نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فقه الشعائر الحسينية


الشيخ إسماعيل حريري (*)


كانت وما تزال الشعائر الحسينيّة المباركة محلّ اهتمام ومتابعة جادّة من المهتمّين في كلّ تفاصيلها وحيثيّاتها، وما ترتكز عليه من مستندات شرعية، وما تكتنزه من معانٍ ولائيّة عند مَن يمارسها ومَن يعتقد بها، وما تتركه من آثار نفسية ومعنوية كبيرة، يُحسد عليها كلّ مَن رأى تلك الآثار أو لمس شيئاً منها عند الموالي والمحبّ.


* الشعائر ارتباط قلبيّ ومعنويّ
لأنّ هذه الشعائر تمثّل حالة شديدة من حالات الارتباط القلبيّ والمعنويّ بصاحبها سيّد الشهداء عليه السلام فلا بدّ أن يُؤتى بها صحيحة سليمة خالية من أيّ شائبة من شوائب اللاشرعية أو اللاأخلاقية، فضلاً عن تلك التي توجب توهيناً بصاحبها أو بمذهب أهل البيت عليهم السلام.

فكما إنّ المحبّ والموالـــي لا يستغنـــي عن ممارسة شعيرة من شعائر أبي عبد الله الحسين عليه السلام لا لأنّها من مصاديق (ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب) فحسب، ولا لأنّ فيها طاعة لله تعالى ورسوله وأئمة أهل بيته الأطهار فقط، بل لأنّها أيضاً تعطي هذا الإنسان دفعاً معنوياً قوياً في حياته تجعله يرى بوضوح كيف يسير، وأيّ الطرق يسلك إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، فكذلك ينبغي أن لا يستغني عن ممارستها على الوجه الشرعيّ الذي يريده الله تعالى كي تكون مقبولة عنده ومرضيّة لديه.

* الأحكام من خلال الروايات
وسنحاول في هذه المقالة أن نتعرّض لأحكام أهمّ تلك الشعائر من خلال الروايات الشريفة وكلمات الفقهاء.
من أهمّ الشعائر الحسينية التي تُذكر: إقامة مجالس العزاء، اللطم، زيارة المقامات، الإمساك يوم العاشر، إظهار الجزع والحزن، الآداب المعنويّة والنفسيّة لاستماع العزاء، والبكاء.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الشعائر التي قام الدليل الشرعيّ الخاصّ أو العامّ على مشروعيّتها، بل على استحباب بعضها، قد ثبت لها من الأجر والثواب ما يجعل المرء يُقدم عليها بكلّ لهفة ورغبة في ذلك، وإن كان يكفي الموالي والمحبّ أنّها مطلوبة لله تعالى وإقامتها من تعظيم شعائره جلّ وعلا.

1- إقامة مجالس العزاء:
لا سيّما في العشر الأوائل من شهر محرّم الحرام، كما جرت العادة عند محبّي وأتباع أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وله الفضل الكبير والثواب الجزيل حيث ورد الحثّ عليه في الروايات الشريفة ولو بشكل عامّ، ففي الخبر عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال لأحد أصحابه ويُدعى الفضيل: "تجلسون وتتحدثون؟ فقال: نعم، فقال: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل، من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"(1).

2- اللّطم:
هو من الأفعــــال الشائعـــة التي يؤتـــى بها عند المصاب عموماً. وقيل في معناه إنّه ضربك الخدّ وصفحة الجسم ببسط اليد، وقيل هو الضـــرب على الوجه بباطن الراحة(2).
اختلف الفقهــــاء في حُرمة لطم الوجه والخدّ في المصاب ما بين قائل بالحرمــــة كصــاحب العُروة (السيّد الخوئيّ قدس سره) وغيره، وبين قائل بالكراهة(3).
إلّا أنّهم اتّفقوا على جوازه بلا كراهـــة في مصاب سيّد الشهداء عليه السلام لما رواه الشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور"(4). ولا شكّ أنّ اللّطم هو من مصاديق الجزع على سيّد الشهداء عليه السلام.
فاللّطم على الصدور، بل على الوجوه لمصاب سيّد الشهداء عليه السلام إذا صدر من صاحبه حزناً وتأسفاً كان أمراً راجحاً شرعاً، بل يؤجر عليه فاعله في هذه الحال، وهو ما ظهر واضحاً في بعض استفتاءات الإمام الخامنئي دام ظله(5)، وفي استفتاء آخر:

س: ما حكم لطم النساء على الأوجه والصدور في العزاء على الميت؟ وفي عزاء أبي عبد الله عليه السلام؟
ج: لا يجوز لطم الوجه في عزاء الميّت، ولا بأس به في رثاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام(6).

3- إظهار الجزع والحزن:
الجزع هو نقيض الصبر، وهو الضعف عمّا نزل به، وقيل: هو أشدّ الحزن الذي يمنع الانسان ويصرفه عمّا هو بصدده ويقطعه عنه...(7)، وقد حكم الفقهاء بكراهة الجزع ما لم يكن مقروناً بعدم الرضى بقضاء الله تعالى وإلّا كان حراماً(8).
نعم في الجزع على مصاب سيّد الشهداء عليه السلام لا كراهة ولا نهي أبداً بل حثّ وأجر كما في رواية الإمام الصادق عليه السلام المتقدّمة، وفي رواية مسمع بن عبد الملك قال: "قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ... أما تذكر ما صُنع به -يعني الحسين عليه السلام-؟ قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: أي والله وأستعبر بذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي. فقال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا..."(9).

وقد ذكرنا أنّ من مصاديق الجزع اللطم وكذلك البكاء والتأثر البادي على الوجه، وإظهار الحزن بنحو لافت. وقد تقدّم تفسير الجزع بأنّه أشدّ الحزن.

4- الإمساك يوم العاشر من المحرّم:
وردت الكراهة في صوم اليوم العاشر (عاشوراء) من المحرّم صوماً شرعياً(10)، وحكموا باستحباب الإمساك فيه إلى العصر حزناً. وقد ورد في خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام يسأله عن صوم يوم عاشوراء فقال عليه السلام: "صُمه من غير تبييت، وأفطر من غير تشميت، ولا تجعله صوماً كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله وانكشفت الملحمة عنهم"(11).

5- زيارة سيّد الشهداء عليه السلام:
وهذه من أهمّ الشعائر التي أُمرنا بإتيانها مراراً وتكراراً. والأخبار في زيارته عليه السلام فوق حدّ التواتر وإليك بعضها:
- خبر عبـــد الرحمـــن بن كثيــر عن أبــي عبــد الله الصادق عليه السلام: "لو أنّ أحدكم حجّ دهره ولم يزر الحسين عليه السلام لكان تاركاً حقاً من حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم"(12).

وتستحبّ زيارته ماشياً كما في أخبار كثيرة منها: خبر أبي الصامت قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة"(13).

6- الآداب النفسيّة والمعنويّة لاستماع العزاء:
هناك آداب كثيرة تُذكر ينبغي لمستمع العزاء أن يلتزم بها، حيث إنّ هذه المجالس يحبها الله ورسوله والأئمّة الأطهار عليهم السلام أجمعين، وبالتزامها يحصّل المستمع فوائد جمّة هي:
أ- أنْ تكون النيّة هي قصد التقرّب إلى الله تعالى في حضور هذه المجالس والاستماع اليها.

ب- توقير هذه المجالس، لأنّ في توقيرها توقيراً لصاحبها وهو سيّد الشهداء عليه السلام، ويكون ذلك بالالتزام ببعض الآداب منها:
- التسمية عند دخول المجلس، ذلك أنّه يدخل إلى مكان تحفّه الملائكة وتحضر فيه.
- أن يكون على طهارة، فإنّ ذلك مستحبّ على كلّ حال، فكيف إذا كان ذلك في تلك المجالس التي يحبّها الله ورسوله؟
- ذكر الله تعالى قبل الابتداء بالمجلس، وعدم التلهّي بفضول الكلام.

ج- الاستعداد النفسيّ قبل الدخول إلى المجلس، فيُستحسن الاستغفار وذكر الله كثيراً، والصلاة على النبيّ وآله الطاهرين، والتهيّؤ النفسيّ لتلقّي النفحات الإلهيّة والبركات الحسينيّة.

د- إذا كان الخطيب الحسينيّ يتحدّث فينبغي الإصغاء إلى حديثه للاستفادة منه في مسيرة الإنسان في الدنيا تغييراً وإصلاحاً، والتأمّل في ما يُقال لا في من يقول فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال"(14).

هـ- إنّ الدخول في أجواء مجلس العزاء والتركيز والتأمل تجعل المستمع يتأثّر، والتأثّر يُترجم بكاءً ولطماً وندباً وغير ذلك من مظاهر الحزن والجزع. ولو لم يحصل ذلك فليتباكَ ولو تظاهراً بالحزن والتأسّف والجزع. وممّا يساعده على ذلك محاولة تخيّل تلك الوقائع التي يذكرها الخطيب فهي وقائع مؤلمة ومفجعة تُدمي كلّ قلب وتدرّ كلّ دمعة.

و- أنْ ينصرف المستمع بعد انتهاء المجلس إلى الدعاء بحاجاته فإنّ فيه الإجابة ببركة صاحب هذه المجالس، فمجلس العزاء هو قبّة الحسين عليه السلام التي يُقبل الدعاء تحتها على حدّ تعبير الشيخ التستري رحمه الله.

ز- إظهار الحداد بما يتناسب مع مجلس العزاء لا سيّما ارتداء السواد. وقد حكم كثير من الفقهاء باستحباب لبس السواد في مأتم سيّد الشهداء عليه السلام، وصنّف بعضهم رسائل خاصة في رجحان أو استحباب لبس السواد في مصابه.

وفي بعض استفتاءات الإمام الخامنئي دام ظله: "لبس السواد مكروه إلّا في ليالي وأيّام وفيّات المعصومين عليهم السلام فلا تثبت الكراهة فيها"(15).


(*) أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، فرع لبنان.
1. الوسائل، الحرّ العاملي، ص501.
2. لسان العرب، ابن منظور، ج12 ص283 و284.
3. العروة الوثقى، السيد الخوئي، ج1 ص448.
4. كامل الزيارات، ابن قولويه، ص202.
5.أجوبة الاستفتاءات، ج1 ص70 س241.
6. من أرشيف مكتب الوكيل الشرعي.
7. تاج العروس، الزبيدي، ج11 ص63 و66.
8. العروة الوثقى، (م.س)، ص448.
9. كامل الزيارات، (م.س)، ص204.
10. العروة الوثقى، ج2 ص242، مع عشر من تعليقات المراجع العظام.
11. مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج7 ص542 و545.
12. الوسائل، ج14 ص428.
13. (م.ن)، ص440.
14. شـــــرح مائــــة كلمــــة لأميـــر المؤمنين عليه السلام، ص68.
15. من أرشيف مكتب الوكيل الشرعي.





 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع