حيثيات التأسيس
موسى حسين صفوان
* لمحة تاريخية:
إن فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية موجودة منذ نحو مائة عام، وقد اقترحت بعد الحرب
العالمية الأولى، ثم ظهرت مجدداً بعد المجازر التي ارتكبت في الحرب العالمية
الثانية حيث تم إنشاء محكمتي نورمبرغ وطوكيو لجرائم الحرب بهدف محاكمة الأفراد
المسؤولين عن الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية والتي أدت إلى مقتل أكثر من خمسين مليون
إنسان. في عام 1948 تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة اتفاقية تدعو إلى محاكمة
أفعال الإبادة الجماعية أمام محكمة جزاء دولية تتمتع بسلطات قضائية على الأطراف
المتعاقدة التي قبلت سلطتها البند السادس من الاتفاقية وفي نفس العام أوكلت الجمعية
العمومية إلى لجنة القانون الدولية التابعة للأمم المتحدة مهمة دراسة إمكان إنشاء
محكمة جزائية دولية دائمة. ولكن المناخ الدولي الذي كان سائداً حينها حيث كانت
الصهيونية وعلى رأسها الاستعمار العالمي - بريطانيا - أميركا وغيرها - في أوج
نشاطهم لتأسيس الكيان الصهيوني المخالف لأبسط الأعراف الدولية هذا المناخ حال دون
إنجاز أي تقدم في هذا المجال.
ووضعت الفكرة في الثلاجة، حتى عام 1992، أي بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وتحول
أميركا إلى القوة الوحيدة في العالم، حيث بدأت الفكرة تحصد من جديد اهتماماً كبيراً،
فطلبت الجمعية العمومية مجدداً من لجنة القانون الدولية في قرارها الرقم 33/47 في
تشرين الثاني 1992 تحضير مشروع تمهيدي لنظام محكمة جنائية دولية دائمة على أن يقدم
إليها في تموز 1994. ولكن الأحداث التي حصلت في يوغوسلافيا السابقة البوسنه والهرسك
وسراييفو. حضت على إنشاء محكمتين خاصتين بجرائم الحرب، إحداهما ليوغسلافيا عام 1993
والأخرى لرواندا عام 1994. وفي عام 1994 كما هو مقرر قدمت لجنة القانون الدولية
مشروع نظام للجمعية العمومية، وأصبح المشروع في تصرف جميع الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة وقد أعطي مشروع النظام هذا رقم 49/53.
وفي عام 1995 شكلت الجمعية العمومية
في قرارها 50/46 لجنة إعدادية، مكلفة بتحضير نص موحد ومقبول على نطاق واسع لاتفاقية
حول محكمة جنائية دولية كخطوة لاحقة في اتجاه دراسة المشروع ضمن مؤتمر لمبعوثين
مطلقي الصلاحية. في 16 ك1 1996، وبناء على توصية لجنة القانون الدولية، قررت
الجمعية العمومية في قرارها 51/207، الدعوة الى مؤتمر دبلوماسي لمبعوثين مطلقي
الصلاحية عام 1998، بقصد صوغ إتفاقية في شكل نهائي، وإقرارها فيما يتعلق بموضوع
إنشاء "محكمة جنائية دولية". ومن كلام ل كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة في
المؤتمر: "لا يمكن الكلام عن عدالة شاملة إلا متى خضعت الجرائم الأسوأ - جرائم ضد
الإنسانية - لحكم القانون وسوف يضمن إنشاء محكمة جنائية دولية أن يكون رد الإنسانية
على هذه الجرائم سريعاً وعادلاً".
ويتزامن تاريخ انعقاد المؤتمر المذكور مع العيد الخمسين لإقرار البيان العالمي
لحقوق الإنسان، وإتفاقية محاكمة جريمة الإبادة الجماعية. ويقسم المشروع الذي قدمته
اللجنة الإعدادية إلى ثلاثة عشر جزءاً وهو مؤلف من 116 بنداً تشمل مسائل مختلفة
سنأتي على ذكر أهمها في الحلقة القادمة وقد جرت مناقشات ومفاوضات كثيفة بين الدول
بهدف التوصل إلى نص موحد ومقبول على نطاق واسع. وفي عام 1996 قررت الجمعية العمومية
الدعوة إلى مؤتمر دبلوماسي لمبعوثين مطلقي الصلاحية بهدف صوغ الاتفاقية في شكل
نهائي وإقرارها. وفي عام 1998 الشهر السابع ظهرت إلى الوجود "محكمة الجزاء الدولية
بعد مفاوضات عسيرة جرت في مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في روما والذي أفضى إلى
إقرار نظام المحكمة التأسيسي بغالبية 120 دولة من أصل 160 دولة واعترضت عدد من
الدول على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبعض الدول العربية.