مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مؤمن...مع وقف التنفيذ!

تحقيق: نقاء شيت


"الإيمان بالقلب". كثيراً ما نسمع هذه الجملة من شابّ أو فتاة، تعليقاً على تقصيرهما في أداء إحدى الفرائض والواجبات الدينية، أو ردّاً على سؤال: "لمَ لا تصلّي؟" أو "لمَ لا تتحجبين؟". والسبب إغلاق الباب على نفسيهما، بأنّهما مؤمنان ولكن مع إيقاف التنفيذ.

هذه الظاهرة تنعكس جليّاً في أيامنا؛ إذ نجد تفاوتاً في معايير الالتزام لدى الفرد ما بين الظاهر والباطن. فهناك من يظهر التزامه بأشكالٍ عديدةٍ، وهناك من يخفي التزامه، وهناك من لا يلتزم بالأحكام الدينية في مظهره ويتعذّر بالقول إنّ الإيمان في القلب لا في الأفعال.

في هذا التحقيق نحاول البحث عن إجابة السؤال: ما هي علاقة تصرفاتنا (الظاهر) بقلوبنا وحقيقتنا (الباطن)؟ وهل يجب أن ينسجما؟ هل مقولة "الإيمان بالقلب" تكفي أم نعدّل المقولة لتكون "الإيمان في القلب وشرطه العمل الموافق"؟

*ما علاقة الظاهر بالباطن؟
سألنا مجموعةً من الناس: إذا قام أحد المقرّبين منك بتجاهل كلامك في معظم المسائل الأساسيّة بعد إيضاحها له تماماً، كيف تفسّر هذا التصرف؟ هل ستصدّقه إنْ أخبرك أنّه يحترمك كثيراً، وأنّ الاحترام محلّه القلب؟ هل تصدّق من يهمل نظافته الشخصية وتحيط به القاذورات بأنّه يهتم بالنظافة كثيراً، لكنه لا يجد ضرورة لتظهر آثار النظافة عليه؟!

كانت تلك الأسئلة صادمة، فالجميع يعتقد ويعلم أنّ هناك صلة وثيقة بين الظاهر والباطن، وكما يقول المثل "كلّ إناءٍ بما فيه ينضح" و"المكتوب يظهر من عنوانه" فما يخفيه القلب سوف يظهر إلى العلن، لأنّ تصرّفاتنا ليست سوى نتاج ما نضمر وما نشعر، وما نحن نؤمن به ونقتنع.

وبعد اتّفاق الإجابات على ضرورة توافق القلب مع العمل، أتينا إلى الهدف الأساس وهو سؤالنا: إذاً، لماذا لست محجبة؟ لماذا لا تصلّين؟ لماذا لا تصومُ؟ وغيرها من الأسئلة لمن يقول: "الإيمان بالقلب" أو "لم أقتنع بالحجاب" أو "لا أجد ضرورة للصلاة فهي لا تؤثّر على إيماني". فواجهناهم بأجوبتهم السابقة التي تلتزم بوجود توافق شعور القلب مع العمل، حينها كانت إجابتهم: الأمران مختلفان، الدين شيء وباقي الأمور شيءٌ آخر.

*أسباب التناقض
لمعرفة أسباب هذا التناقض، كان لا بدّ من عرض المشكلة على متخصّصٍ تربويٍّ، فكان لـ"بقية الله" حديثٌ مع الدكتورة التربوية نانسي الموسوي التي أعادت أساس تصرّفات الإنسان إلى طفولته. فعندما لا تترسّخ هذه القيم الدينيّة في الذهن بطريقةٍ صحيحةٍ منذ الطفولة، فلن تنعكس على تصرّفاته عندما يكبر. كما يجب على من يربّي الطفل على هذه القيم تطبيقها أمامه بكل دقّة. فعندما نريد تعليم الطفل الصدق، يجب أن لا نكذب أمامه؛ كي لا يصبح الصدق مجرد شعار، لا يطبّقه على حياته اليومية.

