إعداد: يوسف الشيخ
من نافل القول أن حرفة التزوير في التاريخ وتغيير الوقائع وطمس الحقائق تعتبر من المميزات الرئيسية ومن الخصائص الملازمة للفكر الصهيوني عبر التاريخ. ورغم امتلاك اليهود للمفتاح السحري للتاريخ المختلق وهو "التوراة المحرفة" مدعمة بصمت مطبق وتواطؤ في المحافل العلمية الغربية والشرقية على السواء.
ثمة جيش من المؤرخين إن لم نقل من المحرفين استطاع عبر الترهيب والترغيب زرع مجموعة من الدعاوى التاريخية في عقول الجمهور تكاد تصبح من المسلمات أو الثوابت التاريخية، إلا أن تحولات جدية بدأت تبرز في العقدين الماضيين سمحت لمؤرخين أحرار، بمراجعة كل ما اختلق تحت مسمى دراسات التاريخ التوراتي ودفعت بهم إلى كشف بعض الحقائق، وكان أول من بدأ هذه الرحلة مجموعة من مفكري ومؤرخي فرنسا كغارودي، والأب بيار وغيرهم.
إلا أن هذه العدوى خرجت من فرنسا إلى بلاد العالم لتصل إلى أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا ولتصيب اليهود أنفسهم إسرائيل شاحاك، حتى يمكن لنا أن نسميها اليوم بالتيار المعاكس، إشارة إلى طرد المؤرخ توماس تومسون عام 1992 من جامعة ميلووسي والكتاب الذي بين أيدينا هو إحدى هذه المحاولات الجديرة بالقراءة في هذا الوقت بالذات نظراً للكم الهائل من الخداع والتزييف الذي يمارسه الصهاينة وداعميهم لخنق جذوة الإنتفاظة المباركة في فلسطين وإختزال جهاد شعب بأكمله بكلمتي "إرهاب، وعنف"، بالتعاون مع جوقة كاملة من المطبلين والمزمرين في الإعلام والتوثيق والتأريخ..
اسم الكتاب: "إختلاق إسرائيل القديمة - إسكات التاريخ الفلسطيني" وهو ترجمة للكتاب الثاني للمؤلف كيث وايتلام ضمن سياق واحد: دراسة "التاريخ اليهودي". يقع الكتاب في 415 صفحة من القطع الصغير، وهو الكتاب (249) من سلسلة عالم المعرفة إصدار "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت.. ترجمة الدكتورة سمر الهنيدي ومراجعة الدكتور فؤاد زكريا، وفي فصول ستة عالج المؤلف بأكاديمية حاشداً أكثر من 600 مصدر باللغة الإنكليزية الموضوع، وأرفق الكتاب بملحق من الهوامش والملاحظات المرجعية بلغت 157 ملاحظة.
إشارة إلى أن مقدمة الكتاب تعتبر مرجعاً ودليلاً رئيسياً لكل من يرغب بمطالعة هذا الكتاب من الحقائق البحثية في هذا المجال وبعد قراءة الكتاب يخرج القارئ بالمعطيات التالية:
1- إن "إسرائيل القديمة" لم تكن إلا خيطاً رفيعاً في نسيج التاريخ الفلسطيني الغني، وبعدما جرد الفلسطينيون من أرضهم فإن خطاب الدراسات "التوراتية" متورط في عملية تجريد الفلسطينيين من ماضيهم أيضاً.
2- إن الفكرة الجوهرية التي ترتكز عليها الدراسات التوراتية اعتبار "مملكة إسرائيل القديمة" حقيقة تاريخية لا جدال فيها ومن ثم التأكيد على استمراريتها التاريخية المباشرة مع "دولة إسرائيل الحديثة" وتوازي الدراسات التوراتية بين التاريخين بحيث توظف أحداث التاريخ القديم في خدمة الأطماع السياسية الصهيونية المعاصرة.
3- يعالج المؤلف إدعاء المؤرخين التوراتيين التقليديين أن التوراة المحرفة هي مصدر أساسي للتاريخ أي بمنزلة سجل للتاريخ وبما أنه حسب الرؤية الصهيونية كتاب مقدس لليهود فالوقائع الواردة فيها لا يمكن أن تناقش (من وجهة نظرهم) ولهذا فإن التاريخ المستخلص منها لا بد أن يكون منحازاً لليهود.
4- إن هذه الإدعاءات فجرت الحماس الصهيوني لعلم الآثار القديم مما دفعهم إلى بذل جهود مضنية تتخذ شكلاً علمياً زائفاً حتى أصبحت جهود التنقيب عن الآثار هاجساً وطنياً.
5- يرى وايتلام أن الفلسطينيين إذا لم يتمكنوا من استعادة تاريخهم في الماضي البعيد وليس فقط في التاريخ الحديث من قبضة الدراسات التوراتية فلن يتمكنوا إسماع صوتهم واستعادة حقهم وتاريخهم وذلك في نقد لآراء إدوارد سعيد التاريخية.
6- يعرض المؤلف لوجهة نظر كل الباحثين الذين تناولوا التاريخ "الصهيوني التوراتي" بالنقد ويركز على فريقين منهم مهد الأول للثاني الذي برز فيه تومسون الذي اعتبر "أن مجموعة التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم من صنع الخيال، ومن الواضح أن المهمة التي تصدى لها طومسون في إنكاره صحة المبررات الأساسية لاسيما "دولة إسرائيل" تشكل خطراً شديداً على الإدعاء بعودة اليهود إلى "الأرض الموعودة" التي يقال أنهم نزحوا عنها قبل أكثر من ألفي سنة.
7- يعرض الكاتب إلى كل الأعمال التي واكبت إعلان "وعد بلفور" وتنفيذه عن طريق تواكب تهيئة المناخ لإنشاء وطن قومي لليهود مع إعداد العدة التاريخية المناسبة له ويعرض الكاتب إلى فقرتين هامتين جداً من صك الانتداب الذي تلا وعد بلفور وتضمنه كوثيقة، ففي المادة 28 من هذا نص وعد بلفور: "سوف تهيئ حكومة الانتداب الظروف السياسية والإدارية والاقتصادية التي تؤدي إلى إنشاء وطن قومي لليهود وكذلك تطوير مؤسسات الحكم الذاتي وحماية الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم".
أما المادة 21 فتنص على التالي: "خلال اثني عشر شهراً من تاريخه سوف تؤمن حكومة الانتداب إصدار قانون الآثار وتتأكد من تنفيذه، وهذا القانون سوف يستنبط المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالتنقيب والبحث الأثري" وتحدث حول كيفية عمل المندوبين البريطانيين الساميين "اليهود" على تنفيذ هذين الشقين متلازمين للوصول إلى إرساء قواعد "متينة" تقوم عليها دولة اليهود عام 1948. الكتاب حافل بالشواهد التي تنقد التاريخ اليهودي وتكشف مجموع الإدعاءات التي تبين أن "إسرائيل هي أكبر كذبة في التاريخ ثم إرساؤها بمجموعة هائلة من أعمال طمس التاريخ وتزييفه.