نلا الزين
جاء في سورة آل عمران: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ صدق اللَّه العلي العظيم (آل عمران: 102 و103).
لقد أمر اللَّه سبحانه المؤمنين أن يحافظوا على إيمانهم وتقواهم وإسلامهم، وأن يعتصموا بحبله جميعاً ولا يتفرقوا عنه، وأن يتذكّروا الاخوَّة التي مَنَّ بها عليهم فهي نعمة عظيمة أثمرت بينهم الألفة والمودة وهذا ما لا تستطيع أخوُّة النسب تحقيقه أحياناً، هذه الأخوة التي يزداد بها المجتمع تماسكاً وأماناً. لقد جاء الإسلام وكانت المعارك والحروب والعداوة والبغضاء هي السائدة فأطفأها اللَّه تعالى بنور الإسلام وبالأخوُّة بين المؤمنين والمهتدين حيث كانوا فِرَقاً مختلفة ومتناحرة فيما مضى من الوقت والزمن، فقد كان الكبير يأكل الصغير والقوي يعتدي على الضعيف ويتفرق الناس بسبب المال والجاه وحب السيطرة، فبيَّن اللَّه تعالى أنَّ الأخوة الإيمانية تحقق الأمن بدلاً من الفزع والقلق والتشتت. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10). ولهذا قيل أنَّ أخوة الدين أثبت من إخوة النسب، وقد جاء عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الناس صنفان: إمَّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" (نهج البلاغة عهد الأشتر).
* ماذا يترتب على الأخوة الإيمانية؟
يترتب على هذه الأخوة: المحبة - التعاون - الاجتماع - وحدة الصف - الإيثار.
* عوامل ترسخ الاخوة الإيمانية؟
1- المحبة: ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه عدَّ المتحابين في اللَّه من الذين يُظِلُّهم اللَّه في ظله يوم لا ظلَّ إلاَّ ظله "رجلان تحابا في اللَّه اجتمعا عليه وتفرقا عليه". فالحبُّ في اللَّه يدوم لدوام سببه بخلاف الحبِّ من أجل أغراض أخرى وأسباب مادية وغيرها... وإذا تمكنت محبة المؤمنين في قلوبهم سادت الألفة والسلام والخيرات.
2- حسن الظن:
عندما يحسن المؤمنون الظن ببعضهم البعض فإنَّهم يقللِّون من نسبة المشاكل التي تحصل نتيجة سوء الظن ببعضهم البعض وقد ورد في الحديث: "احمل أخاك على سبعين محملاً". وكم من المشاكل والعداوة والبغضاء وقطع الأواصر بين المؤمنين والمجتمع الواحد سببها سوء الظن وعدم التفكير بالاحتمالات الناجمة عن قول كلمة أو اتخاذ موقف أو غياب شخص أو حضوره وما شابه ذلك ونسمع في المثل الشعبي يقولون: "الغائب حجته معه" للابتعاد عن سوء الظن. فسوء الظن يفسد الأخوَّة كما يفسد الخل العسل ويجعل الثغرات التي تحطِّم ركن الأخوة أكثر من الايجابيات بينما حسن الظن يدعِّم أركانها.
3- زيارة الإخوان:
نجد أن التواصل يقرِّب الإخوان من بعضهم البعض وقد ورد عدد من الأحاديث التي تؤكد على أن زيارة الإخوان تُعَدُّ سبباً لمحبة اللَّه تعالى والجنة وهي من حق الإخوان على بعضهم البعض، يسألون عن أحوالهم ويأنسون ببعضهم البعض وهي تجعل الإخوان يتماسكون أكثر عند الشدائد والحاجة ويساعدون بعضهم البعض.
4- النصيحة:
عندما نسترشد بآراء بعضنا البعض ونطلب نصيحة من نراه أهلاً للنصيحة من أهل الإيمان والإخوان فإننا نوفر على أنفسنا عناء الوقوع في الخطأ أو التيه، والنصيحة حق من حقوق الإخوان والمؤمنين وواجب على من طلب منه أخوه المؤمن نصيحة أن يقدمها له على طبق من الوعي والرشد والصدق في إعطائها. وعندما نتواصى بالحق والصدق وإعطاء الرأي وتسديد الخطى فإنَّ ذلك يعمِّق معنى الأخوة الإيمانية أكثر فأكثر، ويجعلنا نثق بإخواننا وعقولهم ونصائحهم، فلا بد من النصيحة والتشاور فيما بيننا ولا ننسى الحديث القائل: "من شاور الناسَ شاركها عقولها". ومن حسن النصيحة أن لا ينصح الأخ أخاه علناً كي لا يكون في ذلك إهانة له ففي الحديث: "من نصح أخاه علناً فقد شانه ومن نصحه سراً فقد زانه".
5- إعانة المحتاجين والفقراء من المؤمنين:
الإيمان قول وعمل، كذلك الأخوة فهي قول وفعل فعندما نعلم أن أحد إخواننا في الإيمان لا يجد قوت يومه فكيف يمكننا أن نهنأ بلقمة أو ملبس أو مسكن واخوةٌ لنا في الإيمان لا يعيشون هناء ما نعيش فيه ولو بنسبة قليلة وضئيلة، ولقد كان المتآخون في اللَّه وهم الذين آخى بينهم الرسول صلى الله عليه وآله من الأنصار والمهاجرين يضع الواحد منهم ما يملك، ويتقاسمه مع أخيه في اللَّه، ولو وضع الواحد منهم يده في جيب أخيه لما وجد حرجاً في ذلك لأنَّ الإيمان وحَّد بين قلوبهم وأموالهم... وهذا قد شدَّ أواصر محبتهم وأخوَّتهم أكثر فأكثر. وقد جاء في الحديث: "من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً فرَّج اللَّه عنه كربةً من كُرَب يومِ القيامة ومن ستر مسلماً ستره اللَّه يوم القيامة". ويدخل تحت هذا العنوان الأيتام من المسلمين والمؤمنين وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "أنا وكافل اليتيم في الجنة". وقال صلى الله عليه وآله: "خير الناس من ينفع الناس فكن نافعاً لهم".
6- اجتناب الأنانية:
الاخوة تقوم على الشعور الأخوي المتبادل وحب العطاء والإيثار وتفهُّم ما لدى الأخ من حاجات ومشاكل ومواساته في أفراحه وأحزانه وهذا يتناقض مع الأنانية ولا ينسجم مع حبِّ الذات، ولا ننسى الآية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن صفات أهل البيت عليهم السلام. وتحديداً قصة الإيثار عن أمير المؤمنين عليه السلام والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والحسن والحسين عليهما السلام الذين ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: 9). وهذا يشيع مناخاً من الدفء بين المؤمنين والإخوان.
7- الابتعاد عن الكلمة الهدَّامة:
جاء في الحديث: "رحم اللَّه امرءاً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم". وجاء في القرآن الكريم: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (سورة إبراهيم: 24). فالكلمة لها ميزان ينبغي وضعها فيه ليدرك القائل والمتكلم أيَّ كلمة ستخرج من فيه ويصبح مسؤولاً عنها أمام المستمع لها أو الذي تطاله هذه الكلمة من قريب أو بعيد، وعندما نتحدث مع إخواننا في اللَّه فهم الأحبَّة الذين ينتظرون منا الكلمة الطيبة والقول الحسن والعبارة الجميلة التي تقرب قائلها للقلب والسمع معاً. وكم من علاقات وأنساب وأخوَّة قد تفككت بسبب كلمة جارحة هنا وقولٍ مسيء هناك فكلماتنا جواز عبورنا إلى أسماع الغير وإلى قلوب من نتحدث معهم فكيف إذا كانوا من الإخوان والمؤمنين...
8- الإكرام والاجلال:
جاء في الحديث عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام "إذا غاب المؤمن فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره وأَجِلَّهُ وأكرمهُ فإنه منك وأنت منه". فالإكرام بين المؤمنين والأخوة يساهم في تبادل الاحترام والإجلال وهذا بدوره يُدَعِّم الأخوة الإيمانية فكلُّ إنسان يرغب في أن يكون محترماً بين أقرانه والناس من حوله وإخوته وأن يكون عزيز المكانة وهذا تؤكده الآية القرآنية: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾
9- التعالي عن الخلافات الصغيرة حتى لا تؤدي إلى الحقد:
والحقد قد يتولد من خلافٍ صغير على بعض الأمور والمواقف ويتحول من شيء طارىء إلى عداوة شخصية فيما بعد، إذا لم يلتفت المؤمن لطرد وساوس الشيطان الذي يحول بين المؤمنين، لكي لا يتحابُّوا في اللَّه ويصبحوا قوة إيمانية في مواجهة وساوسه، وقد جاء في الحديث: "لا يكون المؤمن مؤمناً وهو حاقد على أخيه أو كاره له حتى يرجع إلى حبِّه فإنَّ المؤمن يأنس إلى أخيه المؤمن كما يأنس الظمآن إلى الماء أو كما يأنس الطير إلى وكره". أخيراً وبعد هذه الإطلالة على موضوع مهم في حياتنا اليومية والإيمانية لا بدَّ من القول أنَّ المؤمن ذو قلب رحيم، عطوف، يسامح ويكظم الغيظ ويعفو عن الناس وإن أساؤوا، ويصلهم وإن قطعوا، وهو لا يَردُّ إذا جُهل عليه ولا يثور إذا استثير وإنما يكون حكيماً متعقلاً باستمرار وفي كلِّ مجال، ومصلحة الإسلام العليا هي المقياس في صحة مواقفه من هنا فهو يعمل على أن يكون مصداقاً لقول اللَّه وأوامره ورضوانه وهذا ما يجعله يتآخى مع المؤمنين ويرص صفوفهم بمحبته وأُخُوَّتهِ وعلى قاعدة الحب في اللَّه و"إنَّما المؤمنون إخوة".