تحقيق: نانسي عمر
إنّه زمن الفضائح التلفزيونيّة المصوّرة.. زمن لم يعد فيه
المشاهد قادراً على الاختيار بين برنامج وآخر؛ لأنّ كلّ برنامج يعرض فضيحة أدهى من
الأخرى. قد لا تمسّ المسألة كلّ فرد في المجتمع بشكل شخصيّ، ولكن يدفعه فضولُه وحبّ
الاطّلاع على الخصوصيّات والأسرار والفضائح إلى مشاهدة تلك البرامج. ولكن، ما
الفائدة من مشاهدة خصمَين يتبادلان التهم والشتائم وكشف الأسرار الشخصيّة؟ وماذا
يهمّني إنْ كان فلان قد احتال على فلان أو إنْ طلَّق رجلٌ زوجته أو تزوَّج آخر
فتاةً من دون رضى أهلها؟
*أسرارٌ على الشاشة
أسرار البيوت لم تعد أسراراً. شجارات الأصدقاء، والشركاء والعائلات صارت نزاعات
علنيّة في حلقات متسلسلة. وقصص الناس باتت سيناريوهات لمسلسلات يتشوّق الناس لمعرفة
مجرياتها. فضائح بالجملة.. أسرار مخفيّة تظهر إلى العلن وتُهم وُجّهت إلى أشخاص
يتبيَّن بعد التحقّق منها أنّها مجرّد إشاعات وأكاذيب.. وكلّ ذلك سعياً وراء كسب
الجمهور وجذبه ليشاهد هذا البرنامج أو لتحقيق أرباح طائلة للمحطّة الفلانيّة من عرض
الإعلانات في وقت عرض البرنامج.
*هل تنفع المجتمع؟
أمّا المشاهدون، فتختلف آراؤهم بين مؤيّد لهذه البرامج، ومعارِض لها، لا يجد منها
منفعة للمجتمع.
تقول غدير: "أنا لا أؤيّد هذه البرامج أبداً وأجدها فارغة المضامين، فهي تعتمد
على الفضائح. وعندما أشاهدها أشعر وكأنّي أستمع إلى نميمة جارة على جارتها".
وفيما تعتبر منال هذا النوع من البرامج سخيفاً وتافهاً لا قيمة له، ترى أمّ محمّد
أنّها برامج قويّة تحارب الفساد وتنشر فضائح مجتمعنا لتعلّمنا كيف نواجهها.
وتتفق رباب وسارة على أنّ هذه البرامج هدفها كثرة الكلام اللامجدي ونَشر التفاهات
والأكاذيب التي لا تفيد المجتمع ولا تغيّر فيه شيئاً.
*برامج للتنافس والربح
وعن البرامج التلفزيونية يتحدّث الإعلاميّ ضياء أبو طعّام (معدّ ومقدّم برامج
تلفزيونيّة) معتبراً أنّ المحطات التلفزيونيّة تعتمد في اختيار برامجها على
معياريْن أساسيين: الأول، الجمهور الذي يتوجّه إليه البرنامج، والثاني، هو ما يريده
هذا الجمهور. لذا، فهي تختار توقيتاً ليليّاً لعرض البرامج "القوية" التي تريدها أن
تصل لأوسع شريحة وأكبر عدد من الجمهور. وهذه البرامج عادة ما توضع على لائحة
التنافس مع البرامج المشابهة لها والتي تُعرض على المحطّات الأخرى.
واعتبر أبو طعام أنّ تلفزيون الواقع هو من أكثر البرامج التي تجذب الناس وتستهويهم
كونه يخترق خصوصيّات الناس وتَعرض أسرارهم، فتنشرها بالصوت والصورة. هذه البرامج
أصبحت سلعة تتنافس فيها المحطات التلفزيونيّة كوسيلة لكسب الإعلانات والربح
الماديّ، والدليل أنها تُعرض في يوم واحد وفي التوقيت نفسه تقريباً، وهذا إنْ دلَّ
على شيء، فهو يدلّ على مدى استغلال المحطّات مثل هذه البرامج للتنافس على الإعلانات
والمال ونسبة الجمهور المشاهد. ومَن يخترق الخصوصيّات بشكل أكبر ويأتي بأخبار أكثر
سريّة وأكثر فضائحيّة أو يخرق القوانين كما نرى في بعض الأحيان، يكون هو من كسب
الجمهور وبالتالي الإعلانات. وهذه أصبحت المعايير التي تحدّد "قوة الحلقة".
*هي صحافة صفراء
ويؤكّد أبو طعّام أنّ ما نشاهده اليوم ليس سوى صحافة صفراء، فإما أن يتمعّن الضيف
المعنيّ في شرح الفضائح للناس أو أن يتواجه طرفان بالذمّ والتشهير والسّباب وفضح
الأسرار. ويتابع: "هناك خروقات واضحة وبالجملة للقوانين العامة في هذه البرامج عَبر
خَرق خصوصيّات الناس وذمّهم والتشهير بهم بحجّة محاربة الفساد في المجتمع. أمّا
بالنسبة إلى الأخلاق المهنيّة فهي مفقودة؛ لأن إعلاميي هذه البرامج لم يعد همّهم
تقديم رسالة ذات فائدة للجمهور، بل كَسب أكبر عدد ممكن من المشاهدين. وبدلاً من
محاربة الفساد باتت هذه البرامج تنشر الفساد والفضائح وتفتح أعين الناس على أمور لم
تكن من ضمن اهتماماتهم، بل وصارت تعلّم الشباب طرقاً وأساليب في الاحتيال والسرقة
ومخالفة القوانين تحت عناوين براقة كنشر الوعي أو التحذير".
وفي الختام يتوجّه أبو طعام للمشاهد بالسؤال: أنت الحلقة الأقوى في هذه البرامج؛
لأنّك الزبون الذي تتنافس المحطات في جذبك. ووعيك في اختيار ما يجب أن تشاهد وتصدّق
هو الفيصل في هذه المسألة. لذا، عليك أن تسأل نفسك قبل مشاهدة هذه البرامج أو
اعتمادها والتوجّه إليها لحلّ مشاكلك مع الناس: هل فعلاً حلّت هذه البرامج مشاكل
المجتمع؟ ولو تمعّنت قليلاً في الإحصاءات التي تنشر يومياً ستجد أنّ معدلات الفساد
والجرائم تتضاعف سنة بعد أخرى، والفضل في ذلك يعود إلى مثل هذه البرامج مستندة إلى
وسائل التواصل الاجتماعيّ. لذا، علينا أن لا نصدّق كل ما ينقل على شاشات التلفزة؛
لأنّ هدفهم ليس معالجة المشاكل إنّما كسب الربح الماديّ فقط لا غير.
*لا يجوز نشر الأسرار
للشرع الإسلاميّ رأيه أيضاً في هذا النوع من البرامج وما تعرضه من مضمون. فضيلة
الشيخ صلاح العسّ يعتبر أن هذا النوع من البرامج يستهوي الناس؛ لأنّ طبيعة غالبية
البشر تحبّ الاطّلاع على خصوصيّات الآخرين، والاستماع لمعاناة البعض. لكن بحسب
فضيلته، فإنّ الخطورة تكمن في عرض وجهة نظر فرديّة، وفي إجبار الطرف الآخر على
الردّ بعد سيل من الاتّهامات، تبقى عالقة في أذهان الناس، ما يسيء إلى الطرف
المذكور بشكل واضح.
ويؤكّد الشيخ العسّ عدم جواز نشر أسرار الناس في برامج علنيّة ومباشرة على الهواء
وإلصاق التهم بهم، هذا من جهة الناشر والقييمين على هذه البرامج، أما من جهة
المشاهد، فلا يجوز الاستماع إلى فضائح الناس؛ كونها مقدمة للغيبة والبهتان
والنميمة. أما من جهة المدعي، فإن الحصول على الحقوق يكون بالطرق القانونية
والمشروعة، ولكلّ فرد حقّه في ذلك عبر طرقه القانونيّة والشرعيّة مع عرض البيّنات
والشهود، وكلّ ملابسات الموضوع المتعلقة بكافّة الأطراف ليتمّ البتّ بها وتبيان
الحقيقة.
وينصح فضيلته كلّ من يودّ تحصيل حقوقه اللجوء إلى الطرق السليمة، والبعيدة عن الشدّ
العصبيّ والسباب والإساءة للآخرين، "لأنّ ما قد يكون حقاً لك من وجهة نظرك، قد
لا يكون كذلك من وجهة نظر القانون والشرع. كما إنّ سلوك الطريق الخطأ سيوقعك في
مشاكل اجتماعيّة وقانونيّة وشرعيّة أيضاً".
وختاماً، يشجّع الشيخ العسّ على إنتاج برامج توعية للناس؛ حتّى لا يقعوا في أفخاخ
نصَبَها لهم الآخرون فقط لأنّ لا علم لهم بالقوانين وبتبعات السلوك الذي اختاروه،
مع التشديد على التزام هذه البرامج بقواعد الأدب والاحترام ومراعاة حقوق جميع
الناس.