وبالحديث عن موقف الدين من حالة التناقض هذه، يجيب فضيلة الشيخ محمد الحمود على مقولة: "الإيمان بالقلب" بقول الإمام الصادق عليه السلام الذي أكد فيه على التلازم بين القول والعمل في تحقّق مفهوم الإيمان، عندما قال: "ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال"؛ فلا إيمان دون عمل.

*الاستصراحات والأجوبة
كمحاولة لتفسير مشكلة كل حالة، لا بدّ أن نسأل: لماذا يحتجز الإنسان إيمانه في قلبه ولا يظهر في حياته؟ والسؤال سيشمل بعض الآراء لنحاول تفسير المشكلة وحقيقتها.

1- حجاب دون صلاة وواجبات

نلاحظ أنّ هناك بعض الفتيات اللواتي يتحجّبن لمجرد إرضاء المجتمع دون الالتزام بأداء كامل الفرائض الدينيّة كالصلاة والصوم.

فسّرت د. نانسي هذه الحالات، بأنّ كل إنسان لديه حاجة إلى الانتماء، لذلك عندما تعيش الفتاة في مجتمع تسوده مظاهر الالتزام الدينيّ، ترى أنّ عليها لزاماً أن ترتدي الحجاب لتكون مقبولةً في مجتمعها. وعندما لا تكون هذه القيم متّبعة بشكلٍ صحيحٍ ضمن هذا المجتمع فلن يتمكّن، بالتالي، من احتواء مثل هؤلاء الأشخاص والتعامل معهم لإقناعهم بالمبادئ الدينيّة.

وترى الدكتورة نانسي أنّه يجب ترسيخ "حبّ الله" عند الأطفال، فنقول للطفل: "قل الصدق ليحبّك الله، ليكافئك، ليعطيك ما تريد"، عوضاً عن قول: "لا تكذب؛ لأن الله سيضعك في النار"!! فأسلوب تخويف الطفل من الله، سينفّره من الدين والالتزام، وحتى إذا كان يؤدي واجباته الدينية، سيكون ذلك من منطلق الخوف من العقاب، وليس من باب حبّ الله وطاعته. "عندما يحبّ الإنسان شخصاً يفعل كل شيء لإرضائه، فكيف إذا أحبّ الله؟"، تكمل الدكتورة نانسي.

2- عبادات تقيّد الحرية!

هناك من يقول: إنّ الحجاب يحدّ من حرية المرأة. فتعطي الدكتورة نانسي مثالاً عن سيدة كانت في أحد المحافل الدولية وسألوها ليحرجوها: "لماذا ترتدين الحجاب وهو من مظاهر التخلّف، وأنت على هذا المستوى من التقدّم الفكريّ؟". أجابت بكل ثقة: "الإنسان عندما خُلق لم يكن يرتدي ثياباً، ومن ثم صار يصنع ما يغطي به جسده من أوراق الأشجار، وبعدها بدأ يصنع القماش والثياب، ومع تطور الإنسان صار يغطي جسده أكثر فأكثر، وعليه فإنّ التستّر ليس تخلفاً بل هو دليلٌ على الرقيّ والتحضّر، والتخلف هو أن نعود إلى حياة الإنسان البدائية".

3- لست مقتنعاً بالواجبات

سامر (24 عاماً) يقول: "أنا لا أصوم؛ لأنّني لا أرى ضرورة لذلك.. لست مقتنعاً بكل تعاليم الدين، من صلاة وصوم وغيرهما، يكفي أنني أحبّ الله وأستطيع أن أصل إليه من خلال أخلاقي وعلمي".

بحسب د. نانسي الموسوي: "تحتاج هذه الحالات إلى توضيح العلاقة بين الأصل في الإيمان وبين الالتزام بالقوانين. مثلاً: إذا ما أردت أن تشيّد بناءً، هل يمكنك إلغاء أحد أساساته أو أعمدته لمجرّد أنّك لم تقتنع بضرورة وجودها، على الرغم من أن أصحاب الخبرة في هذا المجال هم من وضعوها؟ بالطبع لن تفعل، فعليك تطبيق الخريطة الهندسيّة بكل تفاصيلها. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدين، عندما تريد بناء شخصيّة دينيّة ملتزمة، عليك التقيّد بكل قواعدها لتُبنى على أسسٍ صحيحةٍ وإلّا ستنهار بعد فترة".

كذلك يضيف الشيخ الحمود: "ليس بالضرورة أن يعرف الإنسان دوماً الحكمة الإلهية من التكليف، فقد تقتضي الحكمة تكليف الإنسان ببعض الوظائف الشرعية على وجه التعبّد من دون معرفة العلة في أصل التشريع، لذا ينبغي التعامل مع أوامر خالقه بالامتثال والطاعة، ولا يسأل لِمَ هذا الحكم كان هكذا. فالله ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء: 23).

4- الله غنيّ عن عبادتنا فلا حاجة إليها

سهى (25 عاماً): إنّ الله تعالى لا يحتاج إلى عبادتنا، فهو غنيّ عنّا.. وأرى أنّ العبادة والالتزام بهذه الأمور الشكليّة هي صالحة لزمن معيّن غير عصرنا، الذي تطوّر فيه إدراك الإنسان لله.

يجيب الشيخ الحمود بالقول: إنّ العبادة ليست من أجل الله سبحانه، وإنّ طاعتنا لا تنفعه، كما إنّ عصياننا لا يضرّه. وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بقوله: "إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه"(1).

كما يؤكّد أنّ التعامل مع أوامر الله تعالى ينبغي أن يكون بالامتثال والطاعة أولاً؛ لأنهما فرع الإيمان بالله، فإذا آمنت به أولاً فإنك ستطيعه.

5- لن أستفيد شيئاً من العبادة

باسل (27 عاماً): لماذا أعبد الله وأصلي وأصوم وهو لم يعطني شيئاً يفرحني، وما من دعاء استجابه لي؟!

على هذا الكلام يجيب الشيخ الحمود فيقول: "إن العبادة ليست مسألة مزاجيّة، تخضع لميزان الإنسان ولما يناله ويبتغيه من أمور الحياة من الله تعالى ولا يصل إليه. كلا، هناك أمور قد يحجبها الله عن الإنسان لمنفعة تعود عليه، كما ورد في الحديثٍ القدسي أنّ الله تعالى قال: "يا ابن آدم، تسألني فأمنعك، لعلمي بما ينفعك". فلربما كان ما يظنه خيراً هو شرّ في الواقع، وربما كان ما يظنه شراً، هو خير في الواقع. وليس لك عندها إلّا التسليم بالأمر وقبوله كما ورد في الدعاء: "فإنْ أبطأ عنّي عتَبت بجهلي عليك، ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور". قال الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة: 216).

*تقديم قدوة دينية... من واقعنا
تختم الدكتورة نانسي بضرورة تقديم نماذج فرديّة عن أشخاص ملتزمين، كيف ساعدهم الدين في بناء شخصيّاتهم وإثبات وجودهم، ولم يقيّدهم أو يحدّ من حريتهم. وتشير إلى الحديث عن أهل البيت عليهم السلام كأنموذج، مع الأطفال والناشئة، ولكن من المهمّ أيضاً أن نأخذ أنموذجاً ملموساً من حياتهم العاديّة يمكنهم مشاهدته والتعرف إليه، فيرى الطفل كيف أنّ الدين أثّر إيجاباً على حياة هذا الإنسان ولم يؤثر سلباً.

في الختام: إنّ الدين لم يكن يوماً ليقيّد حرية الإنسان، بل كان دائماً المساهم الأول في بناء الشخصيّة السويّة القويّة وفي تأمين الانسجام بين القلب والعقل وتنمية الروح.. فالدين حياة والقرآن بكلّ ما فيه هو دستورٌ لتلك الحياة.

وأفضل تشبيه ما يُنقل عن الشهيد مرتضى مطهري قدس سره: "الإيمان في القلب مثل وضع قطع السكر في كوب الشاي، سيبقى مرّ الطعم حتى نقوم بتحريكه ليسري طعم السكر فيه"، فإذا لم يُحرَّك الإيمان ليطابق مشاعر القلب لن يكون لوجوده في القلب أهمية.


1- نهج البلاغة، ج2، ص160.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع