مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من معين الولاية: أحكام المنافع العامة

الشيخ محمد توفيق المقداد


الإنسان مخلوق اجتماعي بالطبع كما يقول علماء الفلسفة والاجتماع، ومعنى هذا الكلام أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، بل لا بد أن يكون جزءاً من مجموعة صغيرة كانت أو كبيرة حتى يتفاعل معها، فيعطيها ما عنده مما تحتاج إليه، وتعطيه ما يحتاج إليه، ومن هنا يحصل التفاعل والتكامل بين حركة الأفراد في المجتمع البشري من حيث تأمين احتياجاتهم الخاصة والضرورية لمعاشهم كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن وما شابه ذلك مما لا بد منه للاستمرار، لأن مقومات الحياة الأساسية هذه لها نفس قيمة الحياة لأنه بدونها لا استمرار للإنسان في هذه الدنيا.

ومما لا شك فيه أيضاً أن للحياة الاجتماعية قسماً آخر من الاحتياجات التي تعود منفعتها إلى جميع أفراد المجتمع ولا تختص بفئة دون أخرى، بل هي للجميع بحيث يأخذ كل فرد حاجته منها التي تؤدي الغرض الذي يريده منها وهذه الاحتياجات هي التي نسميها بـ"المنافع العامة" أو "المصالح المشتركة". ونتيجة لتطور الحياة الاجتماعية وتطور الإنتاج العلمي والصناعي والتقني دخلت عناوين تفصيلية تحت العنوان الكبير وهو "المنافع العامة" بحيث اتسعت دائرة هذا العنوان ليشمل الكثير من التفاصيل التي لم تكن معهودة في العصور السابقة كما سوف نبين لاحقاً.

وهذه"المنافع العامة" غالباً ما تقوم الدولة بتأمينها لأن كل فرد من أفراد المجتمع قد يصعب عليه تأمين هذه المنافع بمفرده لأنها تحتاج إلى الوقت والجهد، وإلى الإمكانات المالية الضخمة، وغالبية الأفراد غير مؤهلة لذلك، أو قد يقوم بتأمين هذه المنافع جهات غير الدولة كالشركات الكبرى أو المتمولين الكبار بالتنسيق مع الدولة في هذا المجال لتأمين هذه المنافع لسائر أبناء المجتمع. ومن الواضح أن أفراد المجتمع عندما يأخذ كل واحد منهم حاجته من تلك المنافع لا بد أن يدفع ثمن ما يستهلكه منها لضمان استمرار انتفاعه منها، لأن تأمين منفعة عامة للمجتمع يحتاج إلى صرف موارد مالية ضخمة عادة، ويحتاج إلى موظفين لإدارتها وصيانتها لتبقى صالحة لتزويد الناس بنتاجها الذي هو مورد حاجة الناس. والمنافع العامة عنوان يشمل كل ما تحتاجه الناس ولا يقدر كل فرد على حدة على تأمينه ويشمل في عصرنا الماء والكهرباء والطرقات والمدارس والمستشفيات والمنتزهات العامة ووسائل الاتصال والمواصلات وما أشبه ذلك.

وميزة هذه المنافع أنها القاسم المشترك بين كل شعوب العالم مهما كان نوع النظام الذي يحكمهم، فسواء كان النظام إسلامياً أو غير إسلامي، وسواء كان عادلاً أو لم يكن عادلاً، وسواء كان ملكياً أو غير ملكي، وديكتاتورياً كان أو غير ديكتاتوري، فإن الناس في أي نظام من هذه الأنظمة هي بحاجة إلى هذه المنافع العامة لأنها صارت جزءاً لا يتجزأ من احتياجاتها اليومية التي لا تقدر على الاستغناء عنها، لأن هناك خللاً كبيراً سوف يحصل على حياة أي فرد لا يكون مستفيداً ومنتفعاً منها بمقدار حاجته.

ولا بد من الإشارة هنا قبل بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالمنافع العامة من توضيح نقطة هامة جداً هي محل التباس وفهم خاطى‏ء عند الكثير من الناس وهي "أن مال الدولة حلال"، والتوضيح هو الآتي (إن هذه المقولة كانت موجودة عندما كان الحاكم في بلادنا الإسلامية يحكم على أنه خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وأنه ينوب عن النبي صلى الله عليه وآله في إدارة أمور المسلمين، وبما أن هذا الأمر من منظارنا العقائدي ليس صحيحاً لأن النبي صلى الله عليه وآله نصَّ على إمامة علي عليه السلام وأبنائه من بعده، فكنا نعتبر أن منصب الخلافة لم يكن شرعياً من جانب السلطات والحكام الذي تسلموا قيادة المجتمع الإسلامي خصوصاً بعد انتهاء عصر الخلفاء الأربعة حيث تم اغتصاب الخلافة وتحويلها إلى ملك دنيوي ومنصب وراثي لا أصل له في العقيدة الإسلامية، لأن الحاكم من المفترض فيه أن يكون متصفاً بالمواصفات التي اشترطها الإسلام في الحاكم وجلُّهم إن لم يكن كلهم كانوا فاقدين لتلك المواصفات والشروط الشرعية، ومن هنا كنا نعتبرهم غاصبين للسلطة من أهلها أو المؤهلين لها، وأن حكمهم للمسلمين فاقد للشرعية ولبراءة الذمة أمام اللَّه والأمة).

ومن هنا كان عدم دفع الضرائب لهم عند القدرة على الامتناع هو لمنع أولئك الحكام من تثبيت ملكهم وحكمهم لأن المطلوب هو إضعاف سلطتهم لا تقويتها. أما اليوم فالذي يحكم في كل دول عالمنا الإسلامي لا يمارس الحكم على أنه خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله خصوصاً بعد تقسيم العالم هذا إلى دول وكيانات متعددة، فصار لكل دولة إسلامية وجودها المستقل وشخصيتها المختلفة ونظامها التي تتميز به عن سائر الدول حتى الإسلامية منها، ومن هنا صارت كل دولة مالكة لمواردها ومسيطرة عليها، ولا تعترف بنظام الخلافة الإسلامية العام كالذي كان يجمع دول عالمنا قبل هذا التقسيم الحديث إلى دول وكيانات متعددة.

ونزيد هنا فنقول إن مقولة (مال الدولة حلال) لا يشمل من أول الأمر المنافع العامة التي لا ربط لها بنوعية النظام، بل يشمل الأمور الأخرى كالضرائب التي كانت تفرض على الناس آنذاك من غير وجه حق، ومن دون مبررات شرعية تجيز للحاكم فرضها، وإنما كان الحاكم يأخذها ظلماً وعدواناً من الناس بالقهر والغلبة وقوة السلطة في مقابل ضعف الناس وعدم قدرتهم على المواجهة، وهذا المال الذي كانت تأخذه الدولة غصباً هو الذي كان يسميه فقهاؤنا "مجهول المالك" لأنه بعد أخذ الدولة له من الناس يختلط ببعضه البعض ولا تعود هناك قدرة على تمييزه لإرجاعه إلى أصحابه لو وقع بيد غير الحاكم الذي أخذ ذلك المال من الناس، وهذا المال هو الذي كانت الناس ترجع في أمره إلى الحاكم الشرعي المؤهَّل لأخذ الإذن منه في التصرف فيه بما يجعل ذمة المتصرف بريئة عند اللَّه عزّ وجلّ، وأما لو عُلِمَ يقيناً أن قسماً من هذا المال قد تم أخذه من إنسان معين وتمت معرفته فهذا المال يجب إرجاعه إليه لأن المال مُشخَّص وصاحبه معروف كذلك ولا يكون من مجهول المالك. بعد توضيح كل ذلك نقول إن (الحكم الشرعي للمنافع العامة هو أنه لا تجوز سرقتها ولا يجوز التعدي عليها ولا يجوز الانتفاع منها إلا بإذن أصحابها، سواء كان صاحبها هو الدولة أو غير الدولة، كالشركات أو غيرها من المتمولين، ومن يعتدي عليها بغير وجه حق هو ضامن لثمن تلك المنفعة أو المنافع بمقدار ما استفاد منها، ويجب دفع الثمن إلى الدولة أو إلى الشركة المالكة للمنفعة).

وللتوضيح أكثر نقول (إن الاستفادة من المنافع العامة بغير الطرق المشروعة ومن غير دفع الثمن سيؤدي في نهاية الأمر إلى تعطيل المنفعة عن كل الناس، لأن المنفعة العامة محتاجة كما في عصرنا إلى الكثير من النفقات، فإذا لم ندفع ثمن ما نستفيد منه من تلك المنافع فهذا سيؤدي إلى تقليص المنفعة العامة شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى مرحلة لا تعود قادرة على الاستمرار لفقدها الموارد المالية التي كان من المفترض أخذها من المستفيدين من المنافع العامة، وهذا الأمر غير جائز قطعاً، لأنه اعتداء على مصالح الناس قبل أن يكون اعتداءً على مصالح الدولة، لأن المنافع العامة هي ملك الناس لا الدولة، وإن كانت إدارتها بيد الدولة أو غيرها من الجهات التي تعينها لإدارتها كالشركات الكبرى أو المتمولين أصحاب الرساميل المالية الضخمة.

بعد كل هذا نرجع إلى الأحكام الشرعية المرتبطة بهذه المنافع، ونختار بعض الاستفتاءات لسماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظله الواردة في هذا المجال.
س - 909: هل يجوز شراء الطحين المدعوم من الدولة من أصحاب الأفران والمخابز؟

الجواب: ما لم يكن الخباز مجازاً من الدولة في بيع الطحين لا يجوز له بيعه ولا للناس شراؤه منه.

س - 923: اشتهر فيما بين أهل منطقتنا أن الدولة التي ليست إسلامية وتحاول توجيه الأذى إلى شعبها المسلم ولا سيما إذا كانت تفرق بين بعض الناس وغيرهم في التعامل معهم لا يجب دفع أجور الماء والكهرباء إليها، فهل يجوز لنا الامتناع عن تسديد فاتورة الماء والكهرباء؟
الجواب: لا يجوز ذلك، بل يجب على كل من استفاد من الماء والكهرباء من مشروع المياه والكهرباء الحكومي دفع أجورها إلى الدولة وإن كانت غير إسلامية.

س - 892: هل تجب رعاية حقوق الدولة في الأملاك العامة وحقوق المُلاَّك في الأملاك الخاصة في بلاد الكفر؟ وهل تجوز الاستفادة من الإمكانيات الموجودة في المراكز التعليمية في غير الموارد التي تجيزها المقررات القانونية لتلك المراكز؟
الجواب: لا فرق في وجوب مراعاة احترام مال الغير وفي حرمة التصرف فيه بغير إذنه بين أملاك الأشخاص وبين أموال الدولة مسلمة كانت أو غير مسلمة، ولا بين أن يكون ذلك في بلاد الكفر أو في البلاد الإسلامية، ولا بين كون المالك مسلماً أو كافراً، وبشكل عام تكون الاستفادة والتصرف غير الجائز شرعاً في أموال الغير غصباً وحراماً وموجباً للضمان
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع