثلة من أعرافنا
ومن الأمثلة على الأعراف السائدة في مجتمعنا، ما هو صحيح وشرعي، إلا أن العرف العام تأثر إلى حدّ ما بالأجواء المحيطة به مما انعكس سلباً عليه، ومنها ما هو فاسد وباطل إلا أن بعضهم يميل إليه ويرغب فيه.
1ـ مسألة تعدد الزوجات: فإن الإسلام أحلَّ ذلك بشروط، ولكن بعض الطوائف منعت ذلك بشكل مطلق، وانعكس هذا المنع على المجتمع الإسلامي عندنا بشيء من القَبول. ومهما كانت الأسباب والأعذار للمنع تبقى المسألة جائزةً شرعاً بالشروط المعتبرة.
2ـ مسألة الحجاب للمرأة: فإنه في التشريع الإسلامي واجب، بينما في عرف العديد من الطوائف غير واجب.
3ـ شرب الخمر: فإنه في التشريع الإسلامي من المحرمات التي لا خلاف فيها بين جميع المذاهب الإسلامية، بينما هو حلال ويُشجَّعُ عليه لدى العديد من الطوائف الأخرى.
4ـ الاحتفالات برأس السنة الميلادية: فإنها في بعض الطوائف تقام مصاحبة للعديد من المحرمات الشرعية، وبعض المسلمين يقيمها بما فيها من محرمات. وغير ذلك من الأمثلة التي لا تحصى في جميع المجتمعات. ونحن في الوقت الذي ندعو فيه إلى تحصين مجتمعنا من الأفكار والعادات والأعراف الفاسدة والدخيلة، ندعو إلى احترام أعراف وعادات الآخرين ومراعاة مشاعرهم مع الحفاظ على ما أمر به الشرع الحنيف.


(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص38.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع