الشيخ أحمد وهبي
قال اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين﴾. وقال تبارك وتعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾. لقد ترافق اسم الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف مع مفهوم الانتصار، وهزيمة أعداء اللَّه عزّ وجلّ ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾.
لا نريد أن ندخل في بيان معنى الانتصار الذي هو في الحقيقة قد يترافق مع القتل والشهادة في سبيل اللَّه، فالإمام الحسين الشهيد المظلوم عليه السلام انتصر، وربح المعركة في حقيقتها، ولم يدع العدو ينتصر عليه فيقر له إقرار العبيد، ولم يعطه إعطاء الذليل، فيترك دينه، وقيمه، ويترك اللَّه، ويترك القرآن، فيربح يزيد المعركة، ويربح الإمام الحسين عليه السلام إلى جانبه، ويحقق للشيطان رغبته في إضلاله، وإضلال الناس. لقد انتصر الإمام الحسين عليه السلام ولكنه - بأبي وأمي - قدم نفسه ذبيحاً، قد تسابقت السهام والرماح والسيوف تنهش لحمه، وترضّ الخيول صدره. انتصر الإمام الحسين عليه السلام باطناً وإن كان قد هزم ظاهراً.
للانتصار مع الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف معنى آخر، ومفهوم مختلف، هو انتصار ظاهري وباطني، انتصار على أعداء الإنسانية والحق، الظالمين، المستكبرين، الذين ملأوا الأرض ظلماً وجوراً، ووصل ظلمهم إلى جميع البشر بأجمعهم، بقتلهم، وإزالتهم من العالم. وانتصار على الباطل والمعتقدات والآراء والسبل والمفاهيم والأفكار الشيطانية الفاسدة التي دمرت البشرية، وأوصلتها إلى الحضيض حتى صار الإنسان حيواناً شرهاً مفترساً يفترس بعضه وصار المجتمع البشري موبوءاً بالأمراض النفسية الروحية والجسدية.
إن هذا الانتصار وعد إلهي كتبه اللَّه عزّ وجلّ على نفسه في الزبور والذكر الحكيم، وسبقت به إرادته وقضاؤه. ووعد محتوم سيتحقق حتى ولو بقي من عمر الأرض يوم واحد. إذا رجعنا إلى مفهوم الانتصار وأنه هو الانتصار الباطني الذي هو الانتصار الحقيقي، رجعنا إلى الإمام الحسين عليه السلام ودرسنا شخصيته وشخصية أصحابه لوجدنا أن أنفسهم وأرواحهم بما تحمل من الإيمان القلبي العميق باللَّه، حتى بات أحدهم يشاهد يضحك ويستبشر بالموت لأنه يرى الجنة، ويرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وفاطمة عليها السلام وينتظر لقاء المحبوب بشغف وشوق وحرقة. ويطلب أحدهم الإذن لأنه يتمنى أن يقتل بين يدي الإمام الحسين عليه السلام فبات الموت أمنية له.
إنهم انتصروا على أنفسهم أولاً فانتصروا باطناً وكان لهم النصر الحقيقي، لذلك النصر في زمن الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف كذلك مرتبط بالنصر الحقيقي الذي يرتبط بالنصر على النفس وشياطين الباطن ولذلك الرواية الشريفة عندما تصف أنصار الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه الشريف ، وتصف إيمانهم، ويقينهم، واعتقادهم بإمامهم تؤكد هذا المعنى فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في أنصار الإمام القائم عجل اللَّه فرجه الشريف : "رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات اللَّه أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها. ... بسرج الإمام عجل اللَّه فرجه الشريف يطلبون البركة، ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل. يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم. رهبان بالليل ليوث بالنهار. هم أطوع له من الأمة لسيدها. كالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية اللَّه مشفقون. يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل اللَّه. شعارهم يا لثارات الحسين. إذا ساروا، يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر...".
إذاً الحصول على كرامة لقاء ولي اللَّه، التوفيق للكون في عداد أنصاره يتطلب النصر أولاً على جنود الشيطان في مملكة النفس وباطنها، وجهادها، وإزالتها من ملكوت النفس، وعنوان ذلك الطاعة للَّه تعالى في كل شيء، في الكبير والصغير، وتقديم رضاه على رضا غيره، بل في إزالة كل غير له من القلب. يقول الإمام المهدي القائم عجل اللَّه فرجه الشريف: ولو أن أشياعنا وفقهم اللَّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، واللَّه المستعان. وفي الحديث القدسي: ما تقرب إليّ أحد بمثل ما تقرب بالفرائض، وإنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها...
يجب علينا بناءً على الحديثين السابقين الانطلاق من الروح ومع الروح وإلى الروح، هذه الروح التي غابت وحل مكانها الجسد والأهواء المادية والدنيوية. فإذا عدنا إلى الروح، وعملنا على إحيائها وبالذكر، وجهدنا في تصفيتها بالتقوى والزهد والورع، وزينّاها بالطاعة للَّه ولأوليائه، تزول الجبال ولا نزول، ونكون من الذين نصروا اللَّه فنصرهم. وخصوصاً أن النصر مع الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه سيكون نصراً مادياً وظاهرياً إضافة إلى النصر المعنوي الذي يتميز به أنصار الإمام عجل اللَّه فرجه . فلننتصر للَّه عزّ وجلّ ولرسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولوليه عجل اللَّه فرجه عسى أن نلتحق بالنصر الحتمي الإلهي. ولينصرن اللَّه من ينصره.