مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دور الإمامين الخميني والخامنئي في تثبيت ولاية الفقيه‏


الشيخ محمد توفيق المقداد


"بقلب هادى‏ء ونفس مطمئنة وروح فرحة وضمير يأمل فضل الله، أستأذن الأخوة والأخوات وأسافر نحو المقر الأبدي وأنا بحاجة مبرمة إلى صالح دعائكم" الإمام الخميني قدس سره.  بهذه الكلمات الهادئة الوادعة الواثقة رحل الإمام الخميني قدس سره إلى ربه منذ ما يربو على عقد من السنين، إلا أن ذلك الرحيل جعل للإمام حضوراً أقوى وتأثيراً أكبر على مجمل الأحداث، لأن كل ما يجري من حولنا في العالم منسجم مع ما طرحه من حقيقة الصراع بين قوى الخير وقوى الشر، وبين محور الإيمان ومحور الباطل.


* دور الإمام الخميني قدس سره في إحياء مفاهيم الدين‏
ذلك الإنسان العظيم الذي استطاع في العصر الذي صار الإسلام فيه جزءاً من التاريخ الإنساني لا غير، وليس له أي دور في الحياة الإنسانية بشكل عام، أن يعيد إليه وهجه وبريقه، وأن ينتصر بإيمانه وتضحيات شعبه وقيادته الرشيدة على أعتى قوة في منطقتنا الإسلامية "شاه إيران" وأن يقتلعه من جذوره الضاربة إلى عمر ألفين وخمسماية عام من التاريخ، ويقيم دولة لله والإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وآله وخط أهل البيت عليهم السلام، وأن يجعل من تلك الدولة مصدراً للإشعاع الإلهي ونشر النور والضياء للأمة الإسلامية وللبشرية جمعاء عبر إحياء مفاهيم الدين الإلهي الخالد بعد ضياع استمر لقرون وأدى إلى تشرذم الأمة ووقوعها فريسة أطماع الطامعين.

ومن أهم المفاهيم التي أحياها الإمام الخميني قدس سره مفهوم القيادة في هذا الدين والإمرة على الأمة، لأن هذا المفهوم هو كالقلب بالنسبة لباقي المفاهيم، فهي بدونه لا تستقيم كما ينبغي لأنه الحافظ والضامن والكافل لها، سواء أكانت تلك المفاهيم مرتبطة بالجانب الإيماني والروحي والمعنوي أو بالجانب المادي والسياسي والاجتماعي من حياة المسلم.

ولا نقصد بالإحياء هنا "الإيجاد من العدم" كما قد يتخيل البعض أو كما تخيل البعض فعلاً عندما قال (من أين جاء الإمام الخميني بهذا المفهوم؟) محاولاً الإيحاء بأنه بدعة أدخلها مطلقها في الإسلام وهو منها براء؟!! وهذا التخيل ناتج إما عن جهل بكليات الإسلام خصوصاً في عصر الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله فرجه، ومنها أن الأئمة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام لم يسعوا لإقامة الدولة الإسلامية وانصرفوا إلى تعليم الناس أحكام دينهم فقط، وخصوصاً في المجال العبادي الذي يمكن للمسلم أن يلتزم به ولو كان في إطار غير إطار الدولة الإسلامية، باعتبار أن الناس خانوا أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك الإمام الحسن عليه السلام وأجبروه على الصلح، وخانوا الإمام الحسين عليه السلام وأدى ذلك إلى استشهاده في كربلاء، وكذلك خذل الناس أبناء الأئمة من الذين قاموا بثورات كزيد بن علي ويحيى بن زيد، وإذا كان الناس قد خانوا المعصومين فكيف لا يخونون غير المعصومين.

ومن هنا كان العلماء يفتون (بأنه لا تجب إقامة الدولة الإسلامية لأن الناس لن يقوموا معنا لو دعوناهم إلى ذلك) واستدلوا بمفهوم الأولوية في هذا الجانب، ومن الأسباب التي تمسك بها بعض آخر لعدم السعي لإقامة الدولة هو وجود أحاديث مثل (كل راية تُرفع قبل راية المهدي عجل الله فرجه فهي ضلال) وهذا ما لعب دوراً سلبياً أيضاً عند جمهور الفقهاء والأمة) ومنهم من تعمد عدم تحريك أي ساكن في هذا الجانب حتى تمتلئ‏ الأرض ظلماً وجوراً، وعندئذ يتحقق موضوع خروج الإمام عجل الله فرجه لتوافر شرطه، وعندئذ يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، وضرب هؤلاء بعرض الحائط الروايات التي تتحدث عن التمهيد لخروج صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الدالة صراحة على وجوب العمل والسعي لإعداد الظروف وإنضاجها لذلك اليوم الموعود. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى حدوث حالة شلل في الأمة لأن المحرك والدافع للأمة لكي تقوم وتنهض لتقيم حكم الله في الأرض صار قصياً ومنسياً ومهجوراً ومحجوزاً في بطون الكتب، وكأنه مفهوم نظري وفكري لا ارتباط له بحياة الإنسان المسلم فرداً كان أو مجتمعاً. والإسلام كما نقول وكما نفهم هو دين الحياة، وكيف يكون كذلك وهو لا يدير شؤون المسلمين ولا يضبط حياتهم على إيقاع أحكامه ومفاهميه.

* تطبيق مفهوم ولاية الفقيه‏

من خلال هذا سعى الإمام الخميني قدس سره إلى إعادة صياغة هذا المفهوم المحوري في حياة الأمة وأعاد إليه نبض الحركة والحياة، وطرحه كمفهوم نظري وعملي في آن معاً، وقال بأن أحكام الإسلام لا تقتصر على مجرد الطهارة والنجاسة وأحكام الصلاة والصوم، وأن مفهوم "ولاية الفقيه" ليس مقيداً بأي قيد لا في زمن حضور المعصوم ولا في زمن غيابه، بل هو مفهوم مستمر كاستمرار باقي أحكام الإسلام التي يجب تطبيقها في حياة الأمة، فكما أننا نصلي ونصوم ونحج ولا نشرب الخمر ولا نرتكب الزنا ولا نقتل كذلك يجب العمل لإقامة دولة الإسلام، لا أن نكون مسلمين من دون أن تكون الدولة إسلامية على نسق العصور السابقة منذ عهد الأئمة عليهم السلام وحتى الآن، بل يجب طاعة أمر الولي الفقيه للوصول إلى مرحلة إقامة الدولة لتحقيق الانسجام والتكامل بين الإسلام كنظرية وواقع الأمة كتطبيق لها ولا تستقيم الأمور بغير ذلك أبداً. وانطلق الإمام الخميني قدس سره بولاية الفقيه ليزرعها في العقول والقلوب سواء على مستوى الحوزات العلمية، أو على مستوى المثقفين من أبناء الأمة، وعلى سائر شرائح المجتمع المسلم لإقناعهم بأنها السبيل الوحيد الذي يحقق لهم السعادة في الدارين في دار الدنيا و دار الآخرة ، وانطلقت الثورة تحت راية "ولاية الفقيه" وأقام دولة الإسلام المحمدي الأصيل، وحطم كل الأسباب التي كان يتذرع بها الفقهاء الآخرون لعدم النهوض والقيام، واعترف أحد المجتهدين قائلاً (كنا نفتي بعدم وجوب إقامة الدولة الإسلامية لأننا كنا نظن بأن الناس لن تقوم معنا، لكن الإمام الخميني أثبت أن الناس يمكن أن تقوم وقامت فعلاً وانتصرت بقيادته ومفهومه الذي أعاده للحياة في أوساط الأمة).

* الإمام الخامنئي والولاية
يقول الإمام الخامنئي دام ظله تكمن أهمية عمل الإمام الخميني في أنه طرح قضية حاكمية الإسلام، فالحكومة الإسلامية لا تعني حكومة المسلمين فهؤلاء موجودون بكثرة في عالمنا الإسلامي بل تعني سيادة الإسلام، ولو كانت تعني حكومة المسلمين فقط، لكان غاية ما تسعى إليه هو أن يكون على رأس الأمور شخص مسلم، وأن يكون سلوكه حسناً، ولا يسمح أحياناً بظهور الفسق والفجور في المجتمع، إلا إن إدارة شؤون الحياة في البلاد لا تكون على أساس الإسلام، ويبقى حينئذ للأمزجة والأذواق والعادات والتقاليد والثقافات والفهم الخاطئ‏ بمختلف أنواعه، تأثيراتها المختلفة، مع أن ما يصون المجتمع الإسلامي هو الحكومة الإسلامية بمعنى "حاكمية الإسلام" وهنا كانت مهارة الإمام الخميني قدس سره في طرحه لقضية "حاكمية الإسلام". ويقول في نفس الخطاب (كما أن دعامة الإمام الخميني قدس سره لحاكمية الإسلام هي "ولاية الفقيه" التي هي ذات ركيزة راسخة ومتينة، فرغم تباين آراء العلماء حول ضيق وسعة دائرة ولاية الفقيه، إلا أن أصل النظرية من واضحات الفقه الإسلامي، وإذا كان البعض لم يطرحها في الماضي، أو نظر إليها بفتور للأسباب التي ذكرناها فذلك راجع إلى أن الفقهاء كانوا يرون عدم الجدوى والفائدة من طرح ما لا يمكن تحقيقه عملياً... والغرض من ذلك "أي طرح ولاية الفقيه" هو التأكيد على أن لولاية الفقيه أساساً متيناً وقد طرح الإمام مشروعه بناءً على ذلك الأساس).

