الحلقة الثانية
* ما هي الميول التي تعارض المعرفة؟
هناك موانع غير التي ذكرت في الحلقة السابقة والتي تحول دون كسب المعرفة الصحيحة
ونيل العلم ولكنها هذه المرة من نوع آخر مربوطة بالميول. ولنيل المعرفة الصحيحة لا
بد للإنسان هنا من الاستغناء عن بعض المنافع المادية فكما أن الإنسان الذي يعيش
برفاهية دائمة تجده عندما تواجهه بعض المشاكل الخارجية التي تؤثر على رفاهيته
فيحاول هنا أن يواجه هذا الخطر. وكذلك هنا لنيل المعرفة الصحيحة لا بد من مواجهة
الخطر الذي يحول بينه وبينها ويقسم القرآن هذا الخطر إلى ثلاثة أقسام:
* اللذات المؤقتة والأحلام الزائلة:
إن هذه اللذات الآنية والأحلام السريعة توجد عند البعض بشكل قوي بحيث تسلب منهم كل
الفرص المتاحة وتمنعه من التفكر بالمستقبل، بل تقوي عندهم التعلق بالماديات وتصبح
حياتهم حياة غريزية حيوانية، والقرآن الكريم يشير إلى هذا المطلب بوضوح حيث يقول
تعالى:
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا
وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾
الأعراف / 179. وفي آية أخرى:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ
الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُم﴾
محمد /12.
* الاضطراب على المستقبل من اجل الماديات:
أما المرحلة الثانية وهي أنهم لو فكروا، فإنهم يفكرون طويلاً باللذات الآنية
والأحلام الضائعة ويضطربون كثيراً من اجل ذلك حيث كيف يكسبون الثروات، كيف يحصلون
على القدرة، ماذا سيكون موقفهم في المجتمعات، ما هو الدور الذي سوف يمتازون به.
هكذا فيغفلون بالكامل عن الله سبحانه وتعالى وعن يوم القيامة وعن الأمور المعنوية
الروحية وعن مستقبلهم بين يدي الله. فيبقون عبيد الميول المادية الدنيوية، حب
الدنيا، حب المال، حب الجاه والقدرة بحيث لن يخرجوا من هذه الظلمة من سجن الميول
المادية طالما يحلمون بها وحريصون عليها، ويكونون بذلك قد تركوا رائح الجنة ونعيم
القرب م الله والرحمة الإلهية. طبعاً، ليس كل الناس من هذا النوع معانداً لله
سبحانه وتعالى والأنبياء والأئمة عليهم السلام والتعاليم الإلهية، ولكن الغرق في
طلب المال والجاه والقدرة و... جعله إنساناً غافلاً، والآيات كثيرة عن هذا الموضوع.
يقول تعالى:
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾. وفي آية أخرى:
﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا
لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾
البقرة / 20. أما لو أردنا اتباع مدرسة النبي وأهل بيته عليهم السلام فيجب
أن نعرض عن كل ما قد ورد حيث يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "طوبى لمن
اسلم وكان عيشه كفافاً"، وفي حديث آخر: "خير الرزق ما يكفي". أما ما هي
عاقبة من يغرق في مستنقع الحرص على الماديات... فيقول تعالى:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
هود / 15 -16.
* العداوة والانزجار من الله والأنبياء والدين:
إن الإنسان المؤمن هو الإنسان الذي يكون فكره مشغولا دائما بذكر الله والأنبياء
والأئمة عليهم السلام وكيف يمكنه تطبيق هذا الدين و... أما الإنسان الذي تغمره
الظلمات وتسيطر عليه الميول ويقع في شباكها يصبح إنساناً آخر معاديا ومعانداً لله
والأنبياء والأئمة عليهم السلام والتعاليم الإلهية، وتنعكس عنده حالة من التنفر من
ذكر الله وكل ما يتعلق بالدين والتدين. فيصبح مكان التفكر بالله هو التفكر برأس
المال والتفكر بالرئاسة والزعامة والتفكر بحب الدنيا والمال و... وينعكس هذا التفكر
بشكل مستقيم ليصبح عدو الله والأنبياء و... وحتى من عباد الله سبحانه وتعالى.
ويتحول حينها إلى عدو وقاتل ومستكبر ومصاص دماء فالذي لا يخشى يفعل ما يريد يقول
تعالى:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا
وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ
عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ
مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾
المدثر / 11-29.
يمكن تقسيم هذه الموانع بلحاظ آخر:
أولاً: يخاطب القرآن الكريم قسما من المجتمع على أنهم المترفون والمسرفون وكان
هؤلاء دائما على خلاف مع الأنبياء عليهم السلام. وكلما بعث الله تعالى نبياً كانوا
يقفون في مواجهته ومخالفته. وسر مخالفتهم ومواجهتهم له واضح جداً وهو انه يريدون
حياة سعيدة ومترفة على حساب الآخرين وهذا يخالف دعوة الأنبياء عليهم السلام، فإذا
أرادوا أن يلتحقوا بالأنبياء سيفقدون تلك الرفاهية و... وهذا منشأ خلافهم مع
الأنبياء عليهم السلام.
ثانياً: إن البعض من الناس يعتقد في حال آمن بالله ورسله واليوم الآخر سوف يخسر
موقعه الاجتماعي والكثير منهم في حال خسر موقعه الاجتماعي سوف يخسر المنافع المادية
وهذا يعني انه سيخسر الجاه والزعامة، فحسب اعتقادهم من يخسر المال يخسر المقام
والاحترام والشهرة ومن يريد أن ينزل تحت راية الأنبياء سيصبح محدوداً ولن يقدر أن
يظهر ويكون رفيعاً كما كان. فيقول تعالى:
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾ مريم / 81.
ثالثاً: إن الاستكبار والتكبر والأنانية موجودة عند الكثير من الناس ولكن بتفاوت
وحتى التواضع أيضاً ولكن أي تواضع هذا التواضع الذي يكون من عبد لعبد من أجل احترام
نفس ذلك العبد لا لأنه آية من آيات الله بل لأن المصلحة مع ذاك.. وهذا اخطر واشد
تكبر على الله سبحانه وتعالى. وهذا الأمر على سبيل مثال حصل مع أهل الطائف عندما
دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الدين الإسلامي الحنيف. فقبل أولئك بدعوة
الرسول صلى الله عليه وآله بشرط أن لا يسجدوا لله سبحانه وتعالى لأن هذا الأمر ثقيل
جداً وغير قابل للتحمل، فهذا هو روح التكبر عند أهل الطائف، ونفس هذا ما حصل مع
إبليس اللعين، فمن المعروف أن إبليس عبد الله تعالى ستة آلاف سنة ولا يدرى أمن سني
الدنيا أم من سني الآخرة وعندما أمره الله تعالى بالسجود لآدم استكبر يقول تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
* أسئلة حول الدرس:
1- عدد بعضاً من الميول المعارضة للمعرفة؟
2- كيف أن الخوف على المستقبل المادي يمنع من المعرفة الصحيحة؟
3- لماذا تحصل عند الإنسان المادي حالة العداوة والانزعاج من الله والأنبياء والدين؟