كثيرة هي الحقائق التاريخية التي طمستها أيادي
المحرفين، وعديدة هي الوقائع الحقيقية التي غيبتها أقلام المزورين تحت كومة من
الأكاذيب والأضاليل الملفقة، سعياً من أصحابها إلى تغيير بوصلة الأحداث، وفرملة
حركة عجلات التاريخ عند أحداث وتحولات مزعومة، إن من حيث أصل وقوعها، أو من حيث
حجمها وقدرها، وغاية ما في أمر هؤلاء الراكضين خلف أهوائهم وخرافاتهم، أن يكونوا
محور التاريخ وصانعي أحداثه وسادة مستقبله.
والشاهد هنا، اليهود، الذين لعبوا منذ
أقدم الحقب التاريخية، أدواراً خبيثة في تشويه الحقائق وقلب المعايير، خصوصاً لجهة
تجروئهم على تجريم الآخر، وتسفيهه، في مقابل الادّعاء الأجوف بتطهر الذات وبراءتها،
ومحاولة تقديمها دائماً على صورة الأنا الضحية والمعذب. وقصة ما حدث بين النازية
الألمانية ويهود أوروبا توضع ضمن هذا الإطار من سياسة التضليل والخداع اليهودية،
وتندرج على لائحة أكثر الأحداث التي ما برحت تثير جدلاً في الأوساط الأوروبية
والعالمية، لشدة خوضها وتشابكها وتداعياتها الواسعة والمستمرة.
ولا نظن أن القرن العشرين شهد حدثاً استأثر بطبيعته وذيوله، بهذا القدر من الاهتمام
والبحث والتمحيص، كالحدث الذي تمثل بما سمي بالإبادة النازية لليهود! وهذا يعود
بطبيعة الحال إلى قدرة الجمعيات اليهودية الإعلامية على اختزال الأحداث الإنسانية
الكبرى (الحربين الكونيتين نموذجاً) وفرض منطق متحيز وتخصيصي، قوامه تضخيم وتفظيع
كل ما من شأنه المس بالمسألة اليهوية، مهما كان ضئيلاً وواهياً، وإهمال كل ما هو
إنساني عام، مهما كان مفصلياً وحقيقياً. ولفهم حقيقة ما حدث حق الفهم، لا بد من وضع
الأمور في سياقها التاريخي. فبدءاً من الثورة الإنكليزية (1640 - 1660) مروراً
بالثورة الفرنسية الكبرى (1789) وإنتهاءً بالثورة البلشفية (1917) وما صاحبها
وتلاها من ثورات وتحولات ثقافية حادة (الدراوينية النيتشوية والفرويدية...) في
المجتمع الغربي، كان للجماعات اليهودية، كما أصبح معلوماً لدى أكثر الباحثين، الدور
المركزي في تلك الأحداث التي تمخَّض عنها انقلاب مفاهيمي ومنظومي عميق في البنى
الفكرية، والأنماط السلوكية، والرؤى الفلسفية، الإنسانية والكونية، وظهورٍ كاسح
للنزعات العنصرية والعرقية، في مجتمع كان يمر في أدق وأخطر مراحل تطوره (الثورة
الصناعية وظاهرة العَلمانية).
* أطروحة نيتشه مثالاً:
وللمثال تطالعنا إحدى ألمع الأطروحات التي راجت في القرن التاسع عشر ومثلت ذروة
الاختلال في نظرة العقل الأوروبي ورؤيته الكونية. ونعني بها، الأطروحة النيتشوية
(نسبة إلى نيتشه 1884 - 1900). التي استندت على مفهوم "مدن الإله" وولادة الإنسان
القوي النخبوي "السوبرمان" المحارب لنظام القيم الإلهية، والداعي إلى استعباد الآخر
الضعيف، أو بمعنى أدق وأفصح، كانت بمثابة الإعلان عن حلول الإله في الإنسان الأرقى،
والعرق الأنقى، ومنحه الحق "الإلهي" في التحكم بمصائر الشعوب الأدنى مقاماً منه.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في إطار البحث عن نواة هذه الأفكار الهدّامة، ووضع
اليد على العناصر الأكثر تأثيراً في خلقها وبلورتها هو: ألم تكن فكرة حلول الإله
(أو موته حسب التعبر النيتشوي الفظ) في الشعب اليهودي، تاريخاً وخصالاً وثقافة،
وتصوير السلوك اليهودي غائياً، على أنه تفعيل مباشر لإرادة "يهوه" المنعكسة في
الشخصية اليهودية، بحسب المنطق التوراتي القديم؛ هي منشأ الأطروحة "النيتشوية"
بإرهاصاتها المدوية وتأثيراتها الصميمية؟!.
خصوصاً إذا عرفنا أن أواخر القرن التاسع
عشر، أي مرحلة ظهور "النيتشوية" وتبلورها قد شهدت إنتشاراً لم يسبق له مثيل للأفكار
التوراتية، والأدبيات الصهيونية في البلاد الأوروبية، والتي توجت بالاعلان الرسمي
عن تأسيس الحركة الصهيونية! يُضاف إلى ذلك، ما عُرف عن نيتشه نفسه من أنه كان من
رافضي فكرة معاداة اليهود، لأن ذلك يعتبر من وجهة نظره شكلاً من أشكال ثورة العبيد
الضعفاء ضد السادة الأقوياء، كما أنه كان من المعجبين ب"العهد القديم" المتضمن
لأحكام تمييزية صارمة، لا تقبل المساومة أو التهاون، وغني عن البيان أن "نيتشه"
بأفكاره تلك ومن ورائها الخرافات اليهودية (الإنسان الأعلى الشعب المختار نقاء
الدم) أُعتبر أحد أبرز مؤسسي نظرية "نقاء العرق الحرماني"، ورمز من رموز واضعي
العقيدة النازية العنصرية.
ونقرأ في أحد بروتوكولات حكماء صهيون (البروتوكول الثاني) ما يؤكد على الخلفية
اليهودية لظهور مناخ العنصرية التمييزية في المجتمع الأوروبي "إياكم أن تعتقدوا،
ولو للحظة واحدة، أن ما أقول هو من الكلام القليل الجدوى: فما عليكم إلا أن تتفكروا
في ما وضعنا لانجاح النظريات الداروينية (البقاء للأقوى) والماركسية (الفلسفة
المادية) والنيتشوية، أما نحن اليهود، فما علينا إلا أن نرى بوضوح ما كان
لتوجيهاتنا من أثر خطير في التلبيس على أفهام الغوييم (غير اليهود) في هذا المجال".
النازية على خطى اليهودية: بالإضافة إلى ما تقدم، فإن اعترافات وأدبيات وسلوكيات
القادة النازيين تضعنا أمام معطيات واقعية لا مناص من اعتبارها حقائق دامغة في
تفسير ما حدث فعلاً.
فعلى الرغم من الأعمال الفظيعة اللإنسانية التي ارتكبت على
أيدي النازيين إبّان الحرب الكونية إلا أنه من غير الموضوعية بمكان، عزل هذا التصرف
عن محيطه الذي كان مشحوناً بالمحرضات والمؤثرات التعبوية والفوضوية، والتي ساهمت
جوهرياً في دفع الأحداث، وفق سياسة الأمر الواقع، إلى ذروة التشدد وبداية الانفجار.
ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا بأن اليهود لعبوا دورهم بامتياز في تهيئة المناخ على
أكثر من صعيد لظهور نزعة الانتقام العارمة والرغبة الجامحة لدى الألمان، للاقتصاص
من الذين أمعنوا في استغلال بلادهم وإهانة إنسانها بأساليب استفزازية منفرة.
والثابت بداهة في مثل هذه الحالة، ومن وجهة نظر نفسية تحليلية، لجوء الضحية
المترنحة تحت سياط الجلاد، والفاقدة أساساً لمرتكز قيمي ذاتي أصيل، إلى التوحد لا
شعورياً بشخصية المعتدي اقتفاءً للأشد، واقتداءً به، بحيث تُسقط على المعتدي
أنماطاً سلوكية انتقامية مماثلة لتلك المطبَّقة من المعتدي نفسه، وهذا التحول
اللاشعوري قد ينسحب أيضاً على طبيعة المنطلق الفكري، والحافز المعنوي، مع اختلاف
سطحي في الرؤية والتفسير، طبقاً للزاوية المنظور منها، لذا نجد "أدولف هتلر" متى
يُسأل عن سبب عدائه لليهود، يجيب بما يؤكد على عقدة التشبه المرضية باليهودي:
"لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران، ونحن وحدنا شعب الإله المختار! هل هذه إجابة
شافية على السؤال؟".
وهذا لا يعدوا أن يكون سوى ترديد لما جاء على لسان الزعيم اليهودي الشهير "آحاد
عاهام" في كتابه "إعادة تقدير القيم" الصادر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر،
ومما قاله: "إن اليهود باعتناقهم فكرة الإنسان الخارق، يفترضون وجود الشعب الخارق
الذي وعى تفوقه في العصور الغابرة على الناس المحيطين به" ويضيف: "إن الرب اختار
شعب إسرائيل وجعله فوق الشعوب كلها"!!. والخطاب التوراتي المتشدد والقاسي "العين
بالعين والسن بالسن" يظهر تأثيره جلياً في كتاب "كفاحي" ص249 لمؤلفه هتلر، وذلك في
معرض حديثه عن آليات الرد على الممارسات اليهودية الغير أخلاقية حيث يقول: "قد
يعترض معترض بحق، أن التعصب والأنانية هما نقيصتان عالقتان باليهود، وأنه ليس
خليقاً بنا أن ننسج على منوالهم، وأن نحاربهم بالسلاح الذي يشهرونه في وجه خصومهم،
هذا صحيح، وألف مرة صحيح، ولكن الوضع الراهن الذي نتبرم منه، لا يمكن إزالته
بالوسائل العادية، والعقيدة التي تقوم على التعصب والأنانية، لا سبيل إلى سحقها
بغير العقيدة التي تُشِهر في وجهها السلاح نفسه".
واعترافات المنظِّر النازي الكبير
"سترايخر" خلال محاكمات "نورمبرغ" الشهيرة. تعزز بدورها نظرية المنشأ اليهودي
العميق لظاهرة التطرف والتعصب النازيين. ومما جاء فيها أنه تعلم فكرة النقاء العرقي
من النبي "عزرا": "لقد أكدت دائماً حقيقة أن اليهود يجب أن يكونوا النموذج الذي يجب
أن تحتذيه كل الأجناس، فلقد خلقوا قانوناً عنصرياً لأنفسهم، قانون موسى الذي
يقول: "إذا دخلت بلد أجنبياً فلن تتزوج من نساء أجنبيات...". يُضاف إلى ذلك
اعتراف الضابط النازي الكبير "أدولف أيخمان" خلال محاكمته بأن مسؤوليه كانوا طلبوا
منه عند تعيينه في وظيفته، قراءة كتاب هرتزل عن "دولة اليهود" الذي تأثر به كما
يقول كثيراً، وتأثر به زعماء نازيون غيره. وقد تضمن اعترافه قصة التعاون النازي
الصهيوني السري، لخلق ظروف دموية ضاغطة على اليهود، لحملهم على الهجرة إلى فلسطين
(وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل في مناسبة لاحقة).
وكلمة أخيرة: في الختام نود التأكيد على ضرورة
التمييز بين ما هو ثابت في الرصيد الثقافي والسلوكي التاريخي من جهة، وبين ما هو
حقبي وابتدائي وأفولي من جهة أخرى، على الرغم مما قد يجمع بينهما من تشابه وتماثل
في ظرف أو قطر ما. فاليهودية بما تمثل من نمط إجرامي وتحريفي تاريخي قديم، لا يمكن
بأي حال من الأحوال مقارنته بالنازية، على رغم ما ارتكبت الأخيرة من أعمال غير
أخلاقية، إلا أنها بقيت حالة ظرفية، حركتها دوافع عديدة، منها وليس أقلها شأناً،
السلوك اليهودي الشاذ والفاسد.
وما يُستفاد من التاريخ الإنساني القديم والحديث،
يجسد درساً ولائدياً وبراهينياً على ما أسلفنا، فأين كانت النازية في العصور
الغابرة يوم أمعن اليهود في تحريف الكلم عن مواضعه، وفي قتل الأنبياء بغير حق،
وممارسة أبشع أنواع الابتزاز والفجور، وأين هي النازية في العصر الحديث، ويهود
اليوم هم من يهود الأمس، أشد فتكاً وبطشاً وهمجية (ما يحدث في فلسطين نموذجاً)
وأغور في اللصوصية والإفساد في أرجاء واسعة من العالم. ويحضرنا في هذا المقام، كلمة
لفيلسوف العنف في الحركة الصهيونية اليهودية "زئيف جابوتسكي" (1880 - 1940) يقول
فيها صراحة: "تستطيع أن تلغي كل شيء: القبعات والأحزمة الملوثة، والافراط في
الشراب والأغاني، أما السيف فلا يمكن الغاؤه، عليكم أن تحتفظوا بالسيف، لأن
الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل هو ملك لأجدادنا الأوائل، إن السيف
والتوراة قد نزلا علينامن السماء"! ولسنا أن نقول بأن الإبادة الجماعية،
والترانسفير القسري لشعب كامل من أرضه إلى أراضي الشتات، ومعتقلات "أوشفيتز"
النازية وغيرها، ومحارق وأحزان الغاز (إن صحت المزاعم اليهودية)، وخرافة نقاء العرف
الآري، وأفضليته، كل هذه ليست ابتداعاً ألمانياً نازياً، بل هي من المفاسد والفظائع
التي تجوهرت في صميم الإرث التوراتي الحاخامي منذ عشرات القرون.
* حكمة المقالة:
قال رجل للإمام الحسن عليه السلام: من هو شرِّ الناس؟ فقال: من يرى أنه خيرُهم.