ويشرح الإمام الخامنئي دام ظله معنى الولاية فيقول (فما معنى الولاية في هذه الجملة التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وآله؟ إن معناها باختصار هو أن الإسلام لا ينحصر في الصلاة والصيام والزكاة والأعمال الفردية والعبادات، بل إن له نظاماً سياسياً وحكومة قائمة على أحكام الشريعة، فالحكومة هي الولاية وفي العرف والاصطلاح الإسلامي. إن الولاية هي تلك الحكومة التي يرتبط فيها الحاكم مع أبناء الشعب بأواصر الحب والعاطفة والفكر والعقيدة، وأما الحكومة التي تعرض نفسها بالقوة، والتي يأتي بها انقلاب، والتي لا يؤمن فيها الحاكم بعقيدة شعبه ولا يقيم فيها وزناً لأفكارهم ومشاعرهم، والتي يتمتع فيها الحاكم بإمكانات خاصة ومزايا معينة كما هو شأن حكومات اليوم ويجد فيها فرصته لإشباع نزواته الدنيوية، فإنها حكومات لا تمتد إلى معنى الولاية بشي‏ء، لأن الولاية تعني تلك الحكومة التي تجمع بين الراعي والرعية بالروابط الفكرية والعقائدية والعاطفية والإنسانية والقلبية، ويتعاطف فيها الناس مع الحاكم ويحبونه ويعتبرونه محور كل هذا النظام السياسي ويعتبرون عمله تكليفاً إلهياً وينظرون إليه كعبد من عباد الله، لأن الاستكبار لا وجود له في "الولاية").

* رد الإمام على الشكوك‏
ويقول الإمام الخميني قدس سره عن إثبات أصل الولاية للفقيه ما يلي (إلا أن أمر الهداية يستلزم تعيين الخليفة في المراحل اللاحقة أيضاً، وحينما أوشك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أن يغادر هذه الدنيا ويلتحق بالرفيق الأعلى، قام بتعيين الخليفة الذي يأتي من بعده، وكذلك الخلفاء من بعده حتى زمن الغيبة، وقد عين أولئك الخلفاء أنفسهم إمام الأمة من بعدهم. وبشكل عام، فإنهم لم يتركوا هذه الأمة وحالها حتى يبقى الناس حيارى، بل عينوا لهم إماماً وقائداً، وما دام أئمة الهدى موجودين منهم أئمة الأمة، وبعد عصر الأئمة عليهم السلام جاء دور الفقهاء، الفقهاء الملتزمين الذين عرفوا الإسلام وتبصروا فيه واتصفوا بالزهد والبعد عن الدنيا وعدم الإغترار بزخرفها ومباهجها، والإخلاص للأمة والتحرق من أجلها والشفقة عليها، وأولئك الفقهاء الذين ينظرون إلى الناس كما ينظرون إلى أبنائهم... هؤلاء هم الذين عينهم الأئمة عليهم السلام لحراسة هذه الأمة ورعايتها). وبعد أن يثبت الإمام الخميني الولاية للفقيه ينتقل للرد على المشككين والمترددين والجاهلين ويقول (أجل، إن بعض السادة يقولون: "إن كانت قضية ولاية الفقيه شكلية وظاهرية فلا اعتراض عليها، أما إذا أراد الولي أن يتدخل في الأمور فنحن نرفض ذلك"...

إن هؤلاء لو كانوا ملتفتين إلى ما يقولون فإنهم مرتدون، لكنهم غير ملتفتين). ثم يقول عنهم (هؤلاء لا يعرفون ما هي ولاية الفقية، وهم يجهلونها من أولها إلى آخرها، لكنهم في الوقت ذاته يجلسون ويقولون إن ولاية الفقيه تؤدي إلى الدكتاتورية وإلى كذا وكذا) تُرَىْ، هل كان أمير المؤمنين عليه السلام دكتاتوراً عندما تولَّى أمر الناس؟ وهل صار النبي صلى الله عليه وآله دكتاتوراً عندما كانت له الولاية على الناس؟ أية دكتاتورية تقصدون؟ ليس في الإسلام أمور من هذا القبيل، بل الإسلام يدين الديكتاتورية ويرفضها، فهو يُسقِط الولاية حتى عن الفقيه إذا أراد أن يمارس الدكتاتورية). ومن هذه النصوص للإمام الخميني قدس سره وللإمام الخامنئي دام ظله نجد التطابق في النظرة إلى "ولاية الفقيه" وأنها الدعامة الأساس لنظام "الحكومة الإسلامية" التي تعني الاستقامة والعدالة وتطبيق شرع الله في كل مجالات الحياة، ومن دون أن يتوانى الفقيه عن ممارسة صلاحياته في شتى المجالات التي تحمي تلك الحكومة من الأخطار المحدقة بها سواء من جانب أعداء الخارج، أومن العملاء في الداخل لو كانوا موجودين، مضافاً إلى مراعاة حفظ المصالح العامة للمسلمين وإبعادهم عن المفاسد وقيادة سفينتهم نحو بر الأمان في هذه الدنيا لينتقلوا منها في الرحلة نحو الله من المجتمع العابد إلى الجنة حيث مجمع ومجتمع الإيمان والمؤمنين إلى جوار النبيين وخصوصاً خاتمهم محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع