نلا الزين
المثقف ليس من أحسن القراءة والكتابة أو من حصل على شهادة
علمية فحسب، بل إن ما يميز المثقف في أي مجتمع، صفتان أساسيتان هما: الوعي والدور.
الوعي المقصود به هنا الوعي الاجتماعي: الذي يمكِّن الفرد من رؤية المجتمع وقضاياه
من زاوية شاملة وتحليل هذه القضايا على مستوى متماسك وموضوعي وعميق. أمَّا على صعيد
الدور الاجتماعي: الذي يمكن الفرد من القيام بعمل ودور فعال في مجتمعه استناداً إلى
وعيه الاجتماعي إضافة إلى قدراته ومؤهلاته الخاصة لذا فالعلم يصبح ثقافة إذا
توفر لدى المتعلمين وعيٌ اجتماعيٌ. هناك فئات تتبلور صفاتها وميزاتها من خلال وعيها
ودورها الاجتماعيين.
أولاً: فئة تحوَّل الوعي عندها إلى ممارسة
كاملة، وساروا في حياتهم باتجاه تحقيق هدف اجتماعي وجدوه ضروري الوجود والتحقيق.
لأنهم وعوا مجتمعهم وقضاياه وحاجاته، فحولوا وعيهم إلى فعل ودور اجتماعي من أجل
تحقيق هذه الحاجة أو هذا الهدف الاجتماعي وتغيير ما يلزم في سبيل ذلك فهؤلاء يصبحون
الطليعة المسؤولة عن التغييرات الأساسية التي تحدث في المجتمع وتشكل أداة انتقاله
من مستوى إلى مستوى أعلى ومن مرحلةٍ إلى مرحلة أخرى.
ثانياً: فئة، بقي الوعي عندها في مجال الكلمة
ولم يتحول إلى ممارسة مباشرة. إنَّ هذه الفئة تلعب دوراً على صعيد التأثير في الرأي
العام ودفع الوعي الاجتماعي عنده نحو آفاق ومجالات جديدة ويحتاج ذلك الدور النظري
أو التنظيري إلى وقت طويل ليظهر ويتحقق، فهذا الدور يعتبر دوراً فكرياً وممارسته
ممارسة فكرية.
الفئة الثالثة: تشمل العاملين في مجال التثقيف
والتعليم، فدورهم الاجتماعي هنا هو نتيجة عملهم في حقل الثقافة والتعليم وممارستهما
بشكل فعلي ومباشر، أيضاً هذا الدور هو دور فكري يمارس فيه الفرد عملاً اجتماعياً مع
الآخرين ومع الجيل الجديد دون الانخراط المباشر في انهماكات وصراعات المجتمع، لكن
هذه الفئة لها دور مهم في تكوين قوى وأجيال يشكلون طليعة المستقبل.
الفئة الرابعة: تأثيرها ينبع من ممارستها
المهنية ونتائج عملها في حقول اختصاصها المهني والعلمي، لهذه الفئة تأثير على المدى
الطويل لأنَّ التغيير الاجتماعي والحياتي المنبثق من العلم والحقول المهنية سيؤدي
إلى تحول جذري في بنيان المجتمع المادي والاجتماعي معاً.
ومع وجود هذه الفئات نطل على مدى فاعلية المثقفين والواعين في حقل المجتمع
والاجتماع. يقرر مدى فاعلية الوعي والثقافة الاجتماعيين لدى الفرد عوامل مختلفة
منها الموضوعي ومنها الذاتي. العامل الموضوعي، عبارة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية
المهيمنة والوعي الاجتماعي الراهن. العامل الذاتي، عبارة عن الوضع الشخصي ومستوى
الوعي الذاتي، وطبيعة الثقافة والتخصص العلمي. وهنا نشير إلى أنَّ المجتمع العربي
مجتمع شاب، فستون في المئة (60%) من سكانه لا يزالون دون سن العشرين حسب بعض
الإحصائيات، إنَّ ثقافة ووعي الجيل الصاعد ستكون أكبر عدداً وأوسع أثراً منها في
الجيل الذي مضى وربما سيكون أكثر استقلالاً وبالتالي أكثر تأثيراً في حياة المجتمع.
موضوعياً يقف المجتمع العربي على عتبة الانتقال من قرن إلى قرن لكنه لا زال بطيئاً
في تحقيق هذا الانتقال ذاتياً فالتغيير الاجتماعي يتطلب إرادة ذاتية قادرة على
الاستفادة من اللحظة والعمل للمستقبل. وهنا لا بدَّ من إطلالةٍ على واقع الجيل
الجديد، إنَّ أكثر من خمسين بالمئة من سكان العالم العربي في عمر يقل عن الثامنة
عشر، كما أنَّ ثلث هذه الفئة في السادسة فما دون، فهؤلاء مستقبلهم مستقبل المجتمع
العربي، وحتى نؤسس لطفولة مؤهلة للسير في اتجاه الوعي الاجتماعي في شتى المجالات لا
بدّ من تربية خاصة بذلك، فهذه مرحلة تختلف عن المراحل اللاحقة وحقبات النمو التي
تليها، والعائلة تمثل دوراً رئيسياً والأبوان يمثلان دوراً حاسماً على الصعيد
التربوي للطفل ولا بدَّ من امتلاكهم وعياً اجتماعياً، وممارسة هذا الوعي في طرائق
تربيتهم وتنشئة أجيالهم. والأم هي العنصر الأول في تلقين الطفل السلوك الاجتماعي
فهي تساعده على خوض اختبارات عن النظام والمحيط الاجتماعي وتزرع فيه التطلعات
والشعور بالذات وبالآخر. وفي اطار العلاقة بين الطفل والأم فهي تؤثر في سائر
العلاقات التي يقيمها فيما بعد. أما على صعيد دور الأب في العائلة العربية فهو أقل
بروزاً من دور الأم في السنين الأولى من حياة الطفل ثم يزداد بشكل نسبي، ومن
العوامل التي تحدد نمو الطفل:
1- سلوك الأبوين.
2- وطرائق تعلم السلوك الاجتماعي (أي التثقيف الاجتماعي).
أولاً: تبقى العائلة لمدة طويلة المجموعة
الأولى التي يعود إليها الطفل كمرجعٍ للقيم والقواعد وأنماط السلوك فيبني عليها
سلوكه، كذلك فإنَّ نوعية التفاعل ضمن العائلة ذاتها تتأثر إلى حدٍّ كبير بالطبقة
الاجتماعية التي تنتمي إليها العائلة.
ثانياً: على مستوى تعلم السلوك الاجتماعي: إنَّ
أساس بنية الشخصية يتكون في السنين الأولى للحياة ويكون الاندماج في الحياة
الاجتماعية بواسطة القيم الأساسية السائدة في الثقافة العائلية والفرعية فقد بيَّنت
دراسة أجريت على أطفال تتم تربيتهم في جوٍّ من الحبِّ والتساهل والحوار أن هؤلاء
الأطفال هم أكثر استقلالاً وشعوراً بالمسؤولية وتحبباً في علاقاتهم مع الكبار وأكثر
استعداداً للتعاون مع الآخرين، وأكثر مثابرة على مواجهة الصعاب.
من هنا يمكن أن نطلَّ على السِّمات الرئيسية للشخصية الاجتماعية التي يتم غرسها في
الفرد في مجتمعنا العربي، ومعرفة القيم والأهداف التي ينقلها المجتمع إلى الفرد
بواسطة عوامل وعناصر متنوعة كالعائلة والمدرسة ووسائل المعرفة الأخرى المتاحة فيه
وفي ظل التحدي الذي نعيشه على كافة المستويات لا بدَّ لنا من أن نفهم طبيعة التطور
الذي طرأ على مجتمعنا وطبيعة ردود الأفعال في وجه هذا التحدي. ليتكون لدينا الوعي
الاجتماعي ونزرعه في الجيل الجديد ونُنشىء بعد ذلك الدور الذي نمارسه ونقوم به
لمواكبة المستجدات ومخالفة السلبيات ومواجهتها. وهنا لا بدَّ من طرح أمرٍ وهو
الإطار الثقافي المجرد الذي لا يرى التحدي أو المواكبة إلاَّ بمنظور التجديد أو
التقليد، أي في الأخذ بنموذج الغرب أو بنموذج السلف. والإطار الصحيح التغلب على
الشعور بالنقص وكسر الطوق الذي يجعلنا نعتبر أنَّ ما هو غربي هو الأفضل وما هو من
حضارتنا وثقافتنا وشرقنا هو الأقل قيمة، كذلك عدم اعتبار أنَّ ما لدينا في الماضي
أو الحاضر هو كل شيء ولا شيء معه أو مضافاً إليه وعدم الوقوف عند نظرية التقليد
المطلق في كل شيء فنحن نعيش في زمان ومكان وظروف عالمية تحتاج لمزيدٍ من الدِّقة
في التحليل والموضوعية في التشخيص وقدرة على الإبداع والتجديد عند الحاجة والضرورة
والإبقاء على ما لدينا عند التحقق من صحته وقدرته على الاستمرارية وصلاحية المدة
والمضمون.
إننا على مفترق حضاري وتاريخي واجتماعي يؤهل كل فرد وعائلة ومجتمع من
واقعنا من بناء نفسه أو استكمال بنائها على قاعدة الوعي وفاعلية الدور والدخول في
العصر من هذه الأبواب والإسهام في تقدم الواقع والمجتمع والحياة.