تفخر بلدة جبشيت المجاهدة بضمها للعديد من المقامات لعلماء خلّدهم التاريخ ولأبطال
عظام كان شعارهم الموقف سلاح والمصافحة اعتراف، فكان أن امتزج العلم بدم الشهادة
والقول بالفعل فكانت أمتنا خير أمة أخرجت لناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فمن
مقام الشيخ راغب إلى مقام الشيخ الكفعمي درب عظيم بقادته وعلمائه.
يقع مقام الكفعمي على هضبة مرتفعة في خراج البلدة تعرف بخرائب "كفرعيما" والتي يُنسب إليها هذا العالم الجليل. والشيخ الكفعمي هو الشيخ الجليل تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي الكفعمي ولد سنة. 840هـ من قرية كفرعيما المحاذية لبلدة جبشيت من جهة الشرق والتي اندثرت معالمها وطمست مواقعها بمرور الزمن حيث كان يشاهد فيها أضرحة كثيرة حتى زمن قريب، وقد وصف الشيخ نفسه في آخر المصباح بقوله أنه الكفعمي مولداً واللويزي محتداً والجبعي أبو الحارثي نسباً التقي لقباً الأمامي مذهباً وتفسير ذلك أنه ولد ببلدة كفرعيما وأن أصل آبائه من بلدة اللويزة من قرى إقليم التفاح وكانوا قد سكنوا بلدة "جباع" الخصبة وأن نسبه يعود إلى الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة ولسلام وأما لفظة كفعمي فمردها إلى نسبة العالم إلى كفر عيما كما يقال في النسبة إلى عبد الدار "عبد ربي" وإلى حصن كيفا حصكف وإلى عبد شمس عبشمي.
وكان الشيخ الكفعمي ثقة
فاضلاً أديباً شاعراً عابداً زاهداً وربما لم يرَ مثله في عصره في سعة الحفظ والجرح
وقد عده المؤرخون من مشاهد الفضلاء والمحدثين، توسط الفترة الزمنية بين
بعد التحقيقات المختصرة التي قدمناها والتي استهدفنا منها تسليط الضوء على مقامات
الأنبياء والأولياء والصالحين، ارتأى الأخوة في مؤسسة جهاد البناء ودائرة الآثار
إضافة بعض ما عندهم على هذا الصعيد وهم مشكورون مأجورون.. فإلى قرّاء المجلة تلكم
التحقيقات والتي ستكون عبر حلقات.
الشهيد الأول والشهيد
الثاني وله تصانيف كثيرة ومؤلفات عدة في جميع أنواع العلوم، والآداب والتاريخ
والفقه والأصول والأدعية، سكن كربلاء برهة من الزمن وتردد على المشهد الغروي على
مشرفه السلام في النجف وأقام به مدة تعرف خلالها إلى مكتباته حيث ألّف الكتب
المعتبرة والجليلة ومن أحسنها وصفاً وترتيباً وأجودها جمعاً وتهذيباً كتاب "جنة
الأمان الوافية وجنة الإيمان الباقية"، المشتهر بالمصباح وكتاب "البلد الأمين
والدرع الحصين"، "المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى"، "نهاية الأرب في أمثال
العرب"، "قراضة النصير في التفسير"، "صفوة الصفات في شرح دعاء السمات"، "لمع البرق
في معرفة الفرق"، المنتقى في العوذ والرقى "زهر الربيع في شواهد البديع"، "حياة
الأرواح ومشكاة الصباح"، "تاريخ وفيات العلماء".
إلى جانب الكثير من الرسائل والتعليقات الهامة والخطب النادرة الرائعة والأشعار
والأراجيز.
أما وفاته فكانت عام 900 للهجرة وكان قد سكن كربلاء حيث روي عنه أنه احتفر لنفسه
قبراً هناك بأرض تسمى عقيراً فقال في ذلك وهو يوصي أهله وإخوانه بدفنه فيه:
سألتكم بالله أن تدفنوني |
إذا مت في قبر بأرض عقير |
فإني به جار الشهيد بكربلا |
سليل رسول الله خير مجير |
فإني به في حفرتي غير خائف |
بلا مرية من منكر ونكير |
أمنت به في موقفي وقيامتي |
إذا الناس خافوا من لظى وسعير |
فإني رأيت العرب تحمي نزيلها |
وتمنعه من أن يصاب بضير |
فكيف بسبط المصطفى أن يرد من |
بحائره تاه بغير نصير |
وعارٌ على حامي الحمى وهو في الحمى |
إذا ضلَّ في البيدا عقال بعير |
بيد أن المنية وافته وهو في جبل عامل حيث دفن ببلدته
"كفعيما" وكان أن خربت فيما بعد واندثرت فاختفى القبر بما تراكم عليه من التراب ولم
يزل مستوراً إلى ما بعد المائة الحادية عشرة للهجرة حيث ظهر عند حرث تلك الأرض
فأفصحت عنه بلاطة صخري توسطتها كتابة تشير إلى أن هذا قبر الشيخ إبراهيم بن علي
الكفعمي رحمه الله. ومنذ ذلك الحين عمر المقام وصار مزاراً يتبرك به الناس. وقد رمم
المشهد مراراً عدة وهو يتألف من غرفة صغيرة مثمنة الأضلاع ويتوسطها الضريح الشريف
وعليه لوحة من الرخام وضعت حديثاً تشير إلى أن هذا ضريح ثقة الإسلام المقدس الشيخ
إبراهيم الكفعمي المولود (840هـ 900هـ) (أي 1456 ـ 1494م).
ويقدم شاهد عند رأس الضريح
من الحجر الطبشوري الأبيض كتبت عليها أبيات من الشعر قد طمسها الزمن وعفّت عليها
السنون.
وبأمثال هذا العالم الجليل تتب صفحات عزّ من تاريخ هذه الأمة تُنشد الحقيقة وتعرف
النبوغ والتألق والإبداع، وهذا غيض من فيض وقليل من كثير مما تزخر فيه هذه الشواهد
العظيمة.