الشاعر يوسف سرور
حَفَرْتُ نداءَكَ في المُقْلَتَيْنْ | فردَّدَ دَمْعِي: حَبيبِي حُسَيْنْ |
وهزّت كِياني "ألا مِن مُعينٍ" | فخُطَّتْ على صَفْحَةِ القلبِ دَيْنْ |
فأنْتَ الصَّلاةُ، وأنْتَ الوضُوءُ، | ومسحُ الرُّؤُوسِ، وغَسْلُ اليَديْنْ |
ووجْهُكَ في اللّيلِ شَفعٌ ووَتْرٌ | وفي الفجْرِ إشْرَاقَةٌ مِنْ لُجَيْنْ |
فلولاكَ سَاءَتْ جميعُ فِعَالي | وَلَمْ أُدْرِكِ الحَقَّ في الحَالَتَيْنْ: |
فقُبْحِي قَبيحٌ، وحُسْنِي قَبيحٌ، | وزَيْنِي بدُونِ ولائِكَ شَيْنْ! |
* * *
نَذَرْتُ زِيَارَتَكُمْ، وانْتَظَرْتُ | لِيَأْذَنَ فيهَا قَطِيعُ اليَدَيْنْ |
كأنِّي بِكَفَّيْهِ قُرْبَ الفُرَاتِ | تُؤَدِّي لِبَارِئِهَا سَجْدَتَيْنْ |
وتَعْزِفُ لَحْنَ القُنُوتِ الجَمِيلِ | فَيَنْسَلُّ صوتٌ من المِرْفَقَيْنْ: |
أَرِقْ قُرْبَةً، قُرْبَةً للحُسَيْنِ، | وأَرْفِقْ بأُخْتٍ لَهُ، وابْنَتَيْنْ |
وقُلْ: رَبِّ زِدْنِي ... فهذِي أَكُفِّي | وذا سَهْمُ عَيْنِي... فِدَى الثَّقَلَيْنْ |
وقِبْلَةُ قَلْبِي غدَتْ قُبْلَةً | حكَاهَا على الكَفِّ ثَغْرُ الحُسَيْنْ! |
* * *
حَبيبي حُسَينٌ، هجَرْتُ حيَاتِي | لأبْحثَ فيكَ عَنِ الحُسْنَيَيْنْ |
تلأْلأَ وجْهُكَ في ناظِرَيَّ | وبَينِي وبينَكَ سبْعُونَ بَيْنْ |
فصَارتْ دِمَاؤُكَ قلْباً لقَلْبِي | وأضْحَى ضِيَاكَ لعَيْنَيَّ عَيْنْ |
وخِلْتُكَ في أضْلُعِي ساكناً | فَأَسْرعُتُ أجْثُو على الرُّكْبَتَيْنْ |
لأشْتَمَّ منكَ رحِيقَ الفِدَاءِ | وأنْشُرَهُ بينَ ذَيْنِ وذَيْنْ |
وحرْتُ... أَتَحْلُو بعَيْنِي الحَيَاةُ | وقد رَضَّتِ الخَيلُ صدْرَ الحُسينْ!! |
* * *
ذكرتُ مُصَابَكَ في الأرْبعينَ | فسَالتْ دُمُوعي علَى الوَجْنَتَيْنْ |
وقد ظَلَّلَتْنِي قُيُودُ السَّبَايَا | فصَلَّيتُ في ظِلِّهَا رَكْعَتَيْنْ |
كأنِّي بأَنَّاتِ "زَيْنِ العِبَادِ" | تبُثُّ ندَاءَكَ في الخَافِقَيْنْ |
كأنِّي بِـ "يا جَابرٌ هَا هُنا...." | تَجَلَّتْ مَآذِنَ في الأَصْغَرَيْنْ |
وما زالَ صوتُكَ يحْلُو ويعْلُو | ويهتِفُ: "أينَ المُوالُونَ، أيْنْ؟ |
لِيَبْكُوا علَى مَصْرَعِي مَرَّةً | ويبكوا على زَيْنَبٍ مرَّتَيْنْ"! |
* * *
لهَجْتُ بذِكْرِكَ يا سيِّدي | فحَانَ منَ الحُزْنِ في الرُّوحِ حَيْنْ |
وحَرَّمَ جِلْدِي طُقُوسَ الوَفَاةِ | فلا كَفَناً يبتَغِي أو كُفَيْنْ |
وخطَّتْ دمائي حُرُوفَ الولاءِ | لأحيَا "حَبيباً"، وأحيَا "ابْنَ قَيْنْ" |
بِحَاءٍ وسِينٍ وياءٍ ونونٍ | تُسَطِّرُ "بَدْراً" هُنا، أو "حُنَيْنْ" |
وقَبَّلَ عَقْلِي جَبِيْنَ الجُنُونِ | لأَرْسُمَ "عَابسَ" في المُقْلَتَيْنْ |
وأفْلَتَ قَلبِي، فلاحقْتُهُ، | فأسْرَعَ بي نحوَ قَبْرِ الحُسَيْنْ! |