إذا بلغ الطفل مرحلة من العمر وكان يعش فيها وسط أجواء التديُّن والإيمان ويسمع دائماً ذكر أسماء موجودات لا يراها ويرى أهله يرفعون أيديهم بالتضرع إلى ذلك الوجود المقدَّس قد يتساءل عن هذا الإله الذي يحبه أهله أو من رآهم، ويطرح عليهم أسئلة محيرة: الله أين هو موجود؟ وفي أي مكان ومن خلقه؟ و...! فماذا نفعل عندما نواجه مثل هذه الأسئلة؟
لا ينسى الوالدان بأنهنا كانا طفلين، وربما تساءلا يوماً عن مثل هذه الأمور. ويمكن القول أن المسألة بشكل عام ترتبط بالفطرة الإلهية التي أودعها الله فينا وجعلنا مخلوقات تبحث عن الحقيقة لتكتشف المجهول. والطريقة التي يتعامل بها الأهل وخاصة الأم مع أسئلة الطفل المحيرة والمتكررة سوف يكون لها أثر عظيم في توجهات الخير وتفتح الاستعدادات الكامنة والقدرات الدينية فيه.
حينما يجد الطفل أن أمه تجيبه على أسئلته بشكل هادئ ولطيف يتشجَّع لطرح المزيد من الأسئلة، وذلك لأن كل البشر مفطورون على البحث عن المجهول. ولكن المجتمع والبيئة أو محيط الأسرة هي التي تدفن مثل هذه الاستعدادات فيتجه الطفل إلى العالم المادي فقط ويغلقُ عليه باب عظيم من الأبواب المعنوية. والخطورة الأشد هي أنه لن يتعامل مع الحقيقة بالشكل الوجداني، وبتعبير آخر لن يكون طالباً ولا متبعاً للحقيقة لأن هذا الأمر قد سُفِّه في نظره منذ الطفولة.
إن الأهل يلعبان دوراً خطيراً في إعطاء هذه المسألة قيمة كبيرة بحيث يثيران في نفوس أولادهم روح الحق.
وغداً عندما يكبر الأطفال لن يتنازلوا أبداً عن حقٍ ما، بل يحترمون أهل الحق وتصبح حياتهم سفراً معنوياً دائماً باتجاه الحقيقة.
المسألة الثانية تتعلق بخصوص الأسئلة التي تأخذ الطابع الغيبي والمجرَّد ولا يمكن استخدام أمثلة حسية قريبة من واقع الطفل لتسهيل فهمها.
هنا لا ينبغي التساهل والتقليل من مستوى الطفل الذي يفكر أكثر مما يعبّر، ونظراً لتجاهله أحياناً قد يظهر هو تجاهلاً أو استهتاراً مشابهاً في المستقبل. فهناك أساليب مفيدة يمكن استعمالها لأجل إيصال الأفكار الحساسة إلى ذهنه خاصة إذا ألح على السؤال. وذلك من خلال التعبير عن تلك الأمور الغيبية بالمسائل الوجدانية التي عايشها الطفل منذ ولادته ورضعها مع حليب أمه كالمحبة والشوق والعاطفة و...
بهذه الطريقة يغرس الأهل حب الله وأوليائه في قلوب أبنائهم ويشبعون ميولهم الفطرية التي تثمر في المستقبل ذكاء وتوقداً وتوجهاً نحو الخير. ولا ننسى أن للثقافة دوراً مهماً في هذا المجال.