نسرين إدريس
الاسم:
إبراهيم ملحم البزال اسم الأم: خديجة البزال محل وتاريخ الولادة: البزالية 4 / 6 / 1961 الوضع العائلي: متأهل وله ولدان رقم السجل: 36 مكان وتاريخ الاستشهاد: جنتا 16 / 11 / 1985 |
الاسم:
بلال ملحم البزال اسم الأم: خديجة البزال محل وتاريخ الولادة: البزالية 18/ 9 / 1973 الوضع العائلي: متأهل وله ثلاثة أولاد رقم السجل: 36 مكان وتاريخ الاستشهاد: كفرحونة 25 / 12 / 1999 |
تمتد شوارع البزالية الضيقة الموسومة بالاستضعاف، إلى قلب
البقاع الأبي، لتصل إلى عمق الجنوب، ولتصبح المكان المزين بأسماء الشهداء الأبطال،
ولتصبح تلك الشوارع الضيقة أكثر اتساعاً من أطراف الدنيا... البزالية، تلك القرية
التي استيقظت عند بزوغ فجر انتصار الثورة الإسلامية على حياة جديدة كان لها موعد مع
العهد والوفاء في آنٍ معاً، فصارت علماً؛ للشرف والتضحية والوفاء...
وبين انعكاس
الرايات الخمينية، وصوت الدبابات الإسرائيلية التي بدأت باجتياح لبنان، ترنّحت
البزالية من مكانها، ومدّت يدها إلى الحرس الثوري لتعطيه النخبة من أبنائها
المؤمنين المخلصين، ليصبحوا من صانعي الغد، ولم تبخل على الوطن بتقديم أعزائها
فكانوا؛ المجاهدين، والجرحى، والأسرى، والشهداء...
وكان لإبراهيم الشاب الهادئ والرصين موقفاً حاسماً من التغيير الذي طرأ على مجريات
الأحداث على الساحة العربية، وإذ أنه كان في البيت بالنسبة لوالديه ولأخوته المرشد
والناصح في أمور الدين، وصاحب الرأي والمشورة إضافة لمساندة والده الذي ينوء بحمل
مسؤولية عشرة أبناء يحاول تأمين حياة كريمة لهم، فكان أن التحق بالجيش اللبناني
لمعاونة والده بتحقيق الطمأنينة على أفراد الأسرة.. ولكن مع دخول الحرس الثوري إلى
لبنان تغير الكثير من حياة إبراهيم، الذي لم يستطع تحمل رؤية جندي صهيوني يدوس أرض
وطنه ويبقى ساكتاً، وعلى الرغم من حاجة عائلته المادية الملحّة لعمله، فإن نظرته
لعائلته صارت بحجم الوطن، وهو الذي رأى في الإمام الخميني ملاذاً لروحه وخلاصاً
لنفسه، وسمع دعوته لمحاربة الجرثومة الصهيونية، فترك عمله للالتحاق بصفوف حزب
اللَّه، وليشارك المجاهدين الذين عاهدوا اللَّه أن يمضوا في طريق الجهاد حتى نيل
إحدى الحسنيين..
كان وقتاً عصيباً من الهزيمة والتخاذل حينما خسرت الأمة العربية
فلسطين، ولكن الرفض الصريح والجاد للبنانيين بعدم ضياع أرضهم، والذي أكدوه بدمائهم
سيكون بداية استرجاع فلسطين؛ هذا هو قرار المجاهدين. وهكذا بدأ إبراهيم يغيب عن
البيت كثيراً ليقضي أيامه بين تدريبٍ وكمينٍ وعملية، في وقتٍ كان تحرك المقاومين
محفوفاً بالمخاطر، وما ساعده في التحرك بحرية هو إيمان أهله بقضيته ودعمه معنوياً
وحثه على الجهاد ضد الصهاينة الغزاة.. فكان من أبرز المشاركين في العمل العسكري،
ومن أكثر الأخوة المؤمنين المعروفين بالتقوى والزهد في الدنيا والإخلاص للدين،
ومثلما سعى بكل قوته لتأهيل نفسه عسكرياً، سعى بكل جوارحه ليكون إنساناً صالحاً
يقبله الإمام المهدي عجل الله فرجه أن يكون من جنوده.. وإذا كانت صورة الشباب
المؤمن الملتحي الحامل للسبحة أينما ذهب والذي لا يؤدي صلاته إلا في المسجد مستغربة
في بداية الثمانينيات، فإنها كانت سُنة بثها الشباب الواعي في بلدة البزالية التي
تأثرت بالأجواء الإيمانية التي عمد أبناؤها ببثها فيها، وكان إبراهيم أحد أولئك
الشباب المتميزين بالوعي والمسؤولية والمبادرة، وكان نقطة التأثير في المنزل
والداعية لهم بتصرفاته لا بلسانه، فكان ينبه من الغيبة، ويُقلل من كلامه، ويؤدي
صلاته في المسجد دائماً، ويحافظ على سرية عمله، ويقضي شطراً من الليل يتعبد في
محرابِ عروجه نحو الباري عزّ وجلّ..
وحتى عندما تزوج ورزق بطفلين، فإن مسؤوليته كزوج وأب لم تمنعاه من المشاركة في
الجهاد، بل على العكس، كانت زوجته تدعمه وترفده بدعائها، وهو في كل مرة يودعها
ويودع أهله وداع من لن يسلك طريق الرجوع.. لقد رأى إبراهيم الكثير من رفاقه يسقطون
شهداء، وتلونت يداه بدمائهم الزكية، فكان يوزعها على أطراف قلبه ليحثَ الخطى
بالإسراع واللحاق بهم، فكان حديث الشهادة يرافقه كأنفاسه، ويحرص على المحافظة على
الطريق الذي استشهد لأجله رفاقه ويسعى بدوره للحاق بهم، بين أفراد أسرته، وأبناء
قريته.. وكان لإبراهيم ما تمنى، فغادر سريعاً جمعة الأحبة والأصحاب لتركن نفسه
الوادعة بين من سبقوه إلى جنان اللَّه، وقد استشهد في المعسكر الذي خرّج الليوث
الذين هزموا إسرائيل ولوّنوا تاريخها بلون الذل والعار، وقد كانت حرارة الرصاصات
التي خطفت روحه من الدنيا برداً وسلاماً على قلبه المطمئن، وهو يدري أن الأوفياء
سيحافظون على القضية..
كان عمر بلال أخيه آنذاك اثني عشر عاماً، وإذا كان الفتية في
هذا العمر يشدهم اللعب واللهو، فإن بلالاً المراقب لتقلبات الحياة بعد رحيل أخيه،
ومطالعته لحياة إبراهيم المليئة بالمواقف الشجاعة، جعلتاه على بينة من أمره، وفتحت
أمام عينيه طريق غده، فسار بكل ثقة وطمأنينة، ليكون مؤذناً في صباحات الجهاد
والشهادة.. كبُر بلال وكان صاحب الحظّ الأوفر من إرث إبراهيم الذي ترك له تاريخاً
مشرفاً من الجهاد ينير له دروبه، فحمل السلاح باكراً، وشارك المجاهدين في نهاراتهم
ولياليهم، آزرهم في المحن، وشاركهم لحظات الفرح، وحصد معهم الانتصارات التي رفعت
رأس الوطن عالياً.. وكان فتىً وفياً للبزالية التي لونت حدودها على خارطة الوطن
بسياجٍ من دم.. حافظ بلال على كثير من عادات إبراهيم، فكان يؤكد على ضرورة الاجتماع
العائلي، ويساعد إخوته وأهله، ويتحمل همومهم ويعمل على حل مشاكلهم..
ولكن حمل المسؤولية باكراً لم تجعل من بلال غارقاً في العمل، بل كان يتحين الفرص
ليقضي الوقت في لعب كرة القدم، أو في المطالعة، فكانت تلك الفرص تمنحه جرعات من
الهدوء بعيداً عن ضجيج الرصاص والقذائف التي سرعان ما يشتاق لها ويعود متلهفاً
لملاقاتها، فإن الحياة الحقيقية للمجاهدين هي فقط بين الصخور، وفي الجبال الوعرة،
ثمة شوق لا ينتهي بين قلب المقاتل والتراب، بين جعبته والهواء، بين روحه والسماء..
تزوج بلال من شقيقة زوجة الشهيد إبراهيم، وأنجب ثلاثة أولاد، وسمى ابنه إبراهيم على
أمل أن يكبر على خطى عمه ووالده ليكمل معهما مسيرة الجهاد.. كان بلال رؤوفاً
بعائلته وأهله، ولكن في المرة الأخيرة التي توجه فيها إلى المحاور لم يودّع أحداً
سوى أبنائه على غير عادته، وكانت ليلة 25 12 1999، ليلة ميلاد نبي اللَّه عيسى عليه
السلام، كانوا مجموعة من المجاهدين الذين قال لهم بلال أنه سيستشهد لوحده من بينهم
لأن وجهه تلألأ بنور غريب، ومضت تلك الليلة المفعمة بسحر لم يفقهه أحد، والطيران
الحربي الإسرائيلي يحلق فوق رؤوسهم على علو منخفض. طلب إليه الاخوة الانسحاب بعد أن
كان يتصدى للطائرات بالمدفعية، فطلب منهم الانسحاب وأستسمحهم بأن يطلق آخر قذيفتين،
أطلقهما، ثم سقط صاروخٌ بالقرب منه رفعه شهيداً إلى اللَّه تعالى.. وكانت تلك
المعركة هي الأخيرة في موقع كفرحونة الذي تركه الصهاينة هرباً من العمليات العسكرية
عليه من قبل المقاومة. إبراهيم وبلال؛ عنوان واضح على الإيمان العميق بنهج
المقاومة، النهج الذي بُذلت لأجله الأرواح..
من وصية الشهيد إبراهيم البزال: إخوتي الأعزاء؛ أوصيكم كما قال الإمام علي عليه
السلام بتقوى اللَّه ونظم أمركم، وأن تحافظوا على نهج وطريق الإسلام.