إن كلمة سياسة تعني الرعاية والتربية، ما يقال لسائس الخيل الذي يتولى رعاية شؤونها. أما السياسة الإسلامية فهي التي تنطلق من الرؤية الكونية التوحيدية التي تؤمن بأن الله هو الحاكم الأوحد والمدبر الأول لهذا العالم وهو تعالى يعلم مصالح العباد وما يفسدهم. والسياسة الإسلامية سياسة هادفة تجعل من أولوياتها تحقيق الأوامر الإلهية وأولها إيصال المجتمع إلى مرتبة لقاء الله والخروج من سجن الطبيعة المظلم إلى نور التوحيد.
إن تحقيق هذا الأمر لا يتم إلا إذا كان المجتمع متحرراً من ربقة الشهوات والتبعية
للقوى الشيطانية الكبرى والصغرى، ولهذا كان لا بد من إقامة حكم الله على الأرض من
خلال الحكومة الإسلامية العادلة.
إذن فالسياسة الإسلامية هي رعاية شؤون الأمة لتحقيق الأهداف الإلهية بما يتضمن بناء
المجتمع وإرشاده.
السياسة الإسلامية بما أنها ترجع إلى الله فينبغي أن يكون خطها ونهجها نهجاً إلهياً يأخذ كل أوامره وتعاليمه من الشريعة الإسلامية الغرّاء التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى للناس:
﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾.
ولا يعلم بحكم الإسلام إلا من تفقه فيه واجتهد في مدرسته وتعلم علوم الأئمة الأطهار
عليهم السلام الذين هم معدن الرسالة المحمدية الأصيلة، وهذا هو الفقيه العادل الجامع للشرائط:
"انظروا إلى من عرف حلالنا وحرامنا وتعلم حديثنا فاجعلوه حاكماً فإني قد جعلته حكماً..".
وبما أن أقوى الناس على هذا الأمر (العمل السياسي) أعلمهم بالأمر الإلهي والحكم الشرعي اقتضى ذلك أن يتولى الفقيه العادل المُدبر الكفوء شؤون الأمة.
إن المسلم المكلف ينبغي أن يتحرك في المجتمع بصورة فعالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾
وإقامة حكم الله ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾.
وحتى تصبح حركته السياسية هذه حركة مقبولة عند الله وتصب في الأهداف الإلهية ينبغي أنيتم ذلك من خلال الالتزام التام بولاية الفقيه.
إن حركة الإنسان وسعيه لتطبيق الأحكام الإلهي هما لأجل سعادته وتكامله. وأن كمال الإنسان لا يحصل إلا إذا كان مقروناً بالوعي والمعرفة فلا كمال دون معرفة.
فالعمل في خط الولاية لا يعني السير الأعمى، بل يتطلب وعياً تاماً لما يصدره الفقيه العادل من أوامر حتى يحصل للإنسان الأمران:
الأول الاستفادة التامة من تطبيق الحكم، لأنه طاعة لله
﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾.
الثاني إنجاح الحركة السياسية من خلال حسن التنفيذ وتزويد القائد بما يرصده من مخططات الأعداء.
وكلا الأمرين يرتبطان بالوعي السياسي.
* الوعي السياسي:
هو الإدراك الصحيح لمجريات الواقع السياسي وما يحصل فيه من أحداث وتطورات. وهو المعرفة الدقيقة لغايات وأهداف القوى المؤثرة في مجتمعنا وفي العالم المحيط بنا. ومعرفة خلفيات هذه القوى أي خلفيات مواقفها وتحركاتها ومشاريعها وتأثير ذلك على أمتنا وأهدافنا وقضايانا الرسالية.
والوعي السياسي ينقسم إلى قسمين:
1- معرفة الواقع وما يجري من أحداث وتطورات.
2- فهم الموقف المناسب على ضوء الضوابط الشرعية ومصلحة الإسلام والمسلمين (وهذا ما يحدده الولي الفقيه) لمواجهة هذه المجريات وهذه المتغيرات والتطورات.
* أهم مميزات وشرائط القسم الأول من الوعي السياسي
أ- في معرفة الواقع تتساوى كل المدارس الفكرية في فهمها له، حيث أنه يتم التعرف عليه بما هو واقع فقط. ولا يكون للخلفية الفكرية في هذه المعرفة إلا دور الإضاءة وإزالة الشبهات: أي في المرحلة التربوية التي تزيل حجاب الشهوات والأفكار الفاسدة التي تعمي عين الإنسان عن الحقيقة (هذا في المدرسة الإسلامية فقط).
ب- في معرفة مجريات الواقع يجب أن لا يكون هناك أي دخل للهواجس والمخاوف، بل لا بد أن يكون فهمنا للواقع بما هو وعلى ما هو عليه دون نقيصة أو زيادة.
ج- إن هذا الأمر يعصمنا من الوقوع في الخطأ في التحليل والخلط بين النتائج والأسباب.
* أهم مميزات وشرائط القسم الثاني من عملية الوعي السياسي
أ- في هذا القسم يظهر التمايز واضحاً بين المدارس الفكرية المختلفة حيث أن كل واحدة منها تتخذ موقفاً مما يحدث بما يتناسب مع فكرها واعتقادها. فيتميز الرسالي عن القومي وعن الماركسي وعن الإنسان العادي.
ب- بالنسبة لنا نحن المسلمون الرساليون نعتبر أنفسنا ملتزمين بما تأمر به القيادة الشرعية المتمثلة بالولي الفقيه وهو الآن آية الله السيد علي الخامنئي حفظه الله. وأي إخلال في ذلك يخرجنا عن التزامنا وعن إسلامية حركتنا.
ج- الإلتزام مع الفهم للموقف المناسب يسرع عملية الحركة السياسية ويحفظها من الزلات والمنعطفات التي من الممكن أن تقع فيها نتيجة عدم الفهم والوعي الكافيين.
د- المطلوب من الأمة والعاملين فهم الموقف المناسب وليس اتخاذه لأن ذلك من شأن الولي الفقيه العادل، وللفقيه الاستعانة بآراء أهل الخبرة في هذا المجال لأنهم يمكن أن يساهموا في تحديد الموقف المناسب بدقة أكبر ومصداقية أقوى.
هـ قد تكون عملية فهم الواقع السياسي حافزاً لاتخاذ موقف إستسلامي حيال هذا الواقع، وذلك لعدم وجود الخلفية الفكرية المناسبة أو لضعف في التحلل والرؤية.
و- الاهتمام بشؤون المسلمين من الواجبات الإلهية التي افترض الله على عباده وليس من المقبول أن يكون هناك مسلم ولا يهتم بأمور المسلمين.
"من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" حديث شريف.