داليا فنيش(*)
تخيَّل أنّك طفلٌ صغير، استفقت ليلاً وحيداً في سريرك،
سابحاً في عتمة الغرفة، تخاف النهوض وحدك، وعندما تنادي والدتك همساً لا تسمعك.
ماذا لو أنّ هذا الكابوس يتكرّر يوميّاً كلّ ليلة؟ ماذا ستفعل؟ ستصرخ وتبكي، نعم،
وربما لا... لكنك غداً عندما تدرك أنك في طريقك إلى النوم، ستبدأ باختلاق الأعذار،
التي يختلقها أبناؤك اليوم هرباً من النوم: شرب الماء - الذهاب إلى الحمّام - بعض
الأحضان والقبلات... إلخ.
عزيزي الأب، عزيزتي الأم، لتكون ليالي أبنائكما هادئةً،
ونومهم صحيّاً... تعرَّفا إلى أسباب اضطراب النوم وكيفيّة التعامل معها.
* أسباب اضطرابات النوم عند الأطفال
تُعبِّر الاضطرابات في النوم عند الأطفال عن ردود فعل طبيعيّة بعدم الشعور بالأمن،
فالنوم يعني الانفصال عن الأبوين بالنسبة إليهم، وهو يرتبط بالعديد من الأسباب،
أهمّها:
1- الشعور بالقلق، وبالصراعات الداخليّة، أو بالنشاط الزائد.
2- الشعور بالتوتّر المرتبط بأشياء معيّنة، كالخوف من الظلام.
3- سيطرة مخاوف مختلفة على الطفل في عمر 4 سنوات وما فوق، مثل: نشوب حريق في البيت
حين نومه، خروج الأهل من المنزل، اختلاق صور مرعبة من قصص سمعها، أو أفلام رعب
شاهدها. وكثيراً ما تُستدعى هذه الصور الذهنيّة عند الظلام.
* لنُحقِّقَ نوماً سليماً صحيّاً لأطفالنا
صحيح أنّ النوم بحدّ ذاته أمر وراثيّ فيزيولوجيّ، لا يحتاج إلى التعلّم، ولكنّ
العادات والمظاهر هي أمور تُتعلّم من الأهل والمجتمع معاً. ولكن للأسف، يرتكز تصرّف
الأهل حيالها في معظم الحالات على آراء خاطئة، لذلك لا بدَّ من الإحاطة بأهمّ
الخطوات الأولى التي تساعدنا على تهيئة النوم السليم للطفل:
1- تعليم الطفل النوم: فترة التدريب الطفوليّة جوهريّة لتعليم طرق السلوك،
فالطّفل يؤمن بما يراه.
2- الفراش: تجنّب استعمال فراش طريّ أو مرن جدّاً، ومن الأفضل استخدام الفرش
الصوفيّة، أو الإسفنج الجيّد فيؤمّن نوماً صحيّاً مريحاً.
3- لون الشراشف والجدران: عادة غرف الأطفال والشراشف مليئة بالرسومات والألوان.
ويفضّل استعمال الألوان الشاحبة على الصاخبة. علينا أن نكون حذرين من كثرة الزخرفة
الهندسيّة التي تسبّب تعباً بصريّاً، فكلّ ما يكون في الغرفة، يجب أن يوحي بالهدوء
والاسترخاء، بحيث لا يتعرّض الطفل للتشويش.
4- وضعيّة النوم: من الأفضل أن ينام في ركن بعيدٍ عن طريق المرور، ولكن يبقى
اختيار مكان السرير أمراً مرهوناً بالمكان المتاح، وبالطريقة التي نشعر فيها أنّ
الطفل مرتاح.
5- الضجيج: علينا الابتعاد عن الأصوات العالية سواء كلام الأفراد أو صوت
التلفاز والأناشيد. لكنّ بعض الدراسات يؤكّد أنّ ضجيج الأصوات يمنح الشعور بالأمان،
لذلك يمكن الالتزام بالحدّ المعقول. أمّا عن الأدوات الشائعة كوضع القطن في الأذن،
فلا ينصح بها، لأنّها تُسبّب التهابات وتحبس الهواء في مجرى السمع أو تُسبّب
التحسّس من الموادّ المصنوعة منها.
6- الحرارة: أفضل درجة حرارة للنوم في الغرفة هي 14-15 درجة، ولكن طبعاً هذه
الدرجة تختلف من شخص لآخر. كما يجب تجنّب تغطية الطفل بالأغطية الثقيلة التي تعيق
دورته الدمويّة.
7- التهوئة: ضروريّة للحصول على تنفس هادئ منتظم.
8- عدم إغلاق أبواب الغرفة أثناء النوم: يُفضّل بعض الأهل إغلاق الغرفة أثناء
النوم، فهو أمر ضروريّ لتعليم الطفل الشعور بالاستقلال وللتعرّف باكراً إلى
الانفصال المستقبليّ. لكنّ معظم الأطفال يخشون لحظة الإغلاق، فالباب المفتوح والنور
يسهّلان استقرار النوم.
9- سرير الطفل: يجب أن يتمتّع الطفل بحقّ النوم عند الشعور بالنعاس، وأن يستيقظ
وينهض من فراشه عندما يشاء، فلا بدَّ من وضع سرير، بحيث يمكن أن ينام ويغادر متى
شاء.
10- مصّ الإبهام أو لحافه: هناك رأي شائع بعدم السماح للطفل بمصّ إبهامه أو
لحافه، حذراً من تشوّهات في الفم وانتقال الجراثيم، رغم وجود رأي آخر يقول إنه
سلوكٌ طبيعيّ ويختفي دون تشوّهات، وهي عادة تسهّل وتساعد على الشعور بالأمان لدى
الطفل.
* قواعد للنوم
يمكن للآباء، وخاصّة الأمّهات، وضع قواعد تساعد الأبناء على الانضباط خلال النوم،
منها:
1- حدّدي عدد أكواب الماء، أو مرّات الذهاب إلى الحمّام التي تسمحين بها.
2- لا تتراجعي عن وعدك بعد تحديد القواعد، لا تغيّري شيئاً إلّا إذا ناقشت ذلك معه.
3- أخبريه عن القواعد في وقت مناسب، بحيث يدرك ما تتوقّعين منه إنجازه عندما يحين
وقت النوم.
4- عديه بالمكافآت عند اتّباع الأصول، قولي له: حين تبقى في سريرك طوال الليل، "سوف
تحظى بالفطور الذي تحبه"، أو أيّ شيء يسرّ الطفل.
5- تعزيز فكرة النوم من خلال تذكيره بقواعد السلوك، حين تضعينه في سريره لتعزيز
ذاكرته.
6- تشبّثي بقواعدك حين خرق القاعدة، بطلب أكثر من كوبي ماء مثلاً. اجلسي بجانب
حافّة السرير وقولي له: "أنا آسفة لأنّك نهضت من السرير، وخرقت قاعدة الكوبين. عليك
الآن إغلاق باب غرفتك كما اتّفقنا سابقاً. تذكّر كل واحد ينام في سريره، أحبك، أراك
في الصباح".
7- لا تلجئي إلى التهديد والترهيب مثل تخويفه بالحيوانات أو الضرب، فقد يخاف البقاء
في سريره، ويسري خوفه إلى أمور عدّة.
* نصائح للوالدين
1- قبل مدة النوم المحددة بنصف ساعة يجب إخبار الطفل الذي يلعب بضرورة التوقف عن
لعبه وإخباره بالوقت المتبقّي له، لتبدأ استعدادات النوم.
2- أن تكون الأجواء التي تسبق النوم مفعمة بالهدوء والراحة النفسية.
3- إن كان ثمّة مخاوف تثير قلق الطفل، فليرافقه أحد الوالدين في عملية تفتيش مشتركة
بجدّية عن مصدر الخوف كي يفهم أنّ والديه يهتمّان لأقواله، فيطمئنّ.
4- من الجيد قراءة قصة قصيرة لطيفة، قبل النوم.
5- إذا كان الطفل يخاف الظلام، فلا بأس بإشعال نورٍ خافتٍ في الغرفة.
6- امنعيه من شرب السوائل قبل ساعة من النوم.
7- يجب أن لا يجعل الأهل موعد نوم الطفل مرتبطاً بظروفهم.
ونوماً هنيئاً لأطفالكم.