مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: ديمقراطية التكنولوجيا ورقة التين التي لا تستر شيئاً

موسى حسين صفوان‏


عند مراجعة المصطلحات السياسية، فأنت قطعاً لن تجد مصطلح techno-demacracy، فهو ليس تعبيراً متداولاً، ونحن بطبيعة الحال لسنا بصدد نحت مصطلح معاصر جديد، فهذا ليس شأننا، وعليه فإن المقصود باستعمال هذا اللفظ هو مجرد قراءة للواقع لا أكثر ولا أقل...

بيد أنه لو شاء بعض هواة الأقلام الساخرة استعمال هذا الاشتقاق الغريب، وغير المنسجم بين الديمقراطية والتكنولوجيا، ربما وجد لذلك ما يكفي من التبرير... والحقيقة أنه ومنذ أن أصبح مفهوم الديمقراطية متداولاً في المفردات السياسية المعاصرة، أي منذ العقود الأولى للقرن التاسع عشر، يمكن ملاحظة العديد من مراكز النفوذ ومواقع السلطة التي حاولت وتحاول مصادرة الحقوق الإنسانية المعلنة في إطار النظم الديمقراطية من حرية الرأي، وحرية التدين، وحقوق الاختيار الأخرى المعمول بها في الأنظمة الليبرالية. فمنذ دخول عنصر التكنولوجيا إلى الساحة الاقتصادية أي منذ اكتشاف الآلة البخارية، وتسخيرها في تحويل النشاط الاقتصادي من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي، وبالتالي تحول المجتمع السياسي من مجتمع الإقطاع إلى ما عرف بالرأسمالية، لعبت القوى الاقتصادية الكبرى أدواراً مختلفة في تسطيح المفاهيم الإنسانية وجعلها ملائمة لمصالح رأس المال الذي وجد فرصته في الوصول إلى مراكز السلطة للحفاظ على امتيازاته. ومن أهم المفردات التي يشهدها الواقع السياسي جرّاء استفحال رأس المال وجشعه وخلوه من أية معاني إنسانية، يمكن أن نجد:

الليبرالية :Liberalism وهي في ظاهرها، تدعو إلى الحرية، والانفتاح على الآخر، وحرية الدين والمعتقد وبالتالي فصل أية حواجز نفسية سواء كانت دينية أو قومية أو عرضية عن الواقع الاقتصادي والسياسي بما يتيح الفرصة أمام الشركات الكبرى لإيجاد أسواق لها في مختلف البلدان...

التعددية (Pluralism): وهي ترمي إلى نفس الأهداف، وتدعو إلى نسبية القيم والمبادئ‏ والعقائد، وتطوي صفحتها، وتنهي مبدأ حوار الحضارات بذريعة قبول الآخر دون نقاش، وبالتالي تحكم المجتمعات بقيم السوق...

ازدواجية المعايير: والتي كانت تشكل في القرن الماضي فضيحة تحذر منها الدول العظمى، لكي لا تخرج عن مفاهيم الديمقراطية والليبرالية التي سنَّتها وشرعتها للأمم والشعوب لتمتلك حق الوصاية عليها، بينما اليوم أصبحت ازدواجية المعايير أمراً واقعاً تطرحه الدول الكبرى ذات النفوذ التكنولوجي بوقاحة يخجل القلم عن التعبير عنها.

المال السياسي: وهو يستعمل في العدد من الدول لمصادرة الحرية عن طريق المال، وهو من ظواهر عصر التكنولوجيا...

وسائل الإعلام: وهي الأخرى أصبحت الوسيلة الأكثر أهمية في عصرنا، وبدت ذات تأثير مبالغ به في تحويل الرأي العام وبالتالي مصادرة الحرية والديمقراطية، وتسخير المفاهيم الليبرالية لمصالح أصحاب رأس المال والنفوذ التكنولوجي.

والحقيقة أن لعبة المال استطاعت خلال فترة من الفترات في العقدين الماضيين من التحكم بمجريات الأحداث والتأثير في رسم خريطة النفوذ والسلطة العالميين، فاستطاعت دول لم تكن في عداد الدول العظمى، الهيمنة على الأسواق العالمية، وحشر الدول العظمى وخاصة أميركا في الزاوية، فالتنافس في ظل قيم السوق لم يعد حكراً على الدول العظمى، والعلاقة بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية لم تعد ضرورية في ظل انتهاء الحرب الباردة وانتشار قيم العولمة، إضافة لبروز قوى مالية ونفوذ اقتصادي متحرر من الجغرافيا التي باتت اليوم قديمة والتي كانت تقسم العالم إلى عالم أول وعالم ثان وعالم ثالث، وحتى خارج إطار الجغرافيا الحديثة التي تقسم العالم إلى شمال وجنوب...

كل ذلك كاد أن يخلق قيماً حضارية جديدة ولكن... هل كان أحد ليتوقع أن تستسلم التكنولوجيا، وهي القادرة على سحق عظام الحضارة الحديثة سواء ارتدت لباس الديموقراطية أو الليبرالية والتعددية أو حتى العولمة التي لم تعد صالحة لخدمة أربابها الذين خلقوها لتكون أمساخاً تخدم مصالحهم وتشبع نزواتهم؟!... هل كان أحد ليتوقع أن تستسلم الدولة العظمى التي باتت وحيدة وهي تملك كل تلك الترسانات من الصواريخ والبوارج وأسلحة الدمار الشامل والذي تحرمها على غيرها... طبعاً لم يتوقع ذلك أحد فهذه أميركا تعيد الحياة لسياسة الاحتواء، وتبعث من جديد العلاقة بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية من خلال غزو العراق والسيطرة على منابع الطاقة فيه... إلا أن الذي جرى أن تلك التكنولوجيا التي تعتبر نفسها إلهاً على هذه الأرض، ارتدت لباس الديمقراطية وهو غير ملائم البتة... وجاءت بنهم لتعيد التاريخ إلى الوراء... في الماضي كان الذئب يبحث عن ذريعة ليأكل الغنم، واليوم هو يطلب من الراعي أن يجد له ذريعة، بينما ينشغل بالولوغ بدماء فريسته.

فمن كان يحلم بعالم متعدد الأقطاب يحد من نزق الوحش الأميركي، فليصرف نظره عن هذه الفكرة، فالعالم كان في القرن الماضي محكوماً بقطبين، الاتحاد السوفييتي وأميركا، واليوم بعد ذهاب الاتحاد السوفييتي لن يكون أبداً هذا العالم محكوماً بقطب واحد، ولن يكون بطبيعة الحال محكوماً بأقطاب متعددة فربما فات الأوان لذلك، ولكن... سيبقى محكوماً بقطبين لا ثانٍ لهما، القطب الأول هو الصلف التكنولوجي الأميركي، والقطب الثاني هو الشعوب الإنسانية... والقيم الإنسانية... وفي كل مرّة كان القطب التكنولوجي المتغطرس يواجه قطباً تكنولوجياً مثله كان ينتصر عليه، أو ربما ينتصر أحدهما على الاخر، ولكن ليس هناك من مرّة واجه فيها أي متغطرس طاغٍ إرادة شعب حرّة إلا وباء بالفشل... وهذا ليس ادعاء... إنه التاريخ...